هذا المقال بقلم هدى رؤوف، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
كتب صحفي مصري كبير مقالا يتناول فيه الوضع في سيناء مستندا إلى تقرير ينسب الى المحلل العسكري بجريدة يديعوت أحرونوت رون بن يشاي، محاولا إثبات أن تحرك الجيش المصري في سيناء إنما يصب في صالح إسرائيل، وهو ما يجعل ما قام به الجيش من خطوات لجهة صالح الأمن الإقليمي عنه لصالح الأمن القومي المصري وفقا لمقال الصحفي المصري. لذا فإسرائيل تتعاون استخباراتيا مع مصر وتدعم ما تقوم به. يتطابق ما ورد في مقال الكاتب المصري الكبير مع فقرات جاءت في مقال منسوب للباحث صالح النعامى على موقع العربي الجديد بعنوان "يديعوت أحرنوت: إسرائيل تساعد السيسي استخباراتياً" المنشور بتاريخ 1 نوفمبر 2014، قرأت مقال النعامى بعد أن وجدت الناشط السيناوي مسعد أبو فجر قد نشره على حسابه الشخصي على الفيسبوك لإستياق الأسباب والمبررات الداعمة لوجهة نظره الرافضة للقرارات التي اتخذت في سيناء فيما يتعلق بإخلاء الشريط الحدودي في رفح. لم أهتم بالمقال "المليء بالمغالطات" فضلا عن أن صالح النعامى الباحث بفلسطين معروف موقفه من 30 يونيو وتعاطفه مع الإخوان، لكن مع تكرار الاستناد إلى تقرير رون بن يشاى المزعوم من أكثر من شخص، قررت أن أكتب لتوضيح بعض النقاط الهامة. بداية قمت بالبحث عن التقرير المزعوم للمحلل الإسرائيلي في موقع صحيفة يديعوت أحرونوت وحتى داخل محرك البحث جوجل ولم أجد التقرير.
***
ودعونا هنا نفند الشهادة الإسرائيلية المبنية على تقرير رون بن يشاى بفرض وجوده، لأن ما يهمنا في النهاية هو الموضوعية.
القول الآن بوجود تعاون أمني بين مصر وإسرائيل وكأن الأمر جديد ومرتبط بالرئيس السيسي في حين أن التعاون الأمني والاستخباراتي بين البلدين قائم منذ حكم مبارك، الذي ورغم توتر العلاقات بين البلدين على مدار سنوات حكمه في مرات عديدة إلا أن التعاون الأمني كان أحد الخطوط الحمراء التي لا يمكن المساس بها في العلاقات. ينطلق ذلك من انتشار ظاهرة الإرهاب التي تحتاج لتعاون إقليمي تتبادل فيه دول المنطقة المعلومات بشأن المسلحين واحتمال تنفيذ عمليات في المنطقة، خاصة وأن سيناء مرشحة أن تكون منصة لإطلاق هجمات منها على المصالح الغربية والعربية، وبالتالي لا يمكن استثناء مصر من التعاون الأمني الاقليمي. وهو بالمناسبة ما استمر في سنة حكم مرسي.
وفيما يتعلق بأن الحرب التي تشنها السلطات المصرية ضد تنظيم أنصار بيت المقدس تخدم إسرائيل بشكل كبير، فالغريب فى الأمر أن أنصار بيت المقدس قامت بتفجير خط أنابيب الغاز لإسرائيل ما يزيد عن ستة عشر مرة منذ يناير 2011 وحتى مجيء محمد مرسى للحكم توقف نشاطها منذ ذلك الحين، ما يهدف لتوصيل رسالة مفادها أن التفجيرات فى سيناء ضد المصالح الإسرائيلية لم تتوقف إلا في ظل حكم مرسي وهو ما يعني قدرة الإخوان على ضبط سلوك التنظيمات الإرهابية. وبالتالي تتمسك الولايات المتحدة بتصعيد الاسلاميين فى المنطقة وهو ما كانت تهدف إليه من المشروع الإسلامي. ثم عاودت الجماعة نشاطها ولكن ضد الجيش المصري وأهداف مصرية بعد سقوط نظام الإخوان. ناهيك عن أن إسرائيل تدرك أنها ليست مدرجة على أولويات داعش وأخواتها والقاعدة. لذا تدرك إسرائيل ان مصلحتها كانت تقتضى استمرار الإخوان فى الحكم لما لديهم من تفاهمات مع جميع التنظيمات المسلحة الإسلامية فى المنطقة، وهو ما حدث خلال فترة حكم مرسي حيث تمتعت الحدود الجنوبية لإسرائيل بالهدوء وتبدو أهمية تلك العلاقات حينما نرى قدرة حماس على كبح سلوك التنظيمات المسلحة الأخرى في غزة في أعقاب تفاهمها مع إسرائيل.
***
أعتقد أن الحديث عن وجود قوات مصرية أكبر مما هو متفق عليه في اتفاقية السلام داخل سيناء كإشارة على التوافق الحالي بين البلدين، لا يخرج عن أنه كلام فمنذ يناير 2011 ومع وقوع حوادث بحق الجنود المصريين في ظل قيادة المجلس العسكري، ومذبحة رفح الأولى مع وجود مرسى، والثانية، قام الجيش المصري بإدخال مزيد من القوات من أجل إحكام السيطرة ومطاردة المسلحين وهو ما هلل له زمن الإخوان بأنه دليل إحكام السيادة المصرية على سيناء تماما. أما عن كون أنصار بيت المقدس قد تهدد باستخدام الصواريخ - المحمولة على الكتف- وتسقط بها طائرات مدنية إسرائيلية فهذا حدث مع المروحية العسكرية المصرية وهو يهدد بالفعل إسقاط حتى الطائرات التجارية والمدنية في المنطقة كلها وليس الإسرائيلية فقط.
***
مباركة إسرائيل لحكم الرئيس السيسي كلام آخر مرسل ويمكننا الرد عليه بأن المباركة إنما كانت لحكم مرسي الذي وفي أعقاب نجاح الوساطة المصرية والوصول إلى الهدنة بين الطرفين تلقت مصر الثناء من الجميع. من الولايات المتحدة وإسرائيل حيث وجه الرئيس الإسرائيلي بيريس الشكر لمصر. واعتبر البعض أن نجاح مصر في القيام بدور الوساطة إنما هو دليل على اعتراف الحكم الإسلامي في مصر بإسرائيل وذلك من خلال المفاوضات غير المباشرة التي تمت. لذا نجحت رؤية اسرائيل في الدفع بمصر للوساطة وتأييد مبادرتها عما عداها من مبادرات وضمانها للهدنة بما يضمن سلوك حماس لفترة طويلة بضمانة مصرية وهو مالم يقدمه مبارك من قبل.
***
وعن الاستشهاد بتحليلات رون بن يشاى المعروف بعلاقاته بالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية واعتبار أنها دليل علاقات وثيقة ومصدر يعتمد عليه في مهاجمة السياسة المصرية سنجد أن هناك من الصحف والأبحاث الإسرائيلية التي تشير إلى العلاقات بين البلدين زمن مرسي والتي أحتفظ ببعضها. وإلينا بعض النماذج، بداخل صحيفة يديعوت احرونوت الصحيفة المقربة من الحكومة الاسرائيلية ما يشيد بقوة العلاقات وقت حكم الاخوان ويمكن الاعتماد عليها في توضيح مدى خسارة إسرائيل للمكاسب الاستراتيجية المكتسبة من حكمهم ومن ذلك مقال إتمار إيشنر المنشور بنفس الصحيفة بعنوان Israel fears Jihadist attacks after Morsi's ouster"" بتاريخ 4 يوليو 2013، والذي ينقل فيها مخاوف أحد المسئولين الأمنيين من تنفيذ هجمات ضد إسرائيل بعد عزل مرسي مشيرا إلى تمتع إسرائيل بالتعاون الأمني الجيد مع مرسي في مصر. يمكن أيضا الاستشهاد بمقالات صحيفة هآرتس المعارضة للحكومة في إسرائيل والتي تدعم نفس كلام الصحيفة المؤيدة، ففي أحد مقالات هآرتس بعد عزل مرسي نشر مقال بعنوان " أربعة أسباب لتفتقد إسرائيل مرسي" Four reasons why Israel may miss Morsi after all" بتاريخ 3 يوليو 2013 ، والذي تسأل فيه برغم أن مرسي ليس صهيونيا ولكن هل حقا ستفرح إسرائيل لعزله وأجاب المقال عن تحسن العلاقات بين البلدين سنة حكمه والتمسك بالاتفاقية وتحسن التعاون الأمني كما كبحت الجماعة لجام حركة حماس بعد عملية عامود السحاب والتي على إثرها شهدت الحدود الجنوبية هدوءا حافظت عليه أيضا حماس لم تشهده إسرائيل زمن مبارك بحسب هآرتس ويمكن الاطلاع على بقية المقال للتعرف على بقية أسباب افتقاد حكم.
***
من هنا لابد من إدراك أن ما يقوم به الجيش في سيناء هو بدافع المصلحة الوطنية المصرية، والتي تدفع ثمن إهمال سيناء المرشحة أن تنشط فوقها جميع العناصر الإرهابية الإقليمية. إسرائيل تستطيع ان تحمي نفسها، فمنذ عدة سنوات كانت قد بدأت في إنشاء جدار أمني على طول الحدود مع مصر، وأيضا منظومة انذارات استخباراتية تزودها بالمعلومات فيما يتعلق بأي عمليات إرهابية. بالتالي فإن عمليات الجيش المصري في سيناء تخدم بالأساس المصلحة والأمن القومي المصري.