هذا المقال بقلم الكاتب الصحفي سمير كرم، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
كثرت في الآونة الاخيرة الدعوة الى محاورة الإخوان. بل أن الدعوة إلى هذه المحاورة أتت من أعلى سلطة في بلادنا، من الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه. فقد قال في حوار مع وكالة اسوشييتدبرس الأميركية للأنباء أنه "يمكن مشاركة الإخوان في الحياة السياسية إذا ما قرروا نبذ العنف".
والرئاسة بدورها وضعت في الأيام الاخيرة ثلاثة شروط لدمج الإخوان في الحياة السياسية. وهذه الشروط هي على وجه التحديد – كما نشرتها الصحافة المصرية ولم ينفها المصدر ذاته- الاعتراف بشرعية ثورة 30 يونيو، والتخلص من قيادات الجماعة الحالية، وفصل الدعوي – أي ما هو متعلق بالدعوة الإخوانية بمعناها الديني – عما هو سياسي.
وعلى الرغم من أن هذه الشروط الثلاثة مستحيلة التنفيذ في الوقت الحاضر وستظل كذلك لفترة طويلة تمتد لسنوات وربما لعقود، فإنها تبدو جديرة بالمناقشة. وأهم جوانب هذه المناقشة هي إذا كان من الممكن وضع هذه الشروط موضع التنفيذ كلا على حدة. ولعل العقبة الأكبر التي تقف بوجه هذه الشروط هي أن الإخوان في مصر ليسوا أصحاب قرارهم. ومن الناحيتين النظرية والعملية فإن من الواضح أن أميركا والتنظيم الدولي للإخوان وكذلك تركيا وباكستان تملك الكلمة الاخيرة في أي قرار يتخذه الإخوان، خاصة إذا كان هذا القرار يتعلق بشأن إخواني جوهري، وبصفة خاصة إذا كان يتعلق بمصر. لقد أوضح الإخوان بصورة لا تحتمل التأويل أنهم لا يعتبرون مصر وطنا. ووضعهم هذا موضع تناقض مع الشعب المصري ومع الشعب العربي في وقت واحد. ومن الواضح الآن أن قضية مصير الإخوان في مصر تحتل الصدارة في الاهتمام والأهمية. ولكن ليس هناك ما يضمن استمرار هذا الوضع. ذلك أنه إذا ما برزت قضية إخوانية في بلد آخر يمكن أن ينتفي هذا الوضع المصري الخاص.
وبالاضافة الى هذا فإن تنظيم الإخوان الدولي يربط بينهم وبين الإخوان حيثما كانوا برباط لا يمكن الفكاك منه. بمعنى أنه لا يمكن للإخوان في مصر أن يتصرفوا في غيبة عن الروابط المالية والفكرية والقيادية التي تربطهم بالتنظيم الدولي. خاصة وأن هذا التنظيم الدولي يلعب دورا رئاسيا وتوجيهيا ملزما للقيادات القطرية المتعددة في أنحاء العالم. وفضلا عن هذا فإن التنظيم الدولي يملك حرية التصرف في كافة الجوانب على نحو لا يمكن أن يفلت منه أي تنظيم إخواني خاص بأي دولة.
***
كذلك فإن التنظيم الدولي للإخوان يقع تحت سيطرة أميركية وأوروبية ذات وزن ثقيل، بحيث لا يمكن عزل أي تنظيم قطري عن النفوذ المالي والسياسي والقيادي عن النفوذ الدولي. وفضلا عن ذلك فإنه لا يمكن التصرف مع هذا التنظيم الدولي وكأنه يضمن بقاء ما له من نفوذ على الأعضاء الذين ينتمون الى بلدان مثل مصر وتركيا وماليزيا وتونس ... إلخ. إن الظروف التي مر بها التنظيم الدولي الإخواني بعد أحداث مصر الاخيرة لم تعد تضمن له البقاء في العواصم العالمية بالقدر نفسه من النفوذ والتأثير. إن ظهور أعراض مناهضة لأفكار الإخوان ومساعيهم في العواصم التي يلعب فيها التنظيم الدولي أدواره لا يجعله أمرا مضمون الاستمرار. وقد برزت في الآونة الاخيرة مخاطر ومتاعب الدور الإخواني الدولي في لندن على سبيل المثال. ولن تستطيع قيادات الاخوان الدولية أن تتحمل نتائج طردها أو إبعادها من هذه المدينة أو غيرها من المدن الكبرى.
***
إن محنة قيادة الإخوان في مصر تجعل من العسير تصور أن يفقد الإخوان هذا الدور المصري وأن يستطيعوا في الوقت نفسه قيادة الطابور القيادي الإخواني في بلدان أخرى. وسيأتي وقت يكون فيه على القيادة الدولية للإخوان أن تقرر إذا كانت تستطيع أن تفقد مصر ودورها فيها وأن تستطيع – في الوقت نفسه – أن تؤسس لنفسها مركزا له نفس القوة والقدرة في بلد آخر غير مصر. ووفضلا عن ذلك فإن الإخوان لن يستطيعوا إثبات وجودهم في وقت يفقدون فيه دورهم العالمي من نواح عديدة. فهم يفقدون دورهم سريعا في مصر كما يفقدون دورهم في سوريا والعراق. وإذا قررت مصر التدخل في مواقع عربية غير مصر بحكم حجم مصر الكبير وثقلها تاريخيا وسياسيا فإنه لن يكون بإمكان الإخوان إظهار تمكنهم من الانتقال الى بؤر أخرى.
ويعرف الإخوان جيدا أن إسرائيل ترقب الموقف من هذه الزاوية. إنها ترقب ما سيحدث للإخوان بعد أن كشف الإخوان – في مصر وفي الموقف الدولي – أنهم لا يعطون أولوية في المواجهة لإسرائيل. بل أنهم يتجاهلون إسرائيل كلية ويتركون لها حرية التصرف مع الدول العربية. وقد يلجأ الاخوان في مرحلة لاحقة الى العودة لاظهار اهتمام باسرائيل وما تفعله في المنطقة. ولكن المواطن العربي لم يعد يصدّق الاخوان كما لا يصدّق اسرائيل فيما بينهما من علاقات توصف بانها لا علاقات.
من الآن فصاعدا فإن مصير الإخوان يتعلق الى أبعد حد بما يجري لهم في مصر. والدلائل تشير الى ان الاخوان يقتربون من نهايتهم في مصر. واقترابهم من هذه النهاية في مصر يزيد اقترابهم من النهاية في العالم. خاصة وان مصر تقترب من القضاء على الاخوان لا من التصالح معهم .. فضلا عن التسامح معهم.