*بقلم لويس برايس، وهي امرأة سافرت إلى إيران 30 يوماً بين العامين 2013 و2014.
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- "هل لديك دراجة نارية؟" بهذه العبارة، توجه امرأة عجوز سؤالها إلي، وهي تطل بوجهها المتجعد من ثنايا الشادور الأسود الضخم، بينما أقف في الطابور أمام مركز مراقبة الجوازات على الحدود بين تركيا وإيران، وقلبي يرتجف، خلال فترة الانتظار للسماح لي بالدخول إلى الجمهورية الاسلامية.
أهز رأسي بحذر، مؤكدة ايجاباً أني أنثى منفردة، لدي جواز السفر البريطاني ودراجة نارية.
أسوي الحجاب على رأسي، خوفا من أن يكون المحقق عضواً في "شرطة الاخلاق" السيئة السمعة في إيران والمعروف عن عناصرها، الإلتزام بتعليمات لاعتقال النساء بسبب أي سلوك "غير محتشم."
تسألني المرأة العجوز مرة أخرى، "هل لديك دراجة نارية؟" وتضفي بعض المؤثرات الصوتية على كلماتها.
ما زلت، لست متأكدة إذا كنت في ورطة من أمري، ولكن يصبح رأي المرأة العجوز واضحاً، عندما تصفعني بحماس على وجهي، قبل أن تسحبني نحوها، وتعانقني بقوة.
وتصرخ قائلة: .جيد جدا! جيد جدا!"، بينما أحاول التقاط أنفاسي مجدداً من بين ثنيات التشادور الأسود، مضيفة: "أتمنى لك كل الحظ في العالم!"
وبهذا الترحيب الحماسي، يتحضر المسرح أمامي لرحلتي كاملة، أي قيادة الدراجة النارية لوحدي، لمسافة 3 آلاف كيلومتر في جميع أنحاء إيران، من الشمال الغربي الوعر في البلاد إلى بحر قزوين وجبال البرز البعيدة إلى الشوارع العابقة بالدخان في طهران.
أما الشعور بالفضول، حول وجود فجوة هائلة بين الطريقة التي ينظر بها الغرب إلى إيران، وما أسمعه عن ذلك من عدد قليل من الناس الذين كانوا هنا، فهو حافزي الوحيد.
وكثيرا ما صورت ايران في وسائل الإعلام، بأنها مكان مرعب مليء بالمتطرفين. ولكن، عادة ما يعاني المسافرون الذين يعودون من إيران من الشعور بالهذيان بسبب مكم الترحيب الرائع الذي يلقونه من الشعب الإيراني.
وأردت أن أكتشف المكان بنفسي.
وبعد قضاء بعض الوقت في العاصمة، حيث يمكن للمرء الحصول على كل شيء بدءاً بلحم الخنزير المقدد وصولاً إلى الخمر، أكملت طريقي عبر جبال زاغروس إلى المدن القديمة في اصفهان، وشيراز، وصحاري الجنوب.
أمر من أمام إحدى الحواجز، حيث يتم اصطحابي إلى مركز للشرطة لأخذ بصماتي. وفي تلك اللحظة، تدور في رأسي هواجس عن السياح الذين ألقي القبض عليهم بتهمة التجسس.
ولكن، بطبيعة الحال، يعتبر الناس والحكومة في ايران كيانين منفصلين.
وتعتبر الضيافة الفارسية أسطورية، إذ أجد نفسي غارقة في الجود والكرم الذي يتغنى به الشعب الإيراني الحريص على النأي بنفسه عن الصورة السلبية عن وطنه. ويضع سائقو الشاحنات الرمان في سلتي، فيما يصر أشخاص غرباء على دفع تكاليف غرفة الفندق الذي أقيم فيه، فيما يجود البعض الآخر في تقديم الشاي إلي.
وبطبيعة الحال، تمر لحظات صعبة، بسبب الشرطة، إذ أن هناك أنواع مختلفة من الشرطة في إيران. وفي إحدى المرات، طاردتني سيارة في طهران، يوجد فيها عناصر من الحرس الثوري، يرتدون ثياب مدنية.
وفي مناسبة أخرى، اعتدى علي عامل في محطة وقود صحراوية نائية، كان على الأرجح يتعاطى مادة "الميث" الشائعة الإستخدام في الريف الإيراني.
ولحسن الحظ، كنت ما أزال جالسة على دراجتي النارية، إذ وجهت إليه ضربة في المكان المناسب، وأسرعت بعيداً.
ولكن بعد تلك الحادثة، وجدت نفسي في الصحراء، مع كمية قليلة جداً من الوقود.. سيناريو مخيف جداً.
وفي الواقع، يعتبر ركوب الدراجات النارية أمراً شاقاً في ايران، إذ أن السائقين يقودون سيارتهم بسرعة وجنون.
وتعاني ايران من أعلى معدل وفيات نتيجة الحوادث على الطرقات، ما يجعلني أشعر في كل صباح، وكأني ذاهبة إلى معركة. وينظر إلي الكثير من الأشخاص بنظرة فضول، في ظل حظر ركوب النساء على الدراجات النارية، في الأماكن العامة.
ويعتبر وجود المسافرين الأجانب نادراً في إيران، فيما رؤية دراجة نارية مسجلة في بريطانيا، تسبب الكثير من الإثارة للسائقين على الطرقات، الذين يطلقون صوت أبواقهم، فيما يمدون رؤوسهم من النافذة، لالتقاط صوراً لي على هواتفهم المحمولة.
وبينما أسافر في جميع الأماكن في ايران، أتعرف على أشخاص غرباء، وسرعان ما نصبح أصدقاء. ونتيجة لذلك، أجد نفسي أختلط مع جزء متنوع من المجتمع الإيراني.
ويجب القول إن الإيرانيين هم أناس دافئون ومحبين للمتعة.
أما ركوب الدراجة النارية، فليس أمراً حراً تماماً، إذ يجب على المسافرين الحرص على عدم الدخول إلى المناطق العسكرية أو المرور بالقرب من المحطات النووية، والتقاط الصور للمباني العسكرية والرسمية.
وتعلق عند كل زاوية شارع، جداريات ضخمة للمرشد الأعلى (آية الله سيد علي خامنئي)، فيما جميع من ألتقيه، لديه قصة مرعبة عن الشرطة والاعتقالات وواقع الحياة القمعية في ظل النظام.
وتتم دعوتي في مدينة يزد الصحراوية إلى قضاء بعض الوقت مع جنرال سابق في الجيش وعائلته.
أشعر بالقلق من هذه الدعوة، وأتساءل ما الأمر المشترك الذي سيجمعني مع محارب ايراني شارك في الحرب بين إيران والعراق في فترة الثمانينيات، وفقد ساقيه في الصراع.
ولكن، يبدو أن مخاوفي لا أساس لها، إذ سرعان ما تأخذ العلاقة منحى مرحا، بعدما يبدأ المحارب الإيراني السابق، بإطلاق النكات، وتلقيني اللغة الفارسية العامية.
وهذه هي اللحظة التي أكتشف فيها أنه كان علي أن أتجاهل ما ينقله الكثير من الأشخاص عن إيران، وأن أقوم فعلياً بنفسي باكتشاف ايران الحقيقية.
وتفخر ايران دائماً أنها ليست مع الشرق أو مع الغرب، بل تقف مع الثقافتين، ما يضفي ميزة كبيرة على الهوية الفارسية.
وللأسف، يغذي الخطاب السياسي صورة إيران في يومنا الحالي، ما يشير إلى أن الشعب الإيراني يؤيد المتطرفين الإسلاميين والإرهاب.
وهذا الأمر بعيد تماما عن الحقيقة.
وكشفت رحلاتي النقاب عن أمة متطورة، وأناس طيبون يحرصون على التواصل مع العالم الأوسع. ويبقى فقط، لو أن الحكومة تحذو حذو شعبها.
*الآراء الواردة في المقالة تعبر عن رأي كاتبها، ولا تعكس بالضرورة رأي CNN.