ماجد عثمان يكتب عن مشاكل الإدارة الحكومية في مصر: الأخطاء الممتعة

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
ماجد عثمان يكتب عن مشاكل الإدارة الحكومية في مصر: الأخطاء الممتعة
Credit: afp/getty images

بقلم ماجد عثمان، مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية. المقال يعبر عن رأي صاحبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .

القاهرة، مصر (CNN) -- بعض التصرفات الضارة نقوم بها لأننا نستمتع بها، فالمدخنون مثلاً يعلمون أن التدخين ضار بالصحة ولكنهم يستمتعون بممارسة التدخين، وقد يكون ذلك مفهوماً على مستوى الفرد، ولكن هل يمكن قبوله على مستوى المجتمع؟

وكما أن التدخين خطأ ممتع للمدخنين فإن هناك قرارات وسياسات عامة خاطئة ولكنها ممتعة لأنها تشعرنا بالعدالة أو لأنها تثير فينا الإحساس بالزهو وهي سياسات قريبة للقلب ولكن يرفضها العقل. ومن هذه السياسات التوظيف الحكومي ودور الدولة في إدارة أدوات الإنتاج والتوزيع والدور المدني للقوات المسلحة، وفيما يلي بعض التفصيل:

1 - التوظيف الحكومي

نعلم جميعاً أن الجهاز الحكومي متخم وأن إنتاجية الموظف الحكومي منخفضة وأن نسبة غير قليلة من موظفي الحكومة يستفيدون من تعطيل مصالح المواطنين. ولا يخفى على أحد أن بند المرتبات في الموازنة العامة للدولة وما يترتب عليها مستقبلاً من معاشات ومزايا اجتماعية عبء كبير يتحمله الجميع ويُستقطع من الإنفاق على أولويات لا خلاف عليها. وعلى الرغم من ذلك فإن الجميع يسعى بشكل مباشر أو غير مباشر إلى الحفاظ على الحجم الحالي للحكومة. وأظن أن بعض القرارات والسياسات التي تتخذ ستؤدي إلى زيادة التوظيف الحكومي إذا ما تم تنفيذها بأسلوب تقليدي، وعلى سبيل المثال قرارات مثل التوسع في الجمعيات الاستهلاكية ووضع مزيد من المساجد تحت إشراف وزارة الأوقاف.

2- إدارة الدولة لعناصر الإنتاج

ملكية الدولة لوسائل الإنتاج تدغدغ مشاعر كثير من المصريين، وفي ظل مناخ عام معادي للقطاع الخاص ولرجال الأعمال يرى البعض في المصانع والمزارع الحكومية الحل لمواجهة احتكار رجال الأعمال ولمواجهة ارتفاع الأسعار. وهو تبسيط مفرط يتجاهل أهمية الدافع الشخصي في الإنتاج وفي الإبداع وفي المخاطرة ويتجاهل نقص القدرات في الجهاز الحكومي، كما أنه يتجاهل نتائج تجربة التأميم في الستينات، والأهم أنه يتجاهل الواقع المصري. كثيراً ما يتردد الحديث عن المحلة الكبرى كقلعة صناعة الغزل والنسيج والملابس، وتخرج الأصوات لتطالب بضرورة دعم الدولة لشركات الأعمال العامة العاملة في هذه الصناعة الهامة. والحقائق على الأرض تقول أن هذا القطاع بما في ذلك صناعة الملابس يعمل به  نحو مليون عامل 5% منهم فقط يعمل بقطاع الأعمال العام وباقي الـ 95% يعملوا في القطاع الخاص. كما أن قطاع الأعمال العام يتم دعمه سنوياً ضخماً حتى يحصل العاملين بقطاع الأعمال العام على مستحقاتهم المالية. ومع ذلك فإن رومانسية ملكية الدولة لأدوات الإنتاج تطغى على كل منطق. فهل نفكر في الأمر من خلال فصل الملكية عن الإنتاج أم نصر على أن تدير الدولة الإنتاج ونمني أنفسنا ونحن نكرر نفس الأساليب أن لا نصل إلى نفس النتائج.

3 - إدارة الدولة للخدمات

الحديث عن عودة الجمعيات الاستهلاكية يبدو حديثاً منبتاً عن خبرات الماضي، يوحي بأن المجتمع المصري يعاني من فقدان الذاكرة ويتناسى الفساد الذي شهدته التجربة في زمن كانت الدولة أكثر قوة والأخلاقيات أقل تلوثاً، ويتجاهل أن الجمعيات الاستهلاكية لا تتواجد في الريف الأكثر فقراً وأن لها منافذ في مناطق يسكنها الأغنياء. ومع ذلك فرومانسية الفكرة لم تترك الفرصة للعقل الذي يحسب التكلفة الفعلية والعائد والكفاءة.

وفي ذات الوقت يخفق العقل المصري في استدعاء نماذج ناجحة بديلة عن الخصخصة الكاملة التي أهدرت ثروات الوطن وبديلة عن قيام الدولة بإدارة شبكات تقديم الخدمات. والنموذج الناجح الذي يجب استدعائه هو دور الدولة في قطاع الاتصالات والذي بدء منذ 15 سنة ونجح في إحداث طفرة في الخدمة الهاتفية وتمكن من نشر الخدمة على نحو غير مسبوق وفي نفس الوقت أدخل استثمارات أجنبية ضخمة وخلق فرص عمل بعيداً عن الجهاز الإداري للدولة وأضاف لخزينة الدولة عائدات وضرائب سنوية ضخمة، بدلا من أن يطلب من الدولة دعماً لتمويل حوافز عاملين لم تحقق شركاتهم أرباحاً. هذا النموذج لو نجحنا في استنساخه في قطاعات أخرى لأصبح اقتصادنا في مركز أفضل بكثير.

4 - دور القوات المسلحة

من المؤكد أن المهمة المقدسة للقوات المسلحة هي الحفاظ على أمن الوطن من أي تهديد خارجي، يضاف إليها التعامل مع التهديدات التي تواجه الوطن من الداخل إذا كان حجمها يفوق قدرة أجهزة الشرطة. وفي الحالة المصرية فالقوات المسلحة لديها الكثير من الأعباء والتحديات سواء خارجية أو داخلية. إلا أن المزاج العام لجمهور عريض من المواطنين يميل إلى دور شامل للمؤسسة العسكرية تكون فيه مسئولة عن إنشاء الطرق وبناء وحدات سكنية واستصلاح الأراضي ولا مانع من أن تكون أيضاً مسئولة عن إنتاج الخبز وتقديم الرعاية الصحية للمرضى. وهي حالة رومانسية تستدعي الجيش باعتباره مؤسسة محصنة ضد التسيب والفساد، وهي حالة رومانسية تتجاهل أولويات القوات المسلحة من جهة وتتجاهل – من جهة أخرى - التكلفة المترتبة على إرساء قاعدة أن كل ما هو غير عسكري يكون بالضرورة غير كفؤ وغير نزيه. وهنا يجب أن نصارح أنفسنا دون خجل بأنه مع التسليم بكفاءة ومهنية القوات المسلحة المصرية إلا أن هناك  إخفاقات ستحدث حتماً عندما تُلقى عليها مهام غير عسكرية لا تقع ضمن دورها الذي يتم إعدادها للقيام به، وهي نتيجة طبيعية تتسق مع سنن الحياة في كل زمان ومكان.

أمثلة أخرى عديدة لسياسات عامة تتجاهل الدروس المستفادة من تجارب الماضي منها تمويل التعليم الجامعي والتجاوز في ملف حقوق الإنسان والتعامل مع الإستثمار الوطني والأجنبي، وفي كل هذه الحالات وغيرها فإن الولع بالسياسات العامة القريبة للقلب والبعيدة عن العقل هو الطريق المضمون للفشل المؤكدإذا كان إعادة إنتاج الأخطاء خطيئة لا تغتفر، فإن التمتع بإعادة إنتاج هذه الأخطاء هو أم الخطايا.

بقلم ماجد عثمان، مدير المركز المصري لبحوث الرأي العام "بصيرة"، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNNبالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية. المقال يعبر عن رأي صاحبه ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN .