بقلم نديم شحادة (باحث في برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مؤسسة شاثام هاوس، كما أنه المدير السابق لمركز الدراسات اللبنانية في جامعة أوكسفورد)، ما يرد في المقال يعبّر عن وجهة نظره ولا يعكس رأي CNN
أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN) -- في نفس الأسبوع الذي شهد سقوط حمص بأيدي نظام الأسد، اتفقت الولايات المتحدة وبريطانيا على استئناف تزويد المعارضة بأسلحة غير فتاكة. وفي الوقت الذي يبدو فيه القرار ذا رمزية مهمة جدا إزاء معارضة بحاجة ماسة إلى أي نوع من الدعم، فإنه أيضا يحتوي على رمزية أخرى مفادها أنّه من غير المرجح أن يؤدي ذلك إلى فرض التوازن على القوى المتنازعة على الأرض.
وتعدّ مساعدات الولايات المتحدة وبريطانيا عديمة الأهمية عندما تقارن بما يتلقاه النظام السوري من حلفائه مثل إيران وروسيا. والهدنة في حمص نتيجة واضحة لفشل الدعم الغربي للمعارضة وللدعم الكلي الذي يتلقاه النظام من حلفائه.
ومن شأن ذلك أن يعطي إجابات عن ظاهرتين: الأولى هي خيبة الأمل إزاء إدارة أوباما لدى غالبية حلفائها العرب والمعارضة السورية التي شعرت بأنه تم التخلي عنها من قبل الولايات المتحدة.
والظاهرة الثانية هي اعتبار كل من روسيا وإيران مساعدة ودعم النظام في سوريا كجزء لا يتجزأ من استراتيجيتهما السياسية والدبلوماسية، وهو ما يبدو أن والولايات المتحدة والمملكة المتحدة تنظر إليهما باعتبارهما إجراءين منفصلين: فإما تقديم الدعم العسكري للمعارضة أو الدفع باتجاه حل سياسي، لا يمكن القيام بهما في آن واحد.
المساعدات الأمريكية التي تقدر بـ27 مليون دولار، والأخرى البريطانية، وتصل إلى مليون جنيه إسترليني (1.69 مليون دولار)، في شكل مساعدات "غير فتاكة" كأنظمة اتصالات وأجهزة طبية ومواد غذائية، التي تم تعليقها في ديسمبر/كانون الأول، استؤنف تقديمها مجددا بعد فشل مباحثات "جنيف 2" لإيجاد حل سلمي للأزمة.
ومقابل ذلك، استمرت إيران وروسيا في تقديم مساعدات أكثر أهمية، سياسة الغرب في سوريا تعكس ضعفا، وترددا وافتقار للإستراتيجية، فيما أبدى الاثنان قوة وعزيمة، فاستراتيجيتهما تدخل في إطار استراتيجية أوسع لمواجهة الولايات المتحدة، التي كانت بدورها تضغط على حلفائها الإقليميين كتركيا والسعودية ودول الخليج الأخرى لتحجيم مساعداتهم للمعارضة السورية بدعوى استحالة الحل العسكري للأزمة.
المساعدات الإيرانية والروسية
من الصعوبة التقدير بدقة حجم المساهمات الروسية والإيرانية، فقد أشار تقرير المجلس الأوروبي للعلاقات الأجنبية، حول اقتصاد سوريا إبان الحرب، إلى مساعدات نقدية وامدادات نفطية بقيمة 5.8 مليار دولار في منتصف عام 2011، بالإضافة إلى تسهيلين ائتمانيين اثنين، بقيمة مجتمعة بلغت 4.3 مليار دولار في 2013.
ومؤخرا، زعم برهان غليون، الرئيس السابق للمجلس الوطني السوري، بأن المساعدات الإيرانية للنظام السوري تجاوزت 14 مليار دولار حتى اللحظة، وهو رقم قد يرتفع كثيرا حال تقدير حجم المساعدات العسكرية.
ما نعلمه هو وجود المئات من قادة "قوة القدس"، الذراع الخارجي للحرس الثوري الإيراني، في سوريا، إيران أيضا تسلح وتدرب حزب الله في لبنان وعدد من المليشيات العراقية التي تقاتل في سوريا، كما ترسل أسلحة وذخيرة. تأثير ذلك لا يطاق على الاقتصاد الإيراني، هناك العديد من المنشقين الإيرانيين من يعزون جانبا كبيرا من ضوائق الاقتصاد إلى تورط الحكومة في سوريا.
روسيا بدورها تقدم دعما اقتصاديا وعسكريا للنظام، بالالتفاف على العقوبات ودعم العملة السورية التي تطبع حاليا في روسيا، بجانب مساعدات عسكرية، تقنية ومعدات.
تشمل الحسابات كذلك مليارات الدولارات من الغرب في شكل مساعدات إنسانية تقدم عبر الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى، معظمها يخصص للتعامل مع إفرازات الحرب كمشكلة اللاجئين، وتذهب البقية إلى النظام الذي يطوعها لصالحه في محاصرة أو استراتيجية التجويع التي اتبعها في حمص.
السيناريو بسيط، النظام قطع امدادات المياه والكهرباء والغذاء والوقود والمداخل، وباشر في قصف المدينة لإخضاعها باستخدام المدفعية والغارات الجوية والبراميل المتفجرة، ومن ثم تساعد الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، وبتمويل من الغرب، النظام وحلفائه للتفاوض حول الاستستلام، الذي يطلق عليه مجازا "وقف إطلاق نار محلي"، كما شهدنا مؤخرا في حمص وغيرها من المناطق.
استراتيجية مختلفة
التباين في الاستراتيجية فاضح: روسيا وإيران تعززان مساعدتهما العسكرية لتقوية موقف الأسد في المفاوضات، فيما تجمد أمريكا وبريطانيا دعمهما للمعارضة لدرجة قد تعتبر وسيلة ضغط لدفعهما تقديم تنازلات في المفاوضات، حتى آرون ديفيد ميللر، في تقرير مركز السياسة الخارجية، جادل بأن سبب تردد الرئيس باراك أوباما في مساعدة المعارضين في سوريا غايته عدم تعريض حواره مع إيران للخطر من منطق "لا يمكنك التفاوض وإطلاق نار في الوقت نفسه."
قد يعود ذلك لاختلاف المفاهيم بشأن أهمية النزاع في سوريا، فالبيت الأبيض قد ينظر إليه باعتباره هامشي لدى تحويل اهتمامه بعيدا من الشرق الأوسط نحوآسيا، هذا يجعله نزاعا محليا تقف فيه جانبا بانتظار الطرف الذي سوف ينتصر، روسيا وإيران تلعبان لأجل تحقيق النصر، ويعتبرانها معركة استراتيجية بأهداف تتجاوز سوريا، ربما ضد الولايات المتحدة ونفوذها الدولي.
قد يجادل البعض بأن ما قد ينظر إليه كضعف أمريكي لا يقتصر فقط على موقفها من سوريا، ففي الوقت الذي يشعر فيه حلفاؤها بخيبة آمل بخذلانها لهم، أدى ذلك، في الوقت عينه، إلى تقوية ساعد أعدائها بالاعتقاد بإمكانية الاستفادة من الوضع.
لهذا السبب تعتقد روسيا بإمكانية الإفلات من تحركاتها الجريئة في أوكرانيا، في حين تعتقد إيران بإمكانية اللجوء لخدعة "الشرطي الجيد والآخر الخبيث الكلاسيكية، فالرئيس (حسن) روحاني، بابتسامة وتغريدة على تويتر يبدي رغبته في التفاوض حول اتفاق نووي فقط، أما الشرطي السيء، فهو الجنرال قاسم سليماني، قاد الحرس الثوري الإيراني، وله اليد العليا لمحاربة المصالح الأمريكية في العراق وسوريا ولبنان وأفغانستان ومناطق أخرى تنشط فيها قوة القدس.
الأمر مشابه للوضع في العراق عام 1991، عندما شجعت واشنطن انتفاضة، ثم تنحت وحلفاؤها جانبا لتشاهد مروحيات صدام حسين تسحقها، ليقتل خلال شهرين قدر ما فتك بشار الأسد من السوريين خلال السنوات الثلاث الماضية.