نورا مصطفى جبران، باحثة دراسات اجتماعية وأخصائية إرشاد أسري، حاصلة على درجة الماجستير في دراسات العنف الأسري والضغط الجنسي
(CNN) -- يعاني الكثير من مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي والأجهزة الالكترونية الموصولة بشبكة الانترنت من تلقيهم المتكرر للرسائل غير اللائقة، بدءاً من الإلحاح بالتعارف من أشخاص لا يعرفونهم، وحتى الدعوة الصريحة والمباشرة لممارسة أفعال ذات طابع جنسي. فمع انتشار وسائل التواصل الالكتروني لم تعد احتمالية تعرض الفرد للتحرش الجنسي مرتبطة بالمقابلة المباشرة بين المتحرِش والضحية، بل أصبح بإمكان مرضى التحرش الوصول إلى الشخص داخل بيته، وفي مكان عمله، وفي أي وقت.
ويُعرف التحرش الجنسي الالكتروني بأنه استخدام للوسائل الالكترونية ووسائل التواصل في توجيه الرسائل التي تحتوي على مواد تسبب الإزعاج للمتلقي، سواء كانت هذه المواد تلميحاً للرغبة بالتعرف على المتلقي، لأهداف جنسية، أو كانت تحتوي على عبارات أو شتائم جنسية، أو صورا، أو مشاهد فيديو جنسية، أو التهديد والابتزاز باستخدام صور الضحية، أو استخدامها فعلاً دون موافقة صاحبها أو دون علمه، ومشاركتها عبر وسائل التواصل الالكتروني المختلفة.
ويشير هذا التعريف إلى أنّ هناك صورتين للتحرش الجنسي عبر الانترنت، وهما: إما إزعاج المتلقي بالرسائل التي تتضمن محتوى جنسي، أو استخدام صوره ونشرها دون إذنه أو علمه في مواقع ذات طابع جنسي، أو مقرونة بعبارات غير مناسبة.
وبدأت ظاهرة التحرش الالكتروني منذ بداية الانترنت، وتحديداً البريد الالكتروني، حيث بدأ مستخدمو هذا البريد بتلقي رسائل تُعرف عادة بـ "Spam" تدعوهم للصداقة والتعارف فضلاً عن تضمنها لبعض المواد الجنسية، ومع انتشار الانترنت أكثر، واكتشاف وسائل تواصل أكثر سرعة وانتشارا، تحول التحرش الالكتروني من مجرد رسائل البريد الالكتروني، إلى وسائل مثل غرف الدردشة، ومنتديات الانترنت، ومواقع التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، والرسائل الفورية على الهواتف المحمولة مثل الواتساب، وبرامج الاتصال المجاني، والصور الرمزية، والإعلانات عبر الانترنت، وروابط التحويل التلقائي التي تعترض الشخص عند تصفحه لشبكة الانترنت، والنوافذ المنبثقة Pop-ups.
التعامل مع التحرش الجنسي الالكتروني
تتحدث الفتيات من ضحايا التحرش الجنسي الالكتروني عن محاولاتهن المتكررة لتجاهل طلبات الصداقة من أشخاص غير معروفين، والرسائل التي تصلهن إلى قائمة رسائل "أخرى" أو "Other"، وفي محتواها طلبات غير لائقة للتعارف، تبدأ من صورة رمزية لـ"قُبلة"، ولا تنتهي بالعروض الصريحة لممارسة أفعال جنسية. ورغم أن بعض الفتيات حاولن تلقين المتحرشين درساً بنشر صورهم ومحتوى رسائلهم على صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنّ ذلك عرضهن لمشكلات ومتاعب جديدة، فلجأن إلى فتح صفحات خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي ينشرن فيها أسماء المتحرشين وصورهم ومحتوى الرسائل التي يرسلها هؤلاء، مثل صفحات "لا للتحرش، وشفت تحرش، والعربي المريض"، وغيرها.
ولعلّ فضح هذه الممارسات ساهم في الحد من تعرضهن لهذه الرسائل، إلا أن الأمر لا يقتصر فقط على الفتيات، حيث يشكو العديد من الرجال أيضا من تلقيهم لرسائل غير مناسبة، تتضمن صوراً وعبارات ودعوات لتعارف بشكل غير لائق، ينطوي على تحرش جنسي.
وتجدر الإشارة، إلى أن استخدام إعدادات تضمن تحقيق أعلى مستوى من الخصوصية على شبكة الانترنت أو على الأجهزة الالكترونية يساهم إلى حد كبير في الحد من التعرض للتحرش الالكتروني، وذلك بعدم قبول طلبات الإضافة من أي شخص غير معروف، وعدم نشر الصور الشخصية أو أرقام الهواتف أو المعلومات الشخصية في نطاق أوسع من نطاق الأصدقاء، سواء كان ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي، أو وسائل التراسل الفوري، ووضع نظام "فلتر" جيد للبريد الالكتروني يضمن تحول الرسائل التي تحمل أسماء أو كلمات غير مرغوبة إلى قائمة "Spam".
كما يمكن للأشخاص الذين يتعرضون للتحرش الجنسي سواء كان ذلك بتلقّيهم رسائل تنطوي على تحرش جنسي، أو استخدام المتحرِشين لصورهم أو كتابة عبارات غير مناسبة عنهم، في مواقع على شبكة الانترنت، أو عن طريق الرسائل الفورية، التقدم بشكوى رسمية لمراكز الشرطة، حيث أن غالبية الدول لديها أجهزة أمنية خاصة بالجرائم الالكترونية.
ورغم أنه لا يوجد في جميع الدول قوانين خاصة بالتحرش الالكتروني، فضلا عن التحرش الجنسي المباشر، واختلاف القوانين بين دولة وأخرى، إلا أن وجود عقوبات على الجرائم الالكترونية وإزعاج الآخرين عن طريق الانترنت والأجهزة الالكترونية، يسمح بملاحقة أصحاب هذه الحسابات والأجهزة، والتعرف على هويتهم الحقيقية، وبالتالي تعرضهم للملاحقة القانونية.
وساهم الانفتاح الهائل والمفاجئ على هامش الخصوصية التي يتمتع بها الأشخاص الآخرين، من خلال شبكات التواصل الاجتماعي، والأجهزة الالكترونية التي يتوافر لديها اتصال مستمر بشبكة الانترنت، وسهولة الوصول إلى الآخرين في أي زمان وأي مكان، من خلال وسائل التواصل الفوري، في حدوث ما يعرف بالصدمة الثقافية لدى مستخدمي هذه الشبكات، وعدم القدرة على إدارة العلاقات مع الآخرين من خلال هذه الوسائل، بشكل صحي.
كما أنّ تفاقم مشكلات غياب الرقابة الأسرية، ونقص الوعي والتوجيه، وعدم القدرة على الإشباع العاطفي للأبناء وحتى البالغين، والتربية بالمنع أو العقاب بدلاً من التوعية والإشباع النفسي، وانتشار ثقافة الاستعراض من خلال نشر الصور والمعلومات الشخصية بحثاً عن الاهتمام والانتباه من قبل الآخرين، والفراغ النفسي والعاطفي الذي يدفع الأشخاص لقضاء ساعات طويلة على شبكة الانترنت أو في استخدام الأجهزة الالكترونية، وتفاقم مشاكل الإدمان الالكتروني، كل هذا أدى إلى زيادة التحريض على ممارسة التحرش من خلال الانترنت، وبالتالي زيادة إمكانية تعرض مستخدمي الشبكة والأجهزة الالكترونية لهذه الممارسات.
* هذا المقال يعبر عن رأي كاتبته، ولا يعبر بالضرورة عن رأي CNN