هذا المقال بقلم الدكتورة نيفين مسعد، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المصرية يتزايد استدعاء الدين في الخطاب السياسي وكأننا لم نمر بتجربة شديدة الإيلام من أول استفتاء ١٩ مارس مرورا بالانتخابات التشريعية ثم الرئاسية عامي ٢٠١١ و ٢٠١٢. في كل تلك المناسبات، كان تزيين أي خيار يأتي مقرونا بأنه الأفضل للدين، حتى وصلت للسلطة جماعة احتكرت الدين لحسابها وكان من أمرها كل ما كان.
يوم ٢١ أبريل الماضي، أدلى الأنبا بسنتي أسقف حلوان والمعصرة بحديث مطول إلى صحيفة الوطن المصرية، وأبرزت الصحيفة من حديثه جملة موحية جعلتها عنواناً للحديث "الخير سيأتي لمصر على يد السيسي." ولمعرفتي بأن العناوين فى أحيان كثيرة لا تعكس مضمون الحديث، انتقلت إلى المتن فلم أجد إلا تأكيدا لمعنى العنوان. قال الأنبا بسنتي " أنا كمواطن مصري ألمس أن الخير الكثير سيأتي لمصر على يد المشير عبد الفتاح السيسي" ، وأردف " الأستاذ حمدين صباحي إنسان جيد بلا شك ولكن الظروف التى تمر بها مصر تريد شخصا عسكريا" !! ، وأضاف "نحن ندعو أن يكون هو (أي السيسي ) الرجل الذى يختاره الله لقيادة البلد الغالية مصر" . عفوا سيادة الأنبا، إنك حين تتحدث للإعلام فإنك لا تعبر عن رأيك كمواطن عادي، لكن كراع لكنيسة لها شعبها الذي يحمل لك كل احترام ويتأثر برأيك ويستصوبه، وعندما تصرح بما صرحت به فإنك تؤشر وبكل وضوح إلى أين يذهب اختيارك، لا يقلل من ذلك قولك " الكنيسة لا تدفع الأقباط لاختيار أحد" فالدفع بمعناه المادي بالقطع ليس قائما لكن الدفع بالمعنى المعنوي قائم بالتأكيد، وقوة الكنيسة مصدرها معنوي أخلاقي بالأساس. مر حديث الأنبا بسنتى دون أن أقرأ تعليقاً عليه، لكن صحفاً مصرية عديدة نشرت يوم 5 مايو الجارى أن البابا تواضروس الثانى بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية أكد "أن الكنيسة لن تدعم مرشحاً بعينه" ، كما أكد الأنبا أنطونيوس مطران الأقباط الكاثوليك بالجيزة على "أن الكنيسة لن تتدخل في السياسة أو الانتخابات ولن تدعم أحد المرشحين."
على الجانب الآخر قدم حزب النور تسعة أسباب تبرر تأييده للمشير السيسي في انتخابات الرئاسة ونشرتها صفحات الحزب فضلاً عن صفحات الدعوة السلفية. بعض ما ورد فى البيان من أسباب يتميز بالطرافة كما في السبب الأول الذى أشار إلى تعاون مؤسسات " الدولة العميقة" مع السيسي، دون إدراك أن مصطلح الدولة العميقة يضر ولا ينفع كونه يقصد شبكة من المصالح البيروقراطية المترسخة التى يستميت أصحابها فى حمايتها ويقاومون كل تغيير. والبعض الآخر يتميز بالتناقض مع العداء المعلن من حزب النور للناصرية والناصريين، إذ يتحدث السبب الثالث عن أن السيسي رجل " قومي " ووطني وذكي. أما البعض الثالث فيتميز ببراجماتية يُحسد عليها النور إذ ينوه إلى أن السيسي " صاحب فرصة فوز كبيرة وليس هناك مصلحة للحزب من عدم دعمه." لكن كل تلك الملاحظات شيء والملاحظة المتعلقة بالتبرير الديني لاختيار النور دعم السيسي شئ آخر تماماً ، ففي السبب الخامس ورد أن السيسى "يعلم خطر الشيعة جيداً وأنها قضية أمن قومي" ، ومثل هذا الكلام الطائفي البغيض هو نفسه الذى يحمل أشد الخطر على أمن مصر القومي. فأي شيعة يقصد بيان النور ؟ شيعة إيران وكأن مصر تبني سياستها على أسس مذهبية لا مصلحية كتلك التى بنى عليها النور موقفه ؟ أم شيعة مصر الذين هم جزء لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المصري، والذين ذبح بعضهم بدم بارد فى عهد مرسي جراء مثل هذا التحريض المذهبي ؟... أتوقع تعليقاً سريعاً من المشير السيسي ينفي به عن نفسه أنه مرشح السنة فى مصر. وفي السبب السابع أورد البيان أن السيسي "يحافظ على الصلاة كما قال أكثر من عاشره " ، فمتى نتوقف عن الزج بأنفسنا فى تقييم عبادات السياسيين وهذا شأن لا صلة لمخلوق به ؟ وهل كان مرسي يفعل شيئاً إلا توزيع صلواته على المحافظات المختلفة كل أسبوع، فإذا كانت الصلاة معيار الصلاح لماذا شارك حزب النور إذا فى رسم خارطة الطريق؟ هل يفيد في شيء أن أقول إنني رأيت حمدين ينسل فى أعقاب اجتماعات التيار الشعبى ليؤدى الصلاة، أو أن الرئيس عدلي منصور رفع جلسة المجلس القومي لحقوق الإنسان بقصر الاتحادية ليصلي الظهر أو أن مستشاره للشئون الدستورية علي عوض استأذن من إحدى الجلسات وهو على المنصة ليصلي الظهر بدوره ؟ لن يفيد لأنه غير مطلوب سياسياً ، والعبادات نقرة والمعاملات نقرة أخرى. وفى السبب التاسع والأخير تضمن البيان أن السيسي " لا يحمل أيديولوجية معادية للإسلام أي ليس ليبرالياً ولا علمانياً ولا يسارياً ولا معادياً للشريعة" ، فهل كانت وثيقة المدينة إلا مؤسسة لمبدأ المواطنة الذي هو جوهر الليبرالية ؟ وهل تتناقض الاشتراكية مع الإسلام ؟ وما موقف الحزب بعد أن أعلن السيسي فى حواره التلفزيوني أنه مع الدولة المدنية التي تسبب حساسية شديدة للتيار السلفي ؟
إن مما يشجع على توظيف الدين توظيفاً واسعاً فى العملية الانتخابية ذلك الحضور القوي للمفردات الدينية سواء فى خطاب المشير السيسي أو في خطاب بعض من عرفوه عن قرب. ففي حوار العميد متقاعد سيد غنيم فى الأهرام العربي يوم 15 مارس 2014، ذكر أن المشير كان معروفاً بأنه " مشغل قرآن " فى البيت والمكتب وحتى السيارة ، وأنه يصوم كل اثنين وخميس، وأنه أثناء وجوده فى الوحدة العسكرية كان إما في مكتبه أو في المسجد أو يمارس الرياضة.
فمتى نتبين أننا لن نستطيع منافسة الإخوان في أداء الفرائض لأن هذا مجال تميزهم عند من يفتشون في صلة العبد بربه، إنما منافستهم مطلوبة ومؤثرة في المجال الذى لم يقتربوا منه قط وتجسده ثلاثية الثورة الشهيرة: عيش، حرية، عدالة اجتماعية فهل ثمة حياة لمن ينادي؟... أشك.