كاتب المقال: غاي غودوين، باحث فخري في كلية "All Souls" التابعة لجامعة أكسفورد، وهو أستاذ فخري في قانون اللاجئين الدولي، ومحام في المحاكم العليا، مختص بالقانون الدولي وحقوق الإنسان وقوانين اللجوء السياسي، عمل بشكل مكثف مع الأمم المتحدة، من بينها 12 عاماً مع المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، ومنذ عام 2008 قام على تأسيس منظمة "Asylum Aid" الخيرية التي تجمع التبرعات لمساعدة من يحتاج إلى اللجوء السياسي. (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
أعلن رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون بأنه يمكن الحد من جهود الراغبين بالانضمام إلى "المقاتلين الإرهابيين" من خلال مصادرة جوازات السفر لمنعهم من التجول، ومنع من يذهب للقتال خارج البلاد من العودة إلى بريطانيا، وأخذ خطوات صارمة للتعامل مع الذي يقيمون داخل البلاد.
ورغم أن التفاصيل المتعلقة بقانون مكافحة الإرهاب الذي سيصدر قريباً ليست واضحة إلى الآن، إلا أن المقترحات الأولية تتجاوز كل ما هو مطلوب، وتخاطر باتباع ما ينص عليه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وذلك للتوافق مع القانون الدولي.
قد يبدو "التعامل بصرامة مع من هم هنا"، فكرة جيدة بالطبع، خاصة مع تواجد العديد من القوانين المرتبطة بالإرهاب والتي يمكنها أن تفي بالغرض.
والحاجة لمزيد من القوانين لا يزال محل جدل، ولكن من الواضح بأن مجلس الأمن أكد، وبأغلبية من أعضائه خلال اجتماعه في سبتمبر/أيلول الماضي، على إيجاد حل "للمقاتلين الإرهابيين الأجانب"، ونص بيان المجلس على أنه "يجب التعامل مع عدد من الاستراتيجيات مثل إعادة تأهيل من قاتل في الخارج"، الدنمارك بدأت بالفعل بتطبيق ذلك، ولكن هل نظر أحدهم فيما لو نجحت هذه الأساليب؟
ويصر مجلس الأمن بأن الدول مجبرة على منع تحرك الإرهابيين من خلال التحكم بتحركهم من خلال حدودها ومتابعة جوازات السفر، التي قد تشكل أسهل الأساليب لتطبيق ذلك.
ولا تنص القوانين البريطانية على حق مواطنيها بالحصول على جواز للسفر، بل يتم إصدار جوازاتهم تحت إطار الامتيازات الملكية، أي بموافقة العائلة الملكية (ويأتي التطبيق العملي على ذلك لهيئة الهوية والجوازات التابعة لوزارة الداخلية)، ويمكن سحب الجوازات أو "إلغاؤها" لعدد من الأسباب، من ضمنها تحقيق المصلحة العامة، مثل أن يشتبه بضلوع حامل الجواز في جرائم منظمة أو منظمات إرهابية، وتتضمن أحد شروط الكفالة تسليم جواز السفر.
ولكن ما تطلبه الحكومة البريطانية الآن هو منحها حقاً قانونياً يسمح لها باحتجاز أو الاحتفاظ بجوازات السفر الملغية، وذلك للتقليل من احتمالية استخدامها في جميع الأحوال.
ولكن على أرض الواقع، سيكون من الصعب منع الناس من السفر في غياب أدلة لإدانتهم وفقاً لنواياهم، قد تكون وجهة سفرهم واضحة، ولكن ما الذي سيضمن بأنهم يسافرون لأهداف لا تخدم الإرهاب، كالعمل مع المنظمات الإنسانية على سبيل المثال؟ فهنالك الكثيرون ممن يودون مساعدة الجرحى أو من هم في خطر بسب الأزمة المتولدة في المنطقة.
يشير مجلس الأمن إلى أنه يتوجب توافر "معلومات مصدقة" و "أسس منطقية" لتصديق نوايا حاملي الجواز للسفر بدواع غير إرهابية، ويشجع المجلس على اتخاذ "تقييم مصدق لدواعي السفر"، ولكن هنالك مخاطر أخرى في هذه النقطة، إذ أصر المجلس على أن دوافع المنع من السفر يجب ألا تتم وفقاً للصور النمطية، مما يمكنه أن يخالف القوانين الدولية الداعية إلى عدم التمييز.
كيف يمكن لبريطانيا أن تطبق مثل هذه المعايير؟ وما هي الضمانة التي يمكن أن تقدمها للمواطنين ضد احتمالية الاستبداد بحق حرية التحرك؟ هل ستعطى الشرطة الموافقة بالتصرف بناء على الشك بشخص ما؟
في إحدى جلسات النقاش السابقة أوضحت الحكومة بأن "الشك" يعتبر "اختباراً أقل معياراً" من التأكد، وأكدت بأنه بعيد عن المعايير التي تلجأ إليها قوات الأمن لتحديد الأدلة في الجرائم، يجب أن يتم التفكير بتمعن في النقاط السابقة عند وضع أي قانون، بشكل بعيد عن القوة الاستبدادية، ومنع أي نوع من التمييز وبشكل يتوافق مع نصوص التشريعات المطبقة.
ولكن بريطانيا ستخرق القانون إن قامت بمنع مواطنيها من العودة، إذ أن الأوامر بالنفي قد طبقت من قبل في السابق، عندما منعت الحكومة حرية التنقل بين أيرلندا الشمالية وبريطانيا خلال الفترة ما بين السبعينيات والتسعينيات، ولكن هذه الأوامر كانت تعد من الشؤون الداخلية للدولة، وطبقت على مواطنين بريطانيين داخل الدولة، والآن هنالك وضع مختلف، إذ يرغب رئيس الوزراء بمنع مواطني الدولة من الدخول إليها.
إن "أوامر النفي المؤقت" لا تزال في وضع مقترح، وتتضمن إلغاء جواز السفر والدخول في قائمة "المحظورين من الطيران"، بالإضافة إلى فرض عقوبات على أي شركة طيران تنقل راكباً "منفياً" على متن رحلاتها إلى بريطانيا.
ويمكن لهذه الأوامر أن تستمر لمدة عامين، رغم أنه ليس من الواضح السبب وراء تحديد هذه المدة الزمنية، خاصة بعدم اشتراط العودة بدليل واضح، وقد يسمح بعدها للمنفي بالعودة إلى بريطانيا ولكن بشرط خضوعه للمحاكمة أو التقييد من حرية التنقل أو الاشتراك ببرنامج "ضد المتشددين"، التوقعات مليئة بالاحتمالات، كما سيسجن من يعود بدون موافقة لمدة لا تقل عن خمس سنوات.
وبهذا فإن العاملين بمجال المساعدات الإنسانية يمكنهم أن يخاطروا احتجازهم في منطقة تندلع فيها الحروب، بينما يعيش غيرهم ممن اتهموا، سواء كانوا مذنبين أم لا، بلا موطن في أي دولة أخرى مؤقتاً، وبكلتا الحالتين سيحرم هؤلاء الأشخاص بحق الحماية الذي يتوجب على الدولة منحها إياهم، وهذا سيسمح لبريطانيا بأن تخلي نفسها من المسؤولية تجاه الدول الأخرى.
وقد شدد مجلس الأمن على أن أي إجراءات يمكن للدول اتخذها للتعامل مع التهديدات الإرهابية يجب أن تتوافق مع الواجبات التي يفرضها القانون الدولي، وأهمها عدم السماح لأي دولة بأن تمنع دخول مواطنيها أو المقيمين الدائمين إليها أو مطالبتهم بمغادرة أراضيها.
"النفي" وفي كافة الأحوال، محظور ضمن البند التاسع في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948، بينما ينص البند 12 بالفقرة الرابع ضمن العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على أنه "لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول إلى بلده."
إن التصريحات التي صدرت عن كاميرون بخصوص ما أسماهم بالجهاديين تعتبر وللأسف عشوائية، ومبنية على الشك بالذنب، فقد دعا إلى "سلطة تقديرية" لمنع دخول مواطني بريطانيا إليها، رغم أن هذا قد يشير إلى ارتكاب السلطة التنفيذية لإجراءات تعسفية، بدلاً من الاعتماد على حكم القضاء والحماية القانونية المصدقة في التشريعات، كما أنها لا تتضمن أخذ حقوق الدول الأخرى ومصالحها بعين الاعتبار، أو حتى الحاجة إلى تحسين أطر التعاون الدولي.
لا يفترض بأي دولة أن تقبل وجود "مواطنين غير مرغوبين مؤقتاً" في حدودها، وسيحق لأي دولة أن تنفي مثل هؤلاء الأشخاص لبريطانيا، وستجبر بريطانيا على إعادة إدخال مواطنيها الذين لم يسمح لهم بالدخول لأي دولة أخرى، وفوق هذا كله، يمكن لأي دولة فرضت عقوبات على خطوطها الجوية لنقلها مواطناً بريطانياً إلى بلاده بأن تطبق العقوبات ذاتها على بريطانيا، وبشكل منطقي لأن فيها مخالفة للقانون.
وقد ينتج عن عدم البحث المعمق تكرار ما حصل في بداية العام من حرمان لمنح الجنسية البريطانية، والتسرع في تشريع قانون لذلك أدى إلى فحص غير دقيق من قبل البرلمان وـخذ القانون الدولي بشكل سطحي للغاية، والنتيجة حينها، والتي قد تتكرر مجدداً، تمثلت باتساع نفوذ السلطة التنفيذية وبشكل تخطى القانون الذي يتوجب المثول إليه في دولة بتمثيل نيابي ديمقراطي.