مقال رأي لعمرو حمزاوي.. "برنامج عمل لذوي الاحتياجات الخاصة .. شركاء الحياة"

الشرق الأوسط
نشر
9 دقائق قراءة
مقال رأي لعمرو حمزاوي.. "برنامج عمل لذوي الاحتياجات الخاصة .. شركاء الحياة"
Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Images

هذا المقال كتبه، عمرو حمزاوي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو يعبر عن رأيه ولا يعبر بالضرورة عن رأي الشبكة.

نص المادة 81، الوثيقة الدستورية 2014:

تلتزم الدولة بضمان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والأقزام، صحيا واقتصاديا واجتماعيا وثقافيا وترفيهيا ورياضيا وتعليميا، وتوفير فرص العمل لهم، مع تخصيص نسبة منها لهم، وتهيئة المرافق العامة والبيئة المحيطة بهم، وممارستهم لجميع الحقوق السياسية، ودمجهم مع غيرهم من المواطنين، إعمالا لمبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص.

كما في مجالات حقوق الإنسان وحريات المواطن الأخرى، لم يرتب النص الدستوري الملزم للدولة بضمان حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة والعمل على دمجهم مجتمعيا تحولات إيجابية في الواقع المصري.

فالبيئات العامة والخاصة للتعليم والعمل والخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية تواصل ممارساتها التمييزية إزاء ذوي الاحتياجات الخاصة، ووسائل الإعلام تهمش همومهم وقضاياهم ومطالبهم العادلة. والسلطة التنفيذية وإن أصدرت في سبتمبر 2014 (ممثلة في رئيس مجلس الوزراء) قرارا بإنشاء "المجلس القومي لشئون الإعاقة"، إلا أنها تتجاهل أولوية إدارة نقاش عام حول منظومة قوانين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية (وقانون العمل في مقدمتها) والقوانين الضريبية وضرورة إعادة النظر فيها وفي الكثير من اللوائح الإدارية والإجرائية المعمول بها بهدف تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة. بل ويتورط بعض ممثلي السلطة التنفيذية بين الحين والآخر في تصريحات وأحاديث علنية عن "المعوقين" أو "المعاقين" تنضح بمحتوى تمييزي صادم. والمنظمات الحقوقية والتنموية والجمعيات الأهلية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة تواجه شأنها شأن الفاعلين الآخرين في المجتمع المدني "هجمة السلطوية الجديدة"، ومازالت على الرغم من إنشاء المجلس القومي لشئون الإعاقة لا تجد أمامها سوى مساحات ضيقة للغاية للتواصل مع السلطة التنفيذية والتأثير في توجهاتها وسياساتها، ويغيب عنها بفداحة عون ودعم أطراف كالأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية.

إزاء هذا المشهد السلبي، ولكي لا أقف عند حدود التشخيص لتسجيل الموقف والنقد لإرضاء الضمير ثم أعود إلى خانات المتجاهلين ولأن هموم وقضايا ومطالب ذوي الاحتياجات الخاصة يستحيل اختزالها في ثنائيات الحكم / المعارضة (أي في الخلاف المبدئي بين أنصار سلطوية تتجدد وبين دعاة تحول ديمقراطي تعطل لن أفقد الإيمان بأفضليته وباستحقاقنا له) كما أن طبيعتها الفنية والتفصيلية تستعصي حين تأخذ بجدية على صياغة مواقف مع / ضد الأحادية، أقترح الشروع الفوري في إدارة ملف ذوي الاحتياجات الخاصة في مصر وفقا للعناصر والتوصيات التالية:

1. إطلاق نقاش عام حول التعديلات التي يتعين إدخالها على منظومة قوانين الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والقوانين الضريبية بهدف صون كرامة ذوي الاحتياجات الخاصة، والقضاء على الممارسات التمييزية، وتمكينهم من التعلم والعمل ومن الحصول على الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية والإنسانية الشاملة في بيئات تتسم بالمساواة والعدالة وتكافؤ الفرص وتضمن دمجهم المجتمعي – فقانون العمل المصري يحتاج إلى تعديلات جذرية شأنه شأن قانون المعاشات وقانون التأمين الصحي والعلاج على نفقة الدولة، وشأن قوانين الضرائب التي تمتنع عن إقرار مبدأ المعاملة التفضيلية المستحقة لذوي الاحتياجات الخاصة بل وتتعسف معهم بفرض ضرائب كضريبة المبيعات على السيارات ووسائل التنقل المستوردة للاستعمال الشخصي والجماعي وفي ظل غياب المنتج المحلي.

ومع غياب البرلمان واحتكار السلطة التنفيذية للاختصاص التشريعي، ينبغي أن يشارك في النقاش العام حول تعديلات القوانين لجان ومجالس السلطة التنفيذية المعنية كلجنة الإصلاح التشريعي والمجلس القومي لشئون الإعاقة والهيئات ذات الوضعية شبه الحكومية كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات المدنية والجمعيات الأهلية المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة والأحزاب السياسية والنقابات العمالية والمهنية ذات الاهتمام الأصيل بالأمر والتي تملك بعض الرؤى والتصورات المحددة. وحال تشكل البرلمان، يطلب منه إما النظر في التعديلات القانونية التي تم بالفعل إدخالها لإضفاء "الشرعية التشريعية" عليها أو مواصلة النقاش والتداول بشأنها داخل أروقة البرلمان وإصدارها إن كانت لم تصدر بعد.

2. تكليف المجلس القومي لشئون الإعاقة بالشراكة مع المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية أ) بتطوير آليات مؤسسية وشفافة للتواصل مع ذوي الاحتياجات الخاصة في المناطق الحضرية والريفية دون تمييز، ب) بإجراء مسح مجتمعي شامل لأوضاع ذوي الاحتياجات الخاصة وواقعهم المعاش في المدارس والمعاهد والجامعات وفي أماكن العمل الحكومية وفي القطاع الخاص وفي المؤسسات والأجهزة المختلفة من المحاكم وأقسام الشرطة إلى المستشفيات ودور الترفيه وإصداره في تقرير علني يتفق على تحديثه دوريا - الأفضل بصورة سنوية، ج) بالتعاون مع مراكز استطلاعات وبحوث الرأي العام لتحليل توجهات المصريات والمصريين بشأن شركاءهم في الحياة من ذوي الاحتياجات الخاصة ومن ثم التعرف على ما تدركه وما لا تدركه الأغلبية عنهم والصور النمطية السائدة والمفاهيم الصحيحة وكذلك المغلوطة، د) صياغة برامج وحملات لتوعية الرأي العام بهموم وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة وتشجيع الجهات الحكومية ومؤسسات وهيئات القطاع الخاص وكذلك الأحزاب السياسية القادرة والنقابات المهتمة ووسائل الإعلام على الإسهام في تنفيذها.

3. تكليف المجلس القومي لشئون الإعاقة بالشراكة مع المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية بتكوين "المرصد المصري للممارسات التمييزية ضد ذوي الاحتياجات الخاصة" وهدفه أ) توثيق وقائع التمييز عبر تلقي الشكاوى والمظالم الشخصية والجماعية، ب) مخاطبة المعنيين بين الجهات الحكومية والخاصة - من شركات ومصانع ومستشفيات إلى مكاتب للمنظمات الدولية والإقليمية - لمعالجتها والحيلولة دون تكررها، ج) مراقبة أداء الجهات الحكومية والخاصة وتقييمه دوريا، د) العمل في المناطق الحضرية والريفية المهمشة والبعيدة عن أعين "العاصمة" والتي تتراكم بها الممارسات التمييزية كآلية إنذار وتحصين مبكر.

4. تكليف المجلس القومي لشئون الإعاقة بالشراكة مع المنظمات المدنية والجمعيات الأهلية بتشكيل "مجموعة تواصل إعلامي" تستهدف أ) دفع وسائل الإعلام المختلفة للاهتمام المطرد بهموم وقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة – بأقسام متخصصة في الصحف وعلى المواقع الإلكترونية كما ببرامج إذاعية وتليفزيونية جادة، وفي الحالتين سيستدعي ذلك انفتاح وسائل الإعلام المصرية على اجتذاب وتشغيل البعض من ذوي الاحتياجات الخاصة، ب) المراجعة النقدية للغة المستخدمة من قبل وسائل الإعلام حين تناول ذوي الاحتياجات الخاصة لضبط اعوجاجاتها ومضامينها ورمزيتها التمييزية – لا يوجد سبب مقنع واحد لعدم تعميم استخدام وصف ذوي الاحتياجات الخاصة والتخلص إعلاميا وكذلك في اللغة الرسمية (الدستور، القوانين، القرارات والمخاطبات الحكومية) من مفردات كالمعوقين والمعاقين وذوي الإعاقة التي ترتب آلاما نفسية وإنسانية كثيرة، ج) تمكين ذوي الاحتياجات الخاصة من التواصل مع الرأي العام والتأثير في توجهاته وإدراكه عبر وسائل الإعلام.         

5. تشجيع المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحث العلمي، وكذلك مؤسسات وهيئات القطاع الخاص المهتمة بالمسؤولية المجتمعية والعمل التنموي على استثمار جزء من مواردها وطاقاتها البشرية والتنظيمية في أ) تطوير وصياغة وتنفيذ مبادرات طوعية لتفعيل مبادئ المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص بشأن ذوي الاحتياجات الخاصة وتمكينهم من الدمج المجتمعي، ب) تحديث برامج التعليم المدرسي والجامعي المتوجهة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة وربطها باحتياجات سوق العمل والفرص التي يتيحها، ج) تحديث برامج التأهيل المهني والترقي الوظيفي المتوجهة إلى ذوي الاحتياجات الخاصة ودعم الممارسات الإيجابية في القطاع الخاص، د) فتح باب المشاركة في المبادرات الطوعية لتلاميذ المدارس وطلاب الجامعات وعمال وإدارات القطاع الخاص وتحفيزهم على الاقتراب من شركاءهم في الحياة من ذوي الاحتياجات الخاصة – والمؤكد أن الموظفين العموميين والعاملين في الجهات الحكومية في أمس احتياج لذات الاقتراب الذي قد يحصنهم إزاء المفردات المضامين والممارسات التمييزية ويحد من الألم النفسي والأذى الإنساني الواقعين على ذوي الاحتياجات الخاصة.