هذا المقال بقلم ابراهيم عوض، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
دعا رئيس الجمهورية جريدة "الشروق" إلى أن تنظم حوارا بين الأحزاب السياسية المصرية. الحوار يمكن أن يعيد بعث الحياة في السياسة المصرية، وهو لذلك يستحق أن تلقى فكرته الترحيب وأن تقترح الأفكار وتبذل الجهود لإنجاحه. يمكن للحوار أن ينعقد وأن ينفض وينساه الناس كما نسيوا غيره من الحوارات، ولكنه يمكن أيضا أن يؤسس لحياة سياسية ثرية ومركّبة تحتاج إليها مصر أشد الاحتياج.
لذلك فإن أول شروط نجاح الحوار هو أن يحدد الهدف، أو الأهداف المبتغاة، منه صراحة وليس ضمنا. تفعيل الدستور، والتأسيس لنظام سياسي ديمقراطي يحقق التنمية، ويوفر للمواطنين كافة فرص الارتقاء الاقتصادي والاجتماعي، ويكفل فعلا المساواة وعدم التمييز بينهم يمكن أن تكون أهدافا للحوار. بدون أهداف محددة يتوه الناس يسيرون على غير هدي. على ضوء أهداف الحوار، يجري تحديد أطرافه. من هي الأطراف التي يمكن لجريدة "الشروق" أن تدعوها إلى التحاور؟ تتبادر إلى الذهن الأحزاب السياسية. ولكن أي أحزاب سياسية؟ حتى المتابع عن قرب للحياة السياسية يعجز عن حصر عدد الأحزاب السياسية في مصر، ناهيك عن أسمائها. ليس هذا استنكارا لوجود عدد كبير من الأحزاب فهذا شيء طبيعي ومصير الكثير من هذه الأحزاب سيكون الاختفاء حتى يبقى في النظام الحزبي عدد محدود منها. المقصود هو أن العدد الكبير من المشاركين في الحوار، من ذوي المواقف ومن غير ذوي الآراء، من شأنه يضيّع الوقت وأن يفقد الحوار التركيز في المناقشة بين أصحاب الوزن السياسي والأفكار والمواقف. ليس بعيدا ذلك الحوار الوطني الذي انعقد في الشهور التالية لسقوط الرئيس الأسبق حسني مبارك. كما أنه ليس بعيدا جدا في الزمن ذلك الحوار العبثي في خضم أحداث يناير وفبراير 2011 الذي افتقد إلى أي جدية بجمعه لمشاركين لا وزن لهم بين الرأي العام ولا أفكار لديهم. وإن كان الإنصاف يقتضي كذلك الإشارة إلى أن ثمة من يعتبر أن هذا الحوار العبثي هو ما دشّن لشرعية مشاركة الإخوان المسلمين في توجيه الفترة الإنتقالية الأولى، وهي الفترة التي انتهوا إلى الفوز بها وممارسة السلطة من بعدها. أيا كان الرأي في حوار فبراير 2011، فالمقصود هنا هو أن العدد الكبير من المشاركين سيؤدي إلى تحلل الحوار وضياع أي فرصة لأن يحقق شيئا ملموسا. يمكن لجريدة "الشروق" أن تعلن عن عدد محدد للمشاركين في الحوار. العدد المحدد من شأنه أن يحث الأطراف المتقاربة في المواقف والتحليلات على أن تجمّع نفسها وأن تشارك بصوت واحد في الحوار. بذلك تكون "الشروق" قد ساعدت في هيكلة الحوار بل والحياة السياسية ذاتها. الأطراف هي الأحزاب السياسية، ولكنها يمكن أيضا أن تضم مجموعات المصالح من منظمات ممثلة للدوائر الاقتصادية وللعمال.
***
بعد أهداف الحوار وأطرافه، يبقى تحديد ما سينصب عليه الحوار، أي موضوعاته. أهداف الحوار تستقى منها موضوعاته. يمكن المسارعة بالقول بأن محاربة الإرهاب والتغلب عليه ينظر إليهما في المقاربة المقترحة على أنهما النتيجة المقصود الوصول إليها بتحقيق أهداف الحوار ولكنهما ليسا من موضوعاته. يضاف إلى ذلك أن سرعة إجراء الانتخابات التشريعية ليست موضوعا لأي حوار بل هي مفروغ منها ومن ضرورتها. الموضوعات التي يمكن أن تستقى من أهداف الحوار عديدة ولكن يمكن انتقاء أربعة منها.
الموضوع الأول هو صيانة الحريات والتشجيع على ممارستها. الحريات ليست مما ينتقص من القدرة على مواجهة الإرهاب بل إن العكس هو الصحيح. الحريات من شأنها توسيع الجسم السياسي وتمتينه وتمكين كل جزء منه من مواجهة الإرهاب وتنويع طرائق مقاومته. الإرهاب يحتار في التنوع والتعدد ويعجز عن تحديهما. والحريات ليست تنفيسا عن كبت ولا هي علاج نفسي، بل إن لها وظائف أهمها أنها ترشّد من عملية اتخاذ القرار، وتنبه من بأيديهم القرار النهائي إلى الخيارت المتاحة أمامهم وإلى الأخطاء التي لا بدّ أن يقعوا فيها إن عاجلا أو آجلا إن هم انفردوا به.
موضوع ثان هو الأحزاب السياسية ذاتها وتنمية الحياة السياسية. لم يكف الحديث لا قبل 2011 ولا بعدها عن ضعف الأحزاب السياسية وعن عدم اضطلاعها بأدوارها. ماذا فعل النظام السياسي وماذا فعلت قواعد عمله لتمكين الأحزاب السياسية من أن تلعب أدوارها الضرورية لأي نظام سياسي كفؤ؟ العرقلة المتعمدة والممنهجة للتعددية السياسية الفعلية كانت من أهم أسباب فشل النظام السياسي فيما قبل 2011 وفي فساده. ولن ينجح النظام السياسي فيما بعد 2014 بدون بث الروح في الأحزاب السياسية ومن غير تمكينها من إثراء الحياة السياسية بتعدد مواقفها من مصالحه المشتركة.
***
موضوع ثالث هو العلاقة بين الدين والدولة. الموضوع شائك ولكن لا مفر من التصدّي له. الانتهازية، والسكوت عليها، والوجل منها تركوا هذه العلاقة الخبيثة تنمو وتبعاتها تستفحل حتى أساءت إلى الدين ونحرت في أسس الدولة، وتعقدت مع كل يوم صعوبة معالجة كل من العلاقة وتبعاتها. العلاقة بين الدين والدولة تثير ما يتعلق بالمساواة بين المواطنين وعدم التمييز بينهم، وهذان شرطان لايمكن أن تستقيم الدولة الوطنية بدونهما. والعلاقة تثير كذلك مسألتي التعليم والثقافة، وكلاهما لا بدّ أن يجسدا الفصل بين الدين والدولة، من جانب، وأن يعملا على ترسيخ هذا الفصل، من جانب آخر. ضبط العلاقة بين الدين والدولة حيوي لمحاربة الإرهاب وللتغلب عليه. لا بد من التصدي لبذور التطرف وللتنشئة المنتجة لممارسي الإرهاب بدلا من الانتظار حتى يمارسوه ثم محاربتهم.
المرأة ومساهمتها في ازدهار المجتمع والاقتصاد وفي إدارة شئونهما موضوع رابع عظيم الأهمية. المرأة نصف المجتمع، بل هي في حقيقة الأمر أكثر من نصفه، سواء لأن ملايين الرجال هاجروا ليعملوا خارج مصر أو لأنها تعيش سنوات أكثر من الرجل، ومع ذلك فإن مشاركتها ضعيفة في النشاط الاقتصادي، فيضيع بذلك على الاقتصاد المصري فرص لزيادة الإنتاج من السلع والخدمات وهي زيادة يحتاج إليها مجموع المصريين ليرفعوا من مستوى معيشتهم. أما إدارة الشأن العام فإن مشاركة المرأة فيها مزرية ويكفي النظر إلى أي صورة تنشرها الصحف لتجمع لمسئولين كبار لترى غيبة المرأة تماما عنها، وإن وجدت فهي إما بمثابة الزخرف أو في دور مساعد أو هامشي.
الدول تُساس. والحوار المطلوب هو حول سياسة مصر.