لماذا يشكل مقاتلو "داعش" تهديداً على الغرب؟

الشرق الأوسط
نشر
11 دقيقة قراءة

أتلانتا، الولايات المتحدة الأمريكية (CNN)-- يبدو أن "أبو أسامة" الألماني في العشرينات من عمره، مع لحية حمراء أنيقة وسلاح على كتفه، يخاطب إخوانه المسلمين في ألمانيا، من موطنه الجديد في شمال سوريا.

إذ ظهر في مقطع فيديو مدته تسع دقائق، نشره تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، المعروف باسم "داعش"، وقد سمى نفسه تيمناً بأسامة بن لادن، "لأنه ضرب في رأس الظلم، فهو أرهبهم (الغرب) كما أرهبونا، فما داموا لم يتوقفوا.. فسنعاملهم بالمثل..."

ويسأل جمهوره: "هل أنت سعيد في حياتك بألمانيا؟ تذهب للملهى الليلي، ولديك صديقات؟"، وفقاً لترجمة الفيديو الذي نشر على موقع يوتيوب من الألمانية إلى العربية.

عندها يدعو "أبو أسامة" المسلمين إلى الانضمام في القتال الذي يديره قائد "داعش"، أبو بكر البغدادي، ثم يخاطب البغدادي قائلاً: "كل العالم ضدك فإنك تدعو إلى إقامة دولة إسلامية، لذلك نحبك ونقف إلى جانبك."

سجلت هذه الرسالة في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، ولا توجد هنالك تسجيلات أخرى باسم أبو أسامة بعدها، وقالت وسائل إعلام ألمانية إنه كان يعمل في توصيل البيتزا من بلدة راين وستفاليا الصغيرة شمال ألمانيا.

ولكن كم من الأشخاص اتبعوا الطريق ذاته من ولاية فلوريدا الأمريكية وفرنسا والنمسا وأستراليا؟.. وهل يمكنهم عند العودة لبلادهم أن يجلبوا الإرهاب معهم؟

تتركز جهود "داعش" على تأسيس "إمارة" في المناطق التي تخضع لسيطرتها في سوريا والعراق، وهذا يعتبر خطوة لها لتحقيق هدفها الأسمى بإنشاء دولة خلافة إسلامية أوسع، ولكن أي تحرك عسكري يمكن أن يسلكه الجيش الأمريكي لدعم الحكومة العراقية يمكنه أن يغير من ذلك، وإن شعرت "داعش" برغبة في ذلك، يمكنها أن تطلق موجة من رجال شباب يحملون جوازات سفر "نظيفة" للقتال مجهزين بمهارات لتحضير القنابل ومعتقدات لا يمكن هزها عن مواطنهم الأصلية.

ويقول أبو أسامة في هذا الفيديو إن الأمريكيين هم الإرهابيون، ومهمة قوات مكافحة الإرهاب معقدة، وذلك لأن السفر إلى سوريا في العديد من دول الغرب ليس ممنوعاً، إذ تقوم هذه الحكومات، وبنهاية المطاف، بتقديم الدعم للجيش السوري الحر والعديد ممن يذهبون يستمدون الوحي من المأساة الإنسانية.

وقال مسؤول أمريكي لـCNN، مقابل عدم الكشف عن هويته، الأسبوع الماضي، إن الأزمة في سوريا والعراق هي محط اهتمام مستمر في مجموعات مكافحة الإرهاب، وقال المسؤول إن "داعش" الآن تركز جهودها على العراق، لكن "القلق الأكبر" يكمن في تحويل اهتمامها إلى الغرب، وذلك من خلال جمع الأفراد الغربيين وإلحاقهم بقواتها وتدريبهم للعودة إلى بلدانهم على شكل محاربين متشددين مدربين للقتال.

العلامات موجودة، ففي يناير/ كانون الثاني، قام قائد "داعش" أبو بكر البغدادي بإلقاء اللوم على "اليهود والصليبيين"، لقتال الجماعات الجهادية في بينها بسوريا، مضيفاً: "قريباً جداً ستكونون بمواجهة مباشرة، وستضطرون إلى القتال، بإذن الله."

وقد اتهم فرنسي من أصل جزائري، مهدي نموش، بقتل أربعة يهود في المتحف اليهودي ببروكسل الشهر الماضي، وعندما قامت الشرطة الفرنسية باعتقاله قامت بمصادرة سلاح كلاشينكوف وجد عليه العلم الذي ترمز فيه "داعش" لنفسها، وفقاً للمدعين الذين قالوا إن نموش قاتل في سوريا لمدة عام، وليس معروفاً انضمامه إلى "داعش" حينها من عدمه.

وفي أفضل الأحوال، فإن الاستخبارات الغربية، وبشكل مقلق، لا تملك صورة واضحة عمن ذهبوا إلى سوريا للانضمام إلى "داعش" أو غيرها من الجماعات الجهادية المسلحة، رغم نجاحها في تحديد هويات بعضهم من خلال التنصت ومراقبة حسابات وسائل التواصل الاجتماعي.

وهذه تعد معلومات استخباراتية أولية فحسب من العراق أو سوريا، إذ سافر معظم المقاتلين الأجانب من تركيا إلى هذين البلدين، إذ تقدر السلطات الفرنسية توجه نحو 800 مواطن فرنسي إلى سوريا، أو نيتهم في ذلك، ويشير المحللون إلى أن حوالي 100 أمريكي سلكوا ذلك المسار، وهنالك مصدر آخر للقلق: فمعظم الأوروبيين يمكنهم التوجه إلى أمريكا من دون الحاجة إلى تأشيرة للدخول.

ونفذ مواطنون فرنسيون وألمان بعمليات انتحارية في سوريا هذا العام، كذلك فعل أمريكي واحد على الأقل، إذ أصبح منير محمد أبو صالحة (22 عاماً) من ولاية فلوريدا، أول مفجر انتحاري أمريكي في سوريا، بعد انضمامه إلى منافسة "داعش"، جبهة النصرة.

وتقول الشرطة البريطانية إنها أجرت 40 عملية اعتقال بتهم مرتبطة بسوريا خلال الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام، وهو ما يقارب ضعف عدد الاعتقالات التي أجرتها العام الماضي مجتمعة.

وقد حذر مدير مركز شرطة "سكوتلاند يارد" البريطاني لمكافحة الإرهاب، ريتشارد والتون، العام الماضي، من احتمالية توجيه هذه القوات هجومها نحو بريطانيا، إذ قال: "لا أظن بأن عامة الناس يدركون مدى خطورة هذه المشكلة"، مضيفا: "إن القطعة النقدية لم تسقط أرضاً بعد، ولكن سوريا يمكنها أن تقلب الأحداث في اللعبة."

كما أشار مدير مكتب التحقيقات الفدرالية، جيمس كومي، الشهر الفائت إلى أنه "سينشأ تشتت عن الوضع السوري عند نقطة ما، ونحن مصرون على عدم السماح لرسم خطوط ما بين روسيا اليوم وأحداث 11 أيلول/سبتمبر مستقبلية."

ويقدر الباحث في مركز الدراسات السياسية للشرق الأدنى، آرون زيلن، بأن ما يقارب ثلاثة آلاف أوروبي توجهوا للقتال في سوريا.

وقد تم جذب العديد من هؤلاء الشباب نحو قضية الإطاحة ببشار الأسد وتأسيس دولة إسلامية في سوريا أو في بعض أجزائها، ويعتبرون أنفسهم الجنود المؤسسين لإمارة إسلامية في قلب الوطن العربي، ولكن الآن فهي "داعش"، وليست القاعدة، التي جلبت الحلم بإنشاء دولة خلافة إسلامية بهذا القرب من تحقيقه إلى واقع.

وإن تمكنت الجماعة من الحفاظ على بعض من نجاحاتها المذهلةفي العراق، مضيفة إليها الأراضي الخاضعة لسيطرتها في الأجزاء الشمالية بسوريا، فإنه يتوقع بأن نشهد اندفاعاً قوياً في تدفق المقاتلين الأجانب من الوطن العربي ومن الغرب، إذ أثبتت "داعش" مهارتها في الترويج لنفسها من خلال حملة دعائية متتالية كان نجومها مقاتلين أجانب انضموا إليها.

وحتى الآن فإن الأدلة القليلة على ظهرت للضوء، وبشكل أساسي مما كشف عنه "داعش" نفسها، تشير إلى أن معظم المفجرين الانتحاريين في العراق كانوا من العرب، من ضمنهم مغاربة وتونسيون وأردنيون، ولكن في مارس/آذار ستحتفل باستشهاد "داين" الذي شارك بهجوم على قاعدة عسكرية تابعة للجيش العراقي في قضاء التاجي شمال بغداد.

وقام شخص آخر باسم "داين" بنفجير نفسه في سيارة مفخخة ضد القوات العراقية جنوب الموصل وقام مواطن فرنسي بتفجير مقر تابع للشرطة في الموصل، إذ قالت الجماعة في بيان لها في مايو/أيار الماضي إن "أبو القاعدة" الفرنسي أتى إلى العراق من خلال سوريا.

وقد علم تنظيم القاعدة في باكستان العديد من الأوروبيين والأمريكيين الملتحقين بها كيفية صنع قنابل عالية التفجير من مواد متوفرة بسهولة، وإلى هذا اليوم لا يوجد هنالك أي دليل كشف عنه علنياً يمكنه تأكيد توفير "داعش" أو جبهة النصرة تدريباً لمقاتليهما الأجانب لصنع قنابل "لأخذها للمنزل"، إذ لا يعتبر الهجوم على الغرب، حتى هذا اليوم، أولوية لأي من الجماعتين، ولكن سيكون من السذاجة التفكير بأن أي تحرك عسكري أمريكي ضد "داعش"، مثل الضربات الجوية، لن يحفز رداً منها.

يقول الباحث في مركز "فلاش بوينت"، ليث الخوري، إن الولايات المتحدة ستعبر خطاً أحمر، مضيفاً: "إن خطر تلقي الغرب لهجومات إرهابية سيزداد، لأن "داعش" سترى أي تدخل لأمريكا بمثابة محاولة للصليبيين إيقاف نشأة دولتهم الإسلامية."

كما أن قادة تنظيم القاعدة، ورغم خلافاته مع "داعش"، سيتقدم لمحاولة ضرب الغرب في ضوء أي ضربة جوية من أمريكا، إذ أشارت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان لها الشهر الماضي، إلى أن عبد الرحمن الجهاني، وهو قائد برتبة عالية في تنظيم القاعدة بالسعودية، كان قبلها متمركزاً في باكستان، قد انتقل للعمليات في سوريا، وأن "جزءاً من المسؤولين في تنظيم القاعدة بسوريا تشكلوا لتنفيذ عمليات خارجية ضد أهداف بالغرب."

ويرى العديد من المحللين بأن الثأر سينصب ضد مصالح أمريكا بالخارج، بدلاً من ضرب في أمريكا نفسها، وهو موضوع تركزت مناقشته في الندوات الجهادية، أما حلفاء أمريكا في المنطقة بدأوا بالخوف من أن تفرد "داعش" أجنحتها، إذ أعلنت السعودية في مارس/آذار الماضي، "داعش" بكونها منظمة إرهابية، في الوقت الذي يقال فيه إن مئات السعوديين انضموا للجماعة.

والتحدي الذي تمثله "داعش" هو اعتبارها كلاً من العراق وسوريا ساحة واحدة للمعركة، بل أنها اعتبرت الحدود بينهما غير موجودة، ويملك مقاتلوها حرية للحركة، ويمكنهم أن يكتسبوا خبرة واسعة لأنماط مختلفة من أساليب القتال، وكمنظمة لديها العمق الكافي.

يقول زيلن إنه :"وفي الوقت الذي يركز فيه المراقبون على (موضوع المقاتلين الأجانب في سوريا) فإن المشكلة توسعت الآن لتشمل دولتين، والعراق يمثل الآن جزءاً أساسياً من المعادلة التي حاول قادة الغرب حلها في سوريا منذ بعض الوقت."

وأيضاً، فإن "داعش" تظهر استقلاليتها التامة عن القيادة المركزية للقاعدة بقيادة أيمن الظواهري، وبشكل تعرضت للنقد فيه، وتعتبر نفسها المدافع الفعلي عن الإرث الذي خلفه أسامة بن لادن، وقد تحاول إثبات هذه الفكرة بالذهاب إلى ما هو أبعد من الموصل أو الرقة "عاصمتها" في سوريا.

المسؤول الأمريكي أضاف بأن "داعش" تنمو وترسم اسماً كبيراً لنفسها، مضيفاً: "إذاً ما هو أفضل أسلوب لفعل ذلك من القيام بهجمة كبيرة ضد الغرب؟"