نورا مصطفى جبران، باحثة دراسات اجتماعية وأخصائية إرشاد أسري، حاصلة على درجة الماجستير في دراسات العنف الأسري والضغط الجنسي
(CNN) -- عُرف استخدام الاغتصاب كوسيلة من وسائل الحرب النفسية في الحروب أو ما يسمى اغتصاب الحرب (War rape) منذ بداية معرفة الإنسان بالحرب، وتعامله مع الجسد كتعبير عن شرف الإنسان. واعتبر امتهان الجسد بمثابة كسر لكرامة الإنسان، وكان ذلك يقع في النزاعات المسلحة وفترات الاحتلال والحروب الأهلية. وقد شاعت في فترة الحرب العالمية الثانية فكرة ما يُعرف بمعسكرات الاغتصاب، حيث كانت القوات اليابانية تحتجز النساء في مراكز احتجاز قسري، وتستخدمهن كرقيق جنس ومتعة للجنود، وأطلقت عليهن اسم نساء المتعة، وقد تكرر الأمر ذاته في البوسنة بشكل كبير، حيث تتحول أجساد النساء وحتى الرجال أحيانا إلى هدف حربي لتحطيم الروح المعنوية للطرف الآخر وإهانته.
ومن المعروف أن التحرش الجنسي لا يرقى إلى درجة الاغتصاب، فالمقصود بالتحرش الجنسي هو أي صيغة من الكلمات غير المرحب بها أو الأفعال ذات الطابع الجنسي التي تنتهك الجسد أو الخصوصية أو مشاعر شخص ما، تجعله يشعر بعدم الارتياح أو التهديد، والخوف، وعدم الاحترام، والإهانة، والانتهاك. ورغم أنه لا يرقى إلى درجة الاغتصاب، إلا أنه يستخدم أيضا في النزاعات السياسية كوسيلة للانتقام من الرجال المشاركين في الاحتجاجات السياسية، بانتهاك أجساد نسائهم أو محارمهم، والتحرش بهن، أو للحد من مشاركة النساء أنفسهن في الاحتجاجات السياسية، وهو ما حصل في تظاهرات كفاية، في مصر، عام 2005، حيث مارس رجال أمن التحرش الجنسي بالمتظاهرات، وهو ما توثقه تسجيلات وصور تم تسجيلها لهذه الوقائع.
وكذلك، حادثة الفتاة التي عُريت في أحداث الثورة عام 2011، وسحلها رجال الأمن عارية في التظاهرات أمام مجلس الوزراء، وفي العام ذاته احتجزت 17 ناشطة نسائية مصرية، أثناء احتجاجات، وأخضعهن الجيش مرغماتٍ لما سمي بـ"فحص العذرية"، على أيدي أطباء عسكريين. وبرر رئيس المخابرات حينها، عبد الفتاح السيسي، الفحوصات بالقول إنها كانت ضماناً للعسكريين ضد اتهامات بالاغتصاب، على اعتبار أن العذراء فقط هي من يمكن اغتصابها.
كما شهدت الاحتفالات بمناسبة انتخاب وتنصيب الرئيس الجديد، عمليات اغتصاب جماعي في ميدان التحرير. وبعد عدة أيام، وقع المزيد من العنف الجنسي خلال مسيرة ضد العنف الجنسي، في القاهرة!
وفي سوريا، وخلال الحرب الدائرة منذ أكثر من ثلاث سنوات، أكدت الأمم المتحدة في تقريرها في منتصف العام الحالي، صدق روايات كثيرة لضحايا سوريّات، وحقيقة استخدام الاغتصاب كسلاح لترهيب ومعاقبة النساء والرجال والأطفال أثناء تفتيش البيوت، وخلال التحقيق، وعند نقاط التفتيش وفي مراكز الاعتقال والسجون في أنحاء سوريا. ويصف التقرير اغتصاب إحدى الأمّهات، ثم إجبارها على الطهي والتنظيف لمحتَجزيها وتهديدها بقتل أبنائها إذا لم تفعل. ويشير أيضاً إلى حكاية طالبة جامعية اغتُصبت بسبب طلب شقيقها للتحقيق معه.
ووصفت مبعوثة الأمم المتحدة لشؤون العنف الجنسي في الحروب، زينب هاوا بانجورا، العنف الجنسي في حالات الصراع بأنه "جريمة الحرب الأقدم والأقل إدانة،" مضيفة أنه يتم "استخدم العنف الجنسي على مر العصور لأنه سلاح رخيص ومدمر."
ويضيف التقرير أن الاغتصاب استخدام بمثابة تكتيك عسكري متعمّد لتحقيق أهداف سياسية: لإذلال المعارضين السياسيّين، أو لدفع الأقليات العرقية إلى الخضوع أو المغادرة، أو لترهيب المجتمع وحمله على الإذعان.
ولا شك أن الإصرار على اختزال شرف الشعوب في جسد المرأة، واستخدام الاغتصاب أو الانتهاك الجنسي كوسيلة للامتهان والإذلال، ساهما بشكل كبير في جعل جسد المرأة هدفاً حربياً، وفي جعل انتهاكها جنسيا أداة للإرهاب السياسي، الذي يُقصد منه النيل من الخصوم العسكريين والسياسيين، وتحطيم ثقتهم بالقدرة على حماية شرفهم، الكامن في أجساد نسائهم، كما أنّ الاعتقاد بأن شرف المرأة يكمن في أعضائها الجنسية، جعل من جسدها هدفا مباشرا للخصوم السياسيين في حالة العمل على الحدّ من مشاركتها في الاحتجاجات السياسية..
وتهدف الحروب وحالة القمع السياسي إلى كسر إرادة الخصم، وجعله يشعر بالندم بمجرد التفكير بالمواجهة العسكرية، أو الثورة من أجل المطالبة بحقّه، وبالنسبة للشعوب التي تخوض حروبها وخصوماتها السياسية دون الاحتكام لقيم أو منطق، فإن الوسيلة المثلى لكسر إرادة الشعوب، هي انتهاك شرفها، وكأنّهم يوجهون للخصم رسالة مفادها: إذا كان جسد المرأة هو شرفكم، فسوف ننتهك هذا الشرف!
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبته، ولا يعبر بالضرورة عن رأي CNN