عمان، الأردن (CNN)-- مرت الذكرى العشرون لاتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية الشهيرة باتفاقية "وادي عربة" في الـ26 من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، دون تسجيل أية احتجاجات شعبية أو حزبية في البلاد رغم استمرار الدعوات بإلغائها، فيما يتمسك المسؤولون والسياسيون ومهندسو الاتفاقية بالعمل بها، رغم توصيف الاتفاقية باتفاقية السلام البارد.
الاتفاقية التي وقعت في وادي عربة عام 1994، ألصقت بها القوى السياسية وتحديدا المعارضة، أسباب تخلي النظام السياسي الأردني عن قانون انتخاب متعدد، والتشبث بقانون ما يعرف بالصوت الواحد، الذي جاء بعد انتخاب مجلس نيابي "الحادي عشر" بقانون تعددي، أعقب مرحلة انتهاء حالة الأحكام العرفية في البلاد.
ويوم الـ26 من الشهر الجاري، لم تشهد العاصمة عمان أي من الوقفات الاحتجاجية أو الفعاليات الرمزية أمام السفارة الاسرائيلية، التي كانت يشهد محيطها في منطقة الرابية اعتصامات تصل حد الاشتباك بين متظاهرين وعناصر أمنية، في أحداث طارئة، كان آخرها مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر في مارس/ آذار المنصرم، برصاص قوات اسرائيلية على معبر الكرامة.
وجاء الاحتجاج الأوحد والأقصر زمنيا، الذي نفذه عشرات من النشطاء النقابيين أمام مجمع النقابات المهنية، الذي شكل مركزا لاحتجاجات عديدة، وفعاليات متواصلة في مقدمتها ما يعرف "بلجان مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني،" كما لم تنظم جماعة الإخوان المسلمين في ذلك اليوم، فعالية مركزيا.
تصريحات المسؤولين الأردنيين بدت في ذكرى الاتفاقية "هادئة" أيضا، حيث قال رئيس مجلس الأعيان الأردني ورئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة الاثنين، بأن إلغاء الاتفاقية ليس "ممكنا" سياسيا، في ظل وجود "أشقاء فلسطينيين"، سيصبحون المتضرر الأول من إلغاء الاتفاقية قائلا إنها السبيل الوحيد للتواصل معهم.
وشبه الروابدة في حديثه الذي رصده موقع CNN بالعربية في الجامعة الأردنية، من يتحدث عن إلغاء المعاهدة "نظريا" كالفرق بين "الواعظ والسياسي حيث ينشغل الواعظ بالحديث النظري دون ان يكون مسؤولا عن تطبيق قناعاته النظرية، فيما يجد السياسي نفسه مسؤولا عن التطبيق".
وعبر الروابدة عن تحفظه من دعوات إغلاق السفارة الاسرائيلية، أو الرد بالمثل على حادثة مقتل زعيتر، فيما علق على حوادث انتهاك المسجد الأقصى بالقول، إن تصريح السفير الأردني في تل أبيب في ذكرى المعاهدة "وجه تصريحا قويا للإسرائيليين" لعله يؤثر في وقف تلك الانتهاكات واستمرار الاستيطان.
لكن التصريحات الرسمية الأبرز، صدرت من العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني قبل أيام في قصر الحسينية، انتقد فيها بقوة الممارسات الاسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، قائلا: "إن هناك تطرفا صهيونيا" وان التطرف ليس إسلاميا فقط، ومعتبرا أن هناك مشكلة أمام الأردن إذا أراد التعاون لمحاربة التطرف في العالم في الوقت الذي "يذبح فيه اليهود أولادنا كل خمس دقائق في غزة والقدس."
ويتساءل مراقبون في هذا السياق، عن الدور الأردني في حماية المقدسات الإسلامية في القدس بموجب اتفاقية وادي عربة، خاصة مع تجديد الأردن وصايته في اتفاقية أبرمها مع السلطة الوطنية الفلسطينية 2013.
ومن هنا، لم يخف النائب والسياسي المخضرم عبد الهادي المجالي، الشاهد على توقيع اتفاقية وادي عربة، تحذيره إلى "إسرائيل" في حال "مسها" بالسيادة الأردنية على الأقصى، قائلا أيضا إن وادي عربة محمية "شعبيا ورسميا" وأن اسرائيل لا تملك أن تغير في الواقع.
واعتبر المجالي في حديثه لموقع CNN بالعربية، أن الضغوطات الاسرائيلية بشأن نزع السيادة عن الأقصى، ما هي مناورة سياسية بهدف إحداث تنازل سياسي ما أو تحقيق مصلحة ما، وقال: "إسرائيل تدرك أن اللعب في هذا المربع غاية في الخطورة وسيؤدي إلى موقف أردني قاس وصعب عليها، وربما يكون الثمن اتفاقية السلام نفسها."
وبشأن الملفات التي رأى المجالي أنها مرشحة لأن تكون محل مراجعة أردنيا بموجب وادي عربة، قال: "المياه، واللاجئين، وتأكيد الرعاية الأردنية للمقدسات، وفي الذهن عند أي مراجعة توفير الظروف الضاغطة لإجبار اسرائيل على الالتزام بحدود 1967 كحدود للدولة الفلسطينية، فيجب أن تقام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وبسيادة كاملة. هذا أمر يجب أن يكون مفروغ منه، وهو مصلحة أردنية بالقدر الذي هو مصلحة فلسطينية."
اتفاقية السلام التي رأى المجالي بالفعل أنها اتفاقية سلام بارد، أكد على أنها ما تزال "مرفوضة شعبيا" ويقاوم كل أشكال التطبيع مع الكيان الاسرائيلي، إلا أنه رأى أيضا بأنه سلام بارد رسميا، وأضاف: "إذا منذ اغتيال رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين بُعيد توقيع اتفاقية السلام، ومن ثم صعود حزب الليكود للحكم بعد سنوات طويلة من حكم حزب العمل أدرك الأردن والعرب أن الحكم في المتطرف في إسرائيل ليس شريكا موثوق به."
ويرى مراقبون أن الموقف الرسمي الناقد بدا أكثر حضورا في ذكرى وادي عربة لإسرائيل، في ظل غياب تجديد المعارضة لموقفها منها، والذي تزامن أيضا مع المضي قدما في العمل الثنائي مع اسرائيل، وتمثل مؤخرا بإبرام اتفاق أولي شراء الغاز الطبيعي، والكشف عن تعاون أمني مع الجانب الإسرائيلي عن أجهزة تنصت زرعت منذ عقود، شغلت الرأي العام تحت عنوان "ذهب عجلون."
ويوضح القيادي في جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، علي أبوالسكر، وأحد أبرز نواب الحركة الإسلامية السابقين، بالقول إن عدم الإعلان عن فعالية مركزية باسم المعارضة للتنديد بذكرى الاتفاقية "خلل" لكنه لا يعني، قبول القوى المعارضة أو الشعب الأردني بها.
ويشدد أبو السكر في حديث لموقع CNN بالعربية، أن هناك جهودا حثيثة قائمة منذ عشرين عاما تقوم بها لجان مقاومة التطبيع، فيما اعتبر أن الجانب الرسمي بأجهزته المختلفة، قد "استطاعت أن تحدث اختراقات مؤقتة" في الشارع الأردني، بالترويج "للتطبيع."
وأضاف أبوالسكر: "هناك نزر يسير من الاختراق ولظرف الحالي خدم التوجه الرسمي في إنفاذ المعاهدة كما حصل في إقرار قانون المناطق الصناعية المؤهلة في المملكة.. لكنها ليست إلا سحابة صيف إسرائيل ستبقى كيانا شاذا مرفوضا لدى الأردنيين."
وقال أبوالسكر: "هو سلام بارد بحكم طبيعة الكيان الصهيوني وممارساته الكفيلة بتدمير ما يدعى بالسلام."