رأي.. رسالة تونس .. "كلّهم في الهوى سوى"

الشرق الأوسط
نشر
6 دقائق قراءة
تقرير آمال قرامي
رأي.. رسالة تونس .. "كلّهم في الهوى سوى"
امرأة تشارك في اعتصام ضد حكومة يقودها الاسلاميون بتونس في أغسطس 2013Credit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

ما انفكّ حزب نداء تونس منذ تأسيسه، عن القول إنّه مخلّص "تونس" من "الظلاميين" الذين يريدون تغيير نمط عيش التونسيين، وتقليص حقوق النساء. وقد أكّد في أكثر من مناسبة، على أنّه سيأخذ على عاتقه "إنقاذ" مكتسبات التونسيات وتركيز مؤسسات الجمهورية الثانية، والحفاظ على طابع الدولة المدنية.

          ولم يختلف الأمر بالنسبة إلى عدد من السياسيين الذين رفعوا شعار الحداثة والديمقراطية... كلّهم وشوّا خطبهم السياسية بكلام منمّق ينتصر لحقوق النساء، ومكتسبات الدولة الحديثة ولقيم حقوق الإنسان حتى أنّهم باتوا يتوجهون إلى التونسيين والتونسيات بخطابات "الطمأنة"، ويعدون بالوقوف بوجه حملات استهداف "النموذج التونسي"، والارتداد، وانتهاكات حقوق النساء، ومقاومة العنف ضدّهن، والتمييز والإقصاء.

          غير أنّ هذا الخطاب المنمّق والجميل المستند إلى الإرث البورقيبي من جهة، ومرجعية حقوق الإنسان، من جهة أخرى سرعان ما "تهافت" في أوّل مناسبة يوضع فيها على محكّ التجربة -- آمال قرامي. فحين يتعلّق الأمر بترشيح أسماء رؤساء/ت قائمات الأحزاب أو قائمة المستقلين يغدو الأمر مختلفا وتتسع الفجوة بين الكلام والفعال، النظري والتطبيقي...إنّها أحكام السياسية، ومعايرها، ورهاناتها: إنّها لعبة المصالح وآلية البرغماتية التي تجعل منظومة القيم أو الشعارات المرفوعة تتوارى لتفسح المجال لاعتبارات أكثر نجاعة. فحين يجدّ الجدّ لا يعلو صوت فوق صوت الهيمنة الذكورية.

          تشير آخر البيانات إلى ترشيح مجموعة قليلة من النساء على رأس القائمات: حزب آفاق تونس(5)، الحزب الجمهوري(3)، الجبهة الشعبية(3)، حزب النهضة(2)، حزب نداء تونس(1)، التحالف الديمقراطي(1) في انتظار إعلان أحزاب أخرى عن خياراتها كحزب التكتل وحزب المؤتمر وحزب المسار. ولكن ماذا يمكن أن نستنتج من وراء هذا التوجّه؟

***

          يلتقي أهل اليسار مع أهل اليمين في تمسكهم بمجموعة من 'الثوابت' منها: إرادة احتكار النشاط السياسي وممارسة الإقصاء دون أدنى خجل، وهنا تغيب الانتماءات الأيديولوجية وتهدأ وتيرة الاستقطاب الثنائي لتحل اعتبارات العلاقات الجندرية فيغدو اعتماد معيار الجنس مقدّما على معايير أخرى كالكفاءة، والإشعاع، والنزاهة، ...

          أمّا نقطة اللقاء الثاني فتكمن في تكشير الأيديولوجيا الذكورية عن أنيابها وخروج الصور النمطية من مخدعها، وبروز الأحكام المعيارية من جديد وسرعان ما يتحول المشهد السياسي إلى حلبة وفضاء للعراك ولا مانع هنا من استعمال العنف إذ أنّ السياسة تقوم على القوّة والبطش وتمجدّ العدوان.

          وتتمثل نقطة اللقاء الثالثة في اعتماد السياسيين نفس المبررات. فهم يتعللون بأنّ المسألة مندرجة ضمن انتخابات ورهانات حيوية لا مجال فيها لترضية النساء بتطبيق التناصف، ولاسيما وأنّ العقلية السائدة في المجتمع ترفض ترشيحهن على رأس القائمات، وبأنّ التشاور مع "التنسيقيات"، و"القواعد" أفضى إلى تقديم مصلحة الحزب على مصلحة النسوان، خاصة وأنّهن يتسببن في "ضياع الأصوات."

***

          واللافت للانتباه أنّ كل هذه الخيارات الحزبية تنكّرت للقيم التي ادّعت التمسّك بها كالمساواة والعدالة، والحداثة، والديمقراطية...، ولم يجد أصحابها حرجا في 'انفضاح' أمرهم -- آمال قرامي. فحزب النهضة الذي اعتبر نفسه ضامنا لحقوق النساء، و'لعب' بهذه الورقة لتسويق صورة الحزب الحداثي الديمقراطي مكررا تجربة من سبقه من الذين كرّسوا "نسوية الدولة" اختار مرشحتين فقط بالرغم من تفاني النهضاويات في خدمة الحزب 'بالقلب والرب'. أمّا حزب نداء تونس فإنّه رفض تلبية نداءات النساء وارتأى أن يكون 'الحاكم بأمره' بعيدا عن 'هرسلة' نسائه. ومن المفارقات العجيبة أنّ يرشّح التحالف الديمقراطي امرأة واحدة... يبقى حزب آفاق تونس إلى حدّ الآن "الشاذ الذي يقاس عليه'.

          وسيّان إن كان هذا الحزب أو ذاك متمسّكا بهذه المرجعيّة أو تلك. فالأخوة الأعداء صاروا اليوم أشقاء يشتركون في تبني السياسات الذكورية المنبثقة عن المجتمع الأبوي -- آمال قرامي، وهكذا باتت المرأة  الممارسة للنشاط السياسي قليلة الحظّ وغير متساوية مع الرجل وغير مستمتعة بمواطنيتها الكاملة. إنّها "امرأة الإجماع".

***

          تظلّ السياسة بعد ثورة نادت بالحرية والمساواة والعدالة.... ودستور "ريادي" معبّرة عن علاقات الهيمنة، والتسلّط، ومنطق التراتبية الهرمية: الرجل في أعلى السلّم والمرأة في الأسفل، ومحكومة بثنائية الخاصّ/العامّ المدبرة للعلاقات بين الجنسين، ومكرسّة لذهنيّة تعتبر أنّ النساء دخيلات على عالم السياسة -- آمال قرامي، وأنّ  إزاحتهن ليست إلاّ وسيلة "لحمايتهن" من عالم المكر والخداع والفساد، والنجاسة... فهنّ ربات الحجال والقوارير والتابعات والصغيرات المدللات والمصونات.

       غير أنّ ما يتجاهله السياسيون أنّ التونسيات اللواتي خضن نضالاً شرساً من أجل رفع راية الوطن عاليا لن يكن نؤومات الضحى ولن يركن للراحة... وستبدي لنا الأيام بما كنّا نجهل.