الرباط، المغرب (CNN)-- بعد مرحلة جمود وتعثر طال امده، يبدو أن قطار اتحاد دول المغرب العربي يتلمس سكة انطلاقة جديدة تصالح شعوب المنطقة مع مشروع تنتظر تحقيقه منذ القدم، بعد ان تقاسمت ذكرى المقاومة الجماعية للاستعمار لكنها فشلت في ربح رهان الوحدة والتنمية بعد تأسيس كياناتها المستقلة.
لقد حمل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد نهاية الأسبوع المنصرم بالعاصمة المغربية الرباط مكسبا لافتا للنظر جعله يختلف عن باقي الاجتماعات الدورية التي أصبحت مع توالي السنين نمطية وتكاد تكون بروتوكولية. ويتعلق الامر بالاتفاق على عقد قمة مغاربية لمجلس الرئاسة الذي يضم قادة الدول الخمسة، على ان تحتضنها تونس قبل نهاية العام الجاري. بل يزكي تحديد موعد مبدئي للقمة في أكتوبر المقبل صدق وجدية إرادة الانطلاق من جديد على درب الاندماج المغاربي.
وجاء اعلان وزراء الخارجية، في ندوة صحافية أعقبت اجتماعهم، عن انعقاد القمة في تونس بمثابة مكافأة للجهود التي بذلتها تونس لشهور متوالية من اجل جمع شمل الأعضاء وتقريب وجهات النظر. وهو هدف جعله الرئيس التونسي المنصف المرزوقي أحد رهاناته الاساسية.
ولعل استمرار الخلاف المزمن بين المغرب والجزائر حول الصحراء، وهما الدولتان القاطرتان للاتحاد، جعل تونس مؤهلة بامتياز للعب دور الوساطة من اجل استئناف مسلسل تعطل منذ 1994، تاريخ إغلاق الحدود المغربية الجزائرية. ذلك انه منذ زهاء عقدين من الزمن، لم يجتمع قادة البلدان الأعضاء وتراكمت الاتفاقيات التي نصت عليها معاهدة الاتحاد الموقع عليها في مراكش عام 1989، وظل على وجه الخصوص مبدأ تحرير حركة الأشخاص والاستثمارات والنهوض بالتجارة البينية حلما بعيد المنال.
ويرى المراقبون أن نفخ الروح في جسد البنيان المغاربي لم يعد اختيارا، بل ضرورة حتمية تقتضيها تحولات السياق الإقليمي والدولي. فالصمود في زمن الأزمة البنيوية للاقتصاد العالمي ومواجهة تداعيات الأوضاع الأمنية والسياسية الانتقالية في مرحلة ما بعد الربيع العربي، ولاسيما اخطار الانهيار الأمني في منطقة الساحل والصحراء بات رهنا بإرساء إطار تفاوضي وتكاملي وتضامني بالمغرب العربي.
وأعرب المسؤولون المغاربيون عن وعيهم بهذه الأوضاع الخطيرة حين أكدوا انخراطهم المشترك من اجل تطويق الظواهر السلبية الوافدة من جنوب الصحراء، والتي تشمل، حسب ما ورد في الندوة المشتركة للوزراء عقب الاجتماع، تهريب البشر والإرهاب وتجارة المخدرات.
وان كان الاجتماع المرتقب على مستوى القمة يبعث إشارة تفاؤل بالمستقبل، فان كثيراً من المراقبين لا يتوقعون احداث اختراق هام في المسار الاندماجي لمقدمات عدة من بينها تعثر العملية الانتقالية بليبيا والغموض الذي يلف وضع الرئاسة في الجزائر في ظل الحالة الصحية المتدهورة للرئيس بوتفليقة فضلا عن احتدام التناقض الجزائري المغربي بخصوص ملف الصحراء.
ويتطلع مراقبون لمسار الاتحاد المغاربي الى أن يتوصل المغرب والجزائر الى تطبيع تام للعلاقات الثنائية على أساس تحييد قضية الصحراء التي تشرف عليها الامم المتحدة وفتح الحدود المغلقة منذ 1994، بانعكاساتها الاجتماعية والاقتصادية على المستوى الثنائي والمغاربي.
عشرون سنة من الجمود على مستوى أهم هياكل الاتحاد وبؤرة قراره الاستراتيجي كلفت شعوب المغرب العربي خسائر اقتصادية وتنمية هائلة، تؤكدها أدبيات المؤسسات الدولية والخبراء الاقتصاديين المستقلين. تسعة ملايين منصب شغل تبخرت في سنوات الجمود. صندوق النقد الدولي يقدر التكلفة سنويا ب 16 مليار دولار، وجهات عديدة قدرت ان المغاربيين يهدرون ما يعادل 2 في المائة من نتاجهم القومي بسبب اللامغرب.
إحباط كبير في صفوف رأي عام مغاربي مازال يحتفظ بذاكرة جماعية خصبة. وكان لافتا حديث الأمين العام للاتحاد الحبيب بن يحيى في الندوة الصحافية التي أعقبت اجتماع الرباط، عن ضرورة تغيير "الصورة السلبية" التي راكمها الاتحاد كآلية معطلة. والواقع ان تغيير هذه الصورة يبدأ بالعمل على الارض، وتجاوز الحسابات القطرية الصغيرة، يقول مراقبون.