هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
تتكثف حملات التوعية لحث الناخبين، الذين ما عادوا متحمسين للمشاركة في العملية الانتخابية، على التسجيل في مكاتب الانتخابات، وتكثر زيارات السياسيين إلى الجهات كل حسب جهده وإمكانياته واقتداره على الإقناع: بالكلام، بالوعود، بالمال، "بالقفّة"، بضمان مكان في الجنّة،...
ومهما تعدّدت أسباب العزوف عن المشاركة في العملية الانتخابية برمتها، فإنّ الحقيقة التي لا مرية فيها أنّ بُنية الشكّ صارت متأصلة. وعندما تنعدم الثقة بين الحكومة والشعب، وبين الأحزاب وجمهور الناخبين، وبين القيادات داخل الأحزاب، وبين الهيئة المشرفة على الانتخابات، ومختلف مكونات المجتمع المدني يغدو إجراء العملية الانتخابية وفق المعايير الدولية الضامنة للنزاهة والشفافية والحوكمة أمرا عسيرا.
***
فبعد التشكيك في نزاهة عدد من أعضاء الهيئة المشرفة على الانتخابات، وتقديم طعون عديدة في هذا الخصوص لم تؤخذ بعين الاعتبار، جاء دور المرصد التونسي لاستقلال القضاء ليرفع بدوره مجموعة من القضايا ضدّ الهيئة متّهما إيّاها بارتكاب أخطاء قانونية على مستوى تكوين الهيئات الفرعية للانتخابات.
ولئن كانت الهيئات الانتخابية داخل البلاد تحظى بمتابعة كبيرة بحكم توفّر آليات الرقابة الميدانية فإنّ الوضع بالنسبة إلى الهيئات التي وقع تركيزها بالخارج يبعث على القلق، ويثير مخاوف نظرا إلى أن آليات الرقابة تكاد تكون مفقودة.
وبالرغم من إصرار رئيس الهيئة على تجنّب الدخول في مواجهات مع مختلف الجمعيات وأحزاب المعارضة فإنّ ضغط المجتمع المدني لا يزال مستمرا. فقد تعالت الأصوات هذا الأسبوع، منادية بحلّ الهيئة ومحاسبتها على تعيين عدد من الموالين لحركة النهضة على رأس مكاتب في تونس وفي الخارج. ويرى أصحاب هذه الدعوة أنّ تركيبة الهيئة 'التوافقية' عكست التفاوض بين الأحزاب، وتجاهلت معياري الاستقلالية والحياد، وعلى هذا الأساس فإنّ التعيينات تعدّ حجّة للسيطرة على مسار الانتخابات بل هي معبرة عن الرغبة في تزوير النتائج. -- آمال قرامي
وبالإضافة إلى التشكيك في حياد رئيس مركز الانتخابات بإيطاليا طالبت بعض مكونات المجتمع المدني رئيس الحكومة مهدي جمعة بإقالة سفير تونس بباريس وسفير تونس ببون وذلك لأنّ الأول يعمل لفائدة حزب التكتل ومرشحه الرئاسي مصطفى بن جعفر، والثاني يعمل لفائدة حزب المؤتمر ومرشحه الرئاسي منصف المرزوقي، وهذه التعيينات تتنافى مع شرطي الشفافية والحياد ولا تعكس التزام البعثات القنصلية بخدمة جميع التونسيين. وهو ما دفع حمة الهمامي (الجبهة الشعبية) إلى تحميل مسؤولية ما يقع إلى الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، والى حكومة مهدي جمعة لأنّها لم تلتزم بخارطة الطريق.
***
من البيّن أنّ دعوة حلّ الهيئة تتزامن مع مقترح النهضة بالتوافق حول مرشّح واحد، ودعوة رئيس حزب نداء تونس إلى تأجيل الانتخابات بسبب الإقبال الضعيف على مكاتب التسجيل، فضلا عن ارتفاع عدد المزمعين على الترشح للرئاسة (أكثر من 24) وهم من تيارات مختلفة. وليست هذه الدعوات في تقديرنا، منفصلة عن بعضها البعض. فهي مناورات تروم التأثير في الجماهير، والتصرّف في المسار الانتخابي ككلّ.
ومما لاشك فيه أن هذه المبادرات ستنعكس سلبا على مسار التسجيل للانتخابات. فالمواطن/ة العادي لا يرى في هذا التزاحم على قصر الرئاسة علامة على تكريس التعددية السياسية وإنّما هو دليل على التعلّق بالكراسي، وحبّ السلطة. -- آمال قرامي كما أنّ أغلب الشبان يعتبرون أنّه لا معنى لإجراء انتخابات تشريعية لن يكون لها نتائج ملموسة على مستوى إصلاح السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وإحداث تغييرات جوهرية في العمل السياسي.
***
إنّ إدارة الانتخابات في مناخ متأزّم لا يشعر فيه المواطن/ة بأنّه شريك في العمل السياسي، وفي صناعة المستقبل، وتغيب فيه ضمانات احترام مبادئ الديمقراطية التشاركية، مهمّة شاقة. فهل تتدارك الهيئة أمرها وتكون بالفعل هيئة مستقلة للانتخابات أم أنّها ستكون كغيرها من الهيئات -- آمال قرامي (الهيئة العليا للحقوق والحريات، والهيئة العليا المستقلة للإعلام، هيئة الحقيقة والكرامة) محدودة الفاعلية، وعاجزة عن انتزاع ثقة الناس، وسدّ الفجوة بين طموحات شعب ينتظر منذ سنوات، إصلاح جميع المؤسسات حتى تتلاءم مع المسار الثوري، ومتطلّبات العمل السياسي الذي يخضع لموازين القوى والحسابات الحزبية الضيّقة؟
ومادام السائد هو غياب المحاسبة، والمساءلة والإفلات من العقاب، واستشراء الفساد فلا خوف على الهيئة ولا هم يحزنون.