أحمد عبد ربه يكتب عن حلفاء النظام "المهذبين" في مصر

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
تقرير أحمد عبد ربه
أحمد عبد ربه يكتب عن حلفاء النظام "المهذبين" في مصر
Credit: STR/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

واحدة من أهم الأساطير المتداولة عن "ثوار يناير" أنهم غير مهذبين، تم تداول هذه الأسطورة بشدة بعد أشهر قليلة من تنحية مبارك، وأصبح من السائد أن تجد من يريد النيل من الثورة باتهامها بأنها سبب تدهور أخلاق المجتمع، وكأن المجتمع قبلها كان مهذب! ثم بدأت سردية جديدة بعد عام تقريبا تتحدث أننا لم نكن نحتاج الى ثورة على الأنظمة ولكننا نحتاج ثورة على "أخلاقنا" فالناس يجب أن تثور على أنفسها أولا قبل أن تثور على الأنظمة...هذا قطعا قبل أن تبنى سرديات جديدة عن أن يناير "مؤامرة" و "عمالة" للخارج، وقبل أن تنتشر الأسطورة الأحدث بعد ٣٠ يونيو وهي أسطورة الطابور الخامس والخلايا النائمة وحروب الأجيال الرابعة والخامسة والسادسة أيضا.

حينما كان علاء عبد الفتاح في السجن وتحديدا بعد أن حصل على حكم بالحبس خمسة عشر عاما، قال أحد الناس ممن يربطني بهم زمالة أن علاء غير مهذب وأن السجن "تربية له ولأمثاله"، ووجدت أن هذا الكلام أصبح يتردد بشدة وكأن علاء كان يحاكم بتهمة عدم الأدب لا بتهمة التظاهر والاعتداء على ضابط.. إلخ، هل حقا مشكلة النظام مع علاء وغيره من ثوار يناير هي مشكلة "أخلاق" و"أدب" و "تربية" أحمد عبد ربه؟

***

حينما توقف البرنامج الساخر لباسم يوسف، فإن كثيرين (منهم حلفاء للنظام من شخصيات عامة وقادة رأي عام) عبروا عن راحتهم لأن البرنامج "غير مهذب"، وأن باسم يميل دوما للإيحاءات الجنسية غير المناسبة لعادتنا وتقاليدنا.. باختصار هو برنامج غير مناسب لـ "مصر الجديدة" مصر الحضارة والأهرامات والانتاج والعمل وقطعا الأدب والأخلاق والتربية!. غاب باسم ثم عاد إلى الأضواء مؤخرا بعد أن نقل أحد الإعلاميين أنه (أي باسم) سب الرئيس في نيويورك، ثم اتضحت الصورة لاحقا بأن باسم لم يسب الرئيس ولكنه سب "صفة معينة" في بعض مؤيدي الرئيس، فعاد الحديث مرة أخرى عن الأدب والأخلاق.

لكن هل معنى هذا أن مصر أيام مبارك كانت "مهذبة"؟ هل معنى هذا أن مصر أيام السيسي قد عاد إليها "الأدب" و "الأخلاق" أو على الأقل يسعى الرئيس ورفاقه وحلفاؤه إلى نشر القيم الأخلاقية وتأديب "قللات الرباية" أحمد عبد ربه؟

 تعال معي إذًا لنختبر هذه الفرضية بكل أدب.

أولا: هناك مذيع شهير يزعم دوما أنه قريب من النظام...عفوا هو لا يزعم، هو بالفعل في الصفوف الأمامية لأي اجتماع مع الرئيس (الرئيس الحالي قطعا)، مشهور عنه بداية البرنامج بكل ذوق وأخلاق ووطنية وعزوبة لسان، ثم ما أن يذكر أحد أمامه ثورة يناير أو ثوار يناير أو حينما يريد التعليق على معارض للنظام ولو حتى زميل مهنة فإنه ببساطة يسب ويلعن يحرض و"يفسق" في فجره...هل نعتبر هذا أدبا أم "قلة أدب"؟

ثانيا: هناك مذيع آخر متعدد المواهب، فهو مقدم برنامج ومحلل وباحث ومتعاون مع الأمن (بلسانه هو) وله الحرية في ذلك، لكن هذا العبقري حرفته الرئيسية كانت (ولازالت) في التجسس على مكالمات الناس وحياتهم الشخصية.. يصطاد منها ما شاء للتدليل على عمالتهم وشطحاتهم العاطفية والجنسية أيضا...عفوا هو لم يكن ينقل ما سمعه، لكنه كان يذيع على الهواء هذه المكالمات "بشحمها ولحمها" في تجسس رخيص على حياة الناس، فهل هذا العبقري مهذب أم غير مهذب؟

ثالثا: هناك كاتب آخر ذاع صيته مؤخرا يكتب مقالات دورية في واحدة من إحدى كبريات الصحف يتباهى بأنه "فاشي" في كل مقالة لا يتوقف فقط عند سب الثورة ووصفها بالمؤامرة (في تجريح وتعدي واضح على الدستور)، ولكنه يسب كل المخالفين والمعترضين على مسار ٣ يوليو، سباب صريح لا لبس فيه يطول الأب والأم والزوجة، مطعما ببعض الإشارات الجنسية الصريحة للتشكيك في "رجولة" المعارضين، فهل هذا النوع من الكتابة يدخل ضمن حسابات "التربية والأدب" أم يعبر عن افتقادها؟

رابعا: هناك ممثل شاب ذو شهرة ما، يتفاخر بنسبه وعائلته المؤيدة والمدافعة عن الرئيس الأسبق مبارك، وهو نفسه من كبار المدافعين عن المسار الحالي... هذا من حقه فليفخر بمن يشاء ويدافع عن ما يراه صحيحا، لكنه مؤخرا خرج عن سياق "الأدب" و"التهذيب" وهدد أحد المعارضين الشباب بأنه "هيجيب أمه من بيتهم وهيعلقه" فهل هذا التهديد الذي لا يطول فقط المعارض ولكنه يطول "أمه" أيضا من الأدب الذي يبشرنا به حلفاء النظام الحالي؟

خامسا: هناك رئيس نادي ومحامي شهير وشخصية عامة لا يتوقف أبدا عن سب وتجريح المعارضين له سواء في السياق الكروي أو السياسي، هو كذلك منذ أيام مبارك، وما زال مستمرا في أيام السيسي على نفس النهج لا تغيير، بل ربما بزيادة جرعة السب والإهانة لكل من لا يروق له باستخدام أقذع الألفاظ التي تتسابق الصحف ووسائل الإعلام على تناقلها لتحقيق السبق، تعرض مؤخرا لمحاولة اغتيال فخرج يلوم الرئيس عن عدم السؤال والاطمئنان عليه، ثم فوجئنا جميعا بأنه يصرح بعدها بـ ٢٤ ساعة بأن السيسي قد قام بالاتصال به والاطمئنان عليه.. انتظرت أن تنفي الرئاسة هذا الاتصال، فلم تنف.. إذًا فالاتصال صحيح.. فهل هذا الاتصال والاطمئنان تشجيع على "الأدب"؟

***

هناك قطعا عشرات الأمثلة الأخرى التى لا تتسع لها هذه المساحة المحدودة وكلها تقودنا إلى ثلاث نتائج مؤكدة.

الأولى: أن السباب والتطاول وعدم الأدب ليس من صنع ثوار يناير غير المهذبين، صحيح أنهم ليسوا ملائكة وصحيح أنني انتقد دوما بعض ما يفعلونه أو يكتبونه وأحسبهم لا يحسنون قولا، لكن هذا في كل الأحوال ليس قاصرا عليهم، بالعكس، هم يدفعون ثمنا غاليا لأي هفوة، بينما غيرهم يتمتعون "بحماية غير محدودة"!.

الثانية: أن "قلة الرباية" ليست ظاهرة قاصرة على ثورة يناير والأخيرة ليست سببا لها في كل الأحوال، ولكنها ظاهرة منتشرة نتاج لعوامل معقدة تطورت على مر السنين أحمد عبد ربه، وبعض رموز نظام مبارك من كتاب وساسة لطالما تورطوا فيها وأشاعوها بلا رقيب أو حسيب.

الثالثة: أن النظام الحالي لا يضيره الأدب من عدمه في شيء، بل أنه مسئول بشكل أو بآخر عن "قلة الأدب" إما عبر السكوت عنها أو حتى عبر دعوة أصحابها ممن يفجرون ويفسقون في القول والفعل لاجتماعات الرئيس أو لاتصاله المباشر بهم. صحيح ليس السيسي بشتام ولا لعان بل أنه نسب إليه دعوته الى "الإعلاميين" بعدم سب وتجريح الخصوم وهذا شيء جيد لا ريب، ولكن ما الموقف الذى اتخذه ضد هؤلاء أحمد عبد ربه؟ قد يقول البعض هذا شأن القضاء وليس شأن الرئيس، فنسأل ولماذا على أضعف الإيمان لا يمنع هؤلاء من اتصالاته واطمئنانه ودعواته لبعضهم بالاجتماع والنقاش وتبادل الآراء؟

***

بكل تأكيد فرضية "النظام المهذب" الذى يحارب السوقية ويسعى إلى تربية "عديمي الأدب" هى فرضية غير واقعية وليس هناك ما يؤيدها على الإطلاق، والأهم من ذلك كله أن "فرضية الأدب" كأحد ديناميات تفاعل النظام مع معارضيه هي فرضية ساقطة وتعبر عن أبوية ساذجة تمهد لديكتاتورية وشمولية فجة، الأدب والأخلاق لا تفرضهما السلطة ولا الرئيس ولا حلفائه، ولكن يفرضهما العدل، نظام قضائي مستقل ومحايد، وقواعد لعبة عادلة تطبق الدستور والقانون على المؤيد قبل المعارض، على طالبي القرب قبل الساعين إلى البعد.

لا يضيرك أن تكون ضد الإيحاءات الجنسية ولا الألفاظ المسيئة فهذا من حسن أخلاقك وتربيتك وخياراتك المحافظة فى الحياة لاريب، لكن أن تذوب فى حب كل ما سبق طالما كان على هواك ثم تنفض لتذكر الناس بحسن الأخلاق طالما كان ذلك ضد هواك وضد تيارك.

 أن تصف خصومك بـ "قلة الأدب" وعدم الوطنية، بينما تصف حلفاءك ممن يستخدمون حواسهم الخمسة في السب واللعن والإيحاءات ( بل والتصريحات) الجنسية بالوطنية والأخلاق الحميدة فهذا خلل في منظومتك القيمية لا ريب، وهو بالمناسبة خلل طال المجتمع والنظام وحلفائه إلا من رحم ربى!