الجزائر (CNN)-- يرجح الملاحظون أن أكبر ما يهدد نزاهة الانتخابات الرئاسية التي ستعرفها الجزائر يوم 17 أبريل نيسان القادم، ليس في عملية التزوير التي يتوقعها البعض ولا لعزوف الشعب الجزائري عن الانتخاب مثلما ينادي إليها عدد من الأحزاب السياسية المناهضة للنظام، ولا حتى بانسحاب المترشحين وترك الطريق مفتوح على بوتفليقة مثلما حدث في عهدته الثانية سنة 2004، وإنما الدعوة التي ينادي إليها عدد من السياسيين والأحزاب متمثلة في التصويت بالورقة البيضاء.
أول من دعا إلى التصويت بالورقة البيضاء كان رشيد نكاز، المرشح المقصى من الانتخابات الرئاسية، والذي ورغم إقصائه من المجلس الدستوري إلا أنه لم ينادي إلى مقاطعة الانتخابات مثلما يدعوا زعيم حركة التغيير، عبد المجيد مناصرة، بل دعا نكاز إلى التنقل وبقوة لإجراء عملية الاقتراع وتصويتهم يجب أن يكون بورقة بيضاء تودع داخل صناديق الاقتراع يوم الخميس القادم، بطريقة قال عنها نكاز لموقع CNN بالعربية إنها حضارية وتعبر بصدق على رفض سياسة السير إلى الوراء والتزوير الذي يطال كل مرة العمليات الانتخابية.
لم يكتف نكاز بهذا القدر، وإنما ذهب لأبعد من ذلك حينما أضاف من يقول إن الشعب غير واع لما يجري من حوله فهو مخطأ في تقديره، وقال: "أنا من منبري هذا أدعوا كل الشباب والشعب الجزائري إلى الذهاب وبأعداد كبيرة إلى صناديق الاقتراع من أجل التصويت بالورقة البيضاء التي تعبر بصدق عن رفض الشارع للنظام الحاكم."
واعتبر أستاذ الترجمة في الجامعة المركزية، عمر لافي قضية الأوراق البيضاء على أنها هي أكبر ما يقلق السلطة ودوائر القرار في البلاد، لأن أصحاب هذه الأوراق حسب محدثنا يعبرون عن سخط دون توصيف، لا هم يقاطعون، ولا هم يعبئون بما هو مطروح أمامهم من أفكار ورؤى، لكنهم يقدمون على الفعل الانتخابي كواجب وطني وسلوك حضاري في رسالة قوية يقول أصحابها انهم موجودون لكنهم غير راضيين، فيمارسون ما يشبه الانتخاب العقابي انتقاما من وضع راهن.
وبالعودة قليلا إلى الخلف نجد أن الانتخابات الرئاسية الماضية التي جرت في أبريل نيسان 2009 وصلت عدد الأوراق البيضاء التي أحصتها وزارة الداخلية إلى مليون و42 ألف و700 ورقة بيضاء. كما شهدت الانتخابات الرئاسية لسنة 2004 أكثر من 330 ألف مصوت بالورقة البيضاء، وهي تعابير مثلما قال المحلل السياسي أحمد عظيمي لموقع CNN بالعربية ما هي إلا أصوات من لم يجدوا من سبيل للتعبير عن استيائهم سوى الورقة البيضاء كتصويت عقابي واحتجاجي، ليس على التزوير كونه واقع في كل الحالات ولا حيلة لمواجهته، بل كتصويت احتجاجي على وضع اجتماعي وسياسي لا تلوح في أفقه بوادر انفراج قريب.
ومن جهة أخرى قال اسماعيل معراف، استاذ محاضر في كلية العلوم السياسية والإعلام في تصريحات لموقع CNN بالعربية عما يهدد المرشحين الستة في الانتخابات القادمة، ليس في ذهابها إلى الدور الثاني في حال تعادل بوتفليقة مع بن فليس مثلما يتوقع البعض، وإنما في منافسة الأوراق البيضاء للمترشح بوتفليقة، أو كما قال: "شكلت الأصوات غير المعبر عنها أو ما يعرف بالمصطلح الانتخابي الأوراق الملغاة المفاجأة الوحيدة لاستحقاقات 2009،"
وأضاف "الحزب الوحد الذي نافس بوتفليقة في الصندوق وكان الوصيف الأول الذي صنع الفارق بينه وبين منافسي بوتفليقة الذين لم تصل الأصوات الممنوحة لهم مجتمعة الرقم الذي وصلته الأوراق البيضاء الملغاة." اسماعيل معروف، استاذ بكلية العلوم السياسية
ومن جانبه ذهب ابراهيم بوناصر استاذ محاضر في كلية الإعلام والاتصال إلى لغة الأرقام، حينما قال في تصريحاته لموقع CNN بالعربية: "في الانتخابات الرئاسية الماضية فاقت نسبة الأوراق البيضاء النسب التي حققتها زعيمة حزب العمال لويزة حنون 4.2 في المائة، وتلك التي حققها موسى تواتي عن حزب الجبهة الوطنية الجزائرية 2.3 في المائة، وتلك التي فاز بها فوزي رباعين 0.9 في المائة، أو تلك التي حققها جهيد يونس عن حركة الإصلاح بـ 1.37 في المائة، فيما لم يجن محمد السعيد وزير الإعلام الأسبق إلا 0.9 في المائة، وهي نسب قليلة فاقتها نسبة الأوراق البيضاء الملغاة.
وواصل قائلا: "الوضع القائم في الجزائر مع الوضعية الضبابية الغامضة التي تميز الانتخابات الرئاسية القادمة، مع القاعات الفارغة، الاحتجاجات التي رافقت مرور وكلاء الرئيس المنتهية عهدته في عدد من ولايات الوطن مثل باتنة، بجاية، خنشلة، متليلي، ورقلة وتيزي وزو أمر ينبئ على أن أكبر حزب سينافس لبوتفليقة على المرور إلى الدور الثاني، هو حزب الناقمين والغاضبين وستكون أصواتهم عبارة عن أوراق بيضاء لا لون لها وتفوح منها رائحة الغضب."