هذا المقال بقلم د. يوسف بن مئير رئيس مؤسسة الأطلس الكبير الغير ربحيّة التي تقوم بعمل تنموي في المغرب، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
إنّ حالة فرض متبادل من أسفل إلى أعلى لحركات تنمية إجتماعيّة وتمكين تطبيق القوانين من أعلى إلى أسفل وكذلك سياسات معاهدات تساعد بشكل متزايد أناس ومجموعات من الإلتقاء معا ً لتحقيق التغيير الذي ينشدونه.
ينبغي أن يكون من الواضح أنّه إذا قدّر للسلام أن يتحقّق بين البشريّة فإنه سينعكس على ظروف وأوضاع محليّة. فبعد كلّ شيء، نحن كبشر نختبر بشكل ٍ مباشر درجات السّلام في المجتمع ونؤثّر في وجوده عن طريق سلوكنا الفردي والجماعي -- يوسف بن مئير.
ولكي يزدهر السّلام على المستوى المحلّي، من الضروري تسوية مفارقة أو تناقض قديم العهد، وبالتحديد هو أنّ مصالح الأفراد والمجموعات غير معادية أو متناقضة مع بعضها البعض، أي أنّه لا تتحقّق مصالح طرف على حساب الطرف الآخر، بل بالأحرى أنّ مصالح الطرفين متشابكة مع بعضها البعض بشكل ٍ قويّ ويتمّ تحقيقها من خلال طرق التخطيط التشاركي وتنفيذ المشاريع.
تحتاج وسائل التنمية هذه إلى تسهيلات أطراف ٍ ثالثة، أوّلا ً لاستخلاص تصوّرات وأوليّات المشاركين المحليين، بما في ذلك صغار وكبار السنّ، نساء ورجال، من يملك كثيرا ً ومن يملك أقلّ، وثانيا ً لبناء تشاركيّات مع الحكومة المحليّة والوكالات والمؤسسات المدنيّة والتجاريّة.
تساعد مشاريع التنمية التي تبرز من هذه العمليّة الديمقراطيّة السكان المحليين بطريقتين – أولهما العمل على تسوية خلافاتهم (بإدخال طرق ووسائل لإداراة الصراعات) وثانيهما التقدّم بأهدافهم الإجتماعيّة – الإقتصاديّة والبيئيّة.
تعمل المشاريع ضدّ الناس الذين يعانون من الإغتراب لأنهم لم يعودوا يكرسون أيامهم لنشاطات لا يجنون منها منافع عادلة، ولذا فهي لا تتوافق مع مصالحهم الأساسيّة. والمعروف أنّ المشاريع تعزّز السّلام بتلبية احتياجات الناس اللذين يقررونها بأنفسهم في حين أنها في نفس الوقت تلبّي أهداف التنمية المجتمعيّة. فالإحتياجات المجتمعيّة والشخصيّة التي تلبّى بهذه الطريقة، أي من خلال المشاركة الشعبيّة في تنمية المجتمع، تعطي السّلام إطاراً مناسباً جدّاً لنموّه وازدهاره -- يوسف بن مئير.
وما هو مهمّ في سياق الصراعات الوطنيّة والدوليّة هو أنّ نفس النهج ما زال يطبّق. والعمليّة على أيّة حال لا تبدأ بتخطيط تنموي مشترك، بل تندمج به. ويجب أن يكون هناك في البداية تعبير عن الخبرات السابقة والصعوبات التي يتبعها اعتراف بتلك الأحداث، وإن لزم الأمر أيضا ً اعتذار. هذا ويجب القيام بهذا النوع من الحوار البناء للثقة بروح ٍ من المصالحة.
وعليه، تُخلق الظروف المواتية للسّلام عندما تستطيع الأطراف أن تتعايش وتحصد منافع ملموسة من تواصلها المتبادل. ولذا من المهمّ جدّاً لتعزيز السّلام الحقيقي أن يصبّ ذلك كله في تنمية مستديمة لجميع الناس.
هل هناك سنّة وشيعة جالياتها تعيش جنبا ًإلى جنب أو أنها مندمجة مع بعضها البعض، تمكّن هذه العمليات من بناء وحدة بينها وتمنع تصاعد انعدام الثقة ؟
وهل يستطيع أن يلتقي الإسرائيليّون والفلسطينيّون معا ً ويعبّروا عمّا عليهم القيام به والإعتراف بما عليهم فعله وتعزيز التنمية البشريّة التي لا تمكّن فقط الفلسطينيين من الإستقلال السياسي بل وأيضا ً من الإستقلال الإقتصادي -- يوسف بن مئير ؟
وهل بإمكان الجيران الذين لا صراعات أو خلافات بينهم ولكن ليس بينهم تواصل أن يلتقوا معا ً بطريقة مجدية لوضع خطة عمل والدّفع بذلك بتنميتهم المحليّة إلى الأمام ؟
إنّ النتيجة النهائية لمثل هذه الأحداث المحليّة هي انتشار مظلّة السّلام على مناطق جغرافيّة واسعة جدّا ً مع التوجّه صعودا ً. وفي نفس الوقت يحضّر القادة الإقليميون والدوليّون – الذين يضعون المواثيق التي تشجّع بفعاليّة اللقاءات المحليّة والتنمية الإقليميّة المعتمدة على الإرادة الشعبيّة المشتركة – النهج الملائم للظروف والأحوال السلميّة على أرض الواقع بحكم مناصبهم رفيعة المستوى من المسؤوليّة.
تنمّي السياسات الكليّة المواتية المجتمع المدني والتعلّم التجريبي والتدريب على التنمية التشاركيّة. وعلى الحكومات والمؤسسات المسؤولة والجهات المانحة أن يكون لديها برامج تمويل مصمّمة بحيث تدعم المبادرات التعليميّة والصحيّة والإقتصاديّة والبيئيّة التي لها الأولويّة محليّا ً. والمعيار الرئيسي لهذه المبادرات هي أنها محدّدة ومسيّرة من قبل أفراد المجتمع المحلّي -- يوسف بن مئير.
وعليه، فالسّلام الحقيقي الذي يوجّه حاضرنا ومستقبلنا والذي يستجيب لدعوة قلوبنا موجود بين أيدينا جميعا ً، حيث أن ثماره والتمتّع به بحاجة إلى جهود على جميع المستويات المجتمعيّة التي تدعم الرقابة المحليّة على المشاريع المزمع أن تخدم المجتمعات المحليّة. أضف إلى ذلك، يمكن لهدف السّلام العالمي أن يكون مفعّلا ً وله ميزانيّة وورشات عمل وقد بدأ بالفعل. إنه يحتاج الآن فقط لحشد دولي لدعم المشاركة الشعبيّة في التنمية التي ستغيّر حياة الأفراد والمجتمعات على حدّ سواء.