هذا المقال بقلم عمرو حمزاوي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
25 نوفمبر الماضي، مر مجددا اليوم العالمي للقضاء على العنف ضد النساء دون عظيم اهتمام به في مصر إن من قبل المؤسسات والأجهزة الحكومية أو من قبل أغلبية الأحزاب والكيانات السياسية التي لا هم لها إلا أحاديث الانتخابات البرلمانية وتحالفاتها وجبهاتها أو من قبل العدد الأكبر من وسائل الإعلام التي اشتركت في تجاهله على اختلاف ملكياتها بين العام والخاص.
منظمة الأمم المتحدة، التي أقرت 25 نوفمبر كاليوم العالمي الذي آل إليه، تؤكد في تقارير عديدة أن : 1) 35 بالمائة من إناث وفتيات عالمنا المعاصر يتعرضن لشكل من أشكال العنف المادي و/ أو العنف الجنسي وأن معدلات التعرض للعنف ترتفع في بعض البلدان لتتجاوز 70 بالمائة، 2) يرتفع عدد الإناث والفتيات اللاتي تعرضن لجريمة الختان عالميا إلى 130 مليون ويصل العدد المهدد راهنا بالجريمة ذاتها إلى 30 مليون، 3) أكثر من 700 مليون سيدة متزوجة اليوم تم تزويجهن كأطفال في بلدان متنوعة وبينهن 250 مليون سيدة على الأقل زوجن قبل أن يبلغن عامهن ال15، 4) تقل حظوظ الإناث والفتيات اللاتي يزوجن قبل أن يبلغن عامهن الـ 15 أو عامهن الـ 18 من التعليم والرعاية الصحية وتتزايد معدلات تعرضهن للعنف، 5) تستمر النتائج الكارثية للعنف ضد الإناث والفتيات لأجيال متتالية وتحد بوضوح من فرص بناء المجتمعات المتقدمة المتسامحة والدول التنموية العادلة.
لذلك، تواصل خلال العقود الماضية إصدار مواثيق وعهود ومبادرات أممية تدعو بلدان العالم إلى :
1-الاعتراف بأن العنف ضد النساء يمثل انتهاكا لحقوق الإنسان.
2-إدراك أن العنف ضد النساء يرتبط من جهة بالتمييز ضدهن في التشريعات والقوانين والممارسات المعمول بها في مجتمعات ودول عديدة ومن جهة أخرى بغياب المساواة الكاملة بينهن وبين الرجال.
3-التيقن من أن العنف ضد النساء يعوق التقدم والتنمية في الكثير من مجالات الحياة كالقضاء على الفقر وصون الكرامة الإنسانية للضعفاء والمهمشين وحماية حقوقهم وحرياتهم وتمكين البشرية من تجاوز الأزمات المهددة للسلم وللأمن العالميين ومنع حدوث جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية.
4-الوعي بأن العنف ضد النساء يمكن القضاء عليه عبر مجموعة من الأدوات التشريعية والقانونية وأدوات إنفاذ القانون والسياسات العامة المصاغة لمناهضة التمييز ضد النساء وإقرار المساواة بينهن وبين الرجال وعبر برامج التوعية المجتمعية الشاملة وتحديث النظم التعليمية.
إزاء هذا السياق العالمي المتكامل، وإزاء الوضعية المتدهورة لحقوق وحريات النساء وارتفاع معدلات العنف المادي والجنسي الذي يتعرضن له في مصر (وليس فقط التحرش الجنسي والعنف المنزلي) كما تقر بذلك البيانات الحكومية وغير الحكومية الراهنة، وإزاء معاناة النساء ومعهن الأطفال والعجائز والقطاعات الفقيرة والمهمشة ومحدودة الدخل من التداعيات السلبية للعنف ولانتهاكات الحقوق والحريات وللإجرام الإرهابي أكثر من القطاعات المجتمعية الأخرى، وإزاء تراكم المعرفة الموضوعية لدى بعض دوائر السلطة التنفيذية ولدى بعض منظمات المجتمع المدني المدافعة عن حقوق وحريات النساء بشأن المطلوب تعديله في التشريعات والقوانين المعمول بها والضروري تطبيقه من إصلاحات وسياسات عامة لتحسين مستويات إنفاذ القانون لصون كرامة النساء وحمايتهن والتخلص من الممارسات التمييزية التي يتعرضن لها؛ ألم تكن من مسؤولية مؤسسات وأجهزة الدولة أن تخاطب نساء مصر "بتقرير حالة" موضوعي يتداول معلومات وحقائق موثقة عن العنف ضد الإناث والفتيات ويطرح خطوات تشريعية وقانونية واضحة لمواجهته وإصلاحات حكومية وسياسات عامة محددة للتغلب عليه وعلى التمييز؟
ألم تكن مسؤولية المجلس القومي للمرأة أن يخاطب مؤسسات وأجهزة الدولة للاضطلاع بمسؤوليتها ويتجاوز ولو لمرة واحدة / ليوم واحد / فقط في 25 نوفمبر الماضي لتبعيته للسلطة التنفيذية وانتظاره الدائم للتوجيهات الحكومية؟ ألم تكن مسؤولية المجلس القومي لحقوق الإنسان أن يذكر في هذا اليوم بأوضاع ضحايا الانتهاكات من إناث وفتيات، من طالبات جامعيات وطالبات في مراحل التعليم المدرسي المختلفة يتعرضن أو تعرضن لجرائم الاعتقال والاختفاء القسري والعقوبات السالبة للحرية، وأن يطالب السلطة التنفيذية بالإفصاح عن هوية وعدد الضحايا وبإيقاف الانتهاكات وجبر الضرر ومحاسبة المتورطين، ومن ثم يسجل (أي المجلس) شيئا من الاستقلالية في إدارة العلاقة مع الحكم تراكم غيابها خلال الفترة الماضية؟
ألم تكن مسؤولية الأحزاب السياسية التي ترفع شعارات المساواة بين النساء والرجال (ولا أبحث هنا عن شعارات الديمقراطية والحقوق والحريات فهذه امتهنتها أغلبية الأحزاب وجردتها بموالاتها للسلطة التنفيذية وبصمتها عن الانتهاكات من المضمون) أن تصدر أوراق "تقدير موقف" بشأن العنف ضد النساء وتروج للتشريعات وللقوانين وللسياسات العامة التي ستجتهد لتعديلها ولتفعيلها بعد أن تنفذ إلى مواقع السلطة التشريعية والتنفيذية، فالنساء ما زلن مواطنات وناخبات لهن كرامة يتعين صونها وحقوق وحريات ينبغي حمايتها؟
ألم تكن مسؤولية الإعلام أن يفتح ولو نوافذ صغيرة لإدارة نقاش موضوعي حول النساء في مصر ولتداول بعض المعلومات والحقائق المرتبطة بملفات العنف والتمييز ضدهن ولمواجهة مؤسسات وأجهزة الدولة وكذلك المجالس شبه الحكومية (القومي للمرأة والقومي لحقوق الإنسان) والأحزاب بالمسؤوليات المحددة للقضاء على العنف والتمييز وإيقاف الانتهاكات ولتوعية الرأي العام لجهة التدهور المستمر في أحوال النساء المصريات في مقابل التحسن النوعي في بعض بلاد العرب كتونس والمغرب وفي بعض المجتمعات الإفريقية (كتنزانيا وأوغندا وغانا) - ولا أدعو هنا إلى مقارنات خارج السياق مع الشمال والغرب المتقدمين وبعض الشرق الطامح / النامي؟
وعلى الرغم من شدة وطأة الهجمات والضغوط السلطوية التي تتلاحق راهنا باتجاه منظمات المجتمع المدني وجمعياته الأهلية العاملة في مجالات الحقوق والحريات ومن بينها قضايا النساء، وعلى الرغم مما ترتبه الهجمات والضغوط هذه من شيوع مناخ من القلق والتوجس وترقب إجراءات قمعية وتقييدية وعقابية تنزلها السلطة التنفيذية بين العاملين في المنظمات والجمعيات المتنوعة وتداعيات ذلك السلبية المتمثلة في إلغاء / إيقاف / تجميد العديد من البرامج والأنشطة؛ إلا أن المحدودية البالغة التي اتسم بها تعامل المجتمع المدني المصري مع 25 نوفمبر الماضي والغياب الملحوظ لفعاليات التوعية بالعنف ضد النساء ومعدلاته المرتفعة بين ظهرانينا وسبل القضاء عليه معناهما إما أن البعض ينزع إلى تجاهل الانتهاكات التي تتعرض لها الإناث والفتيات فضلا عن ممارسات العنف والتمييز إيثارا "للسلامة وللبقاء" في ظل الهجمات والضغوط السلطوية المتلاحقة أو أن المجتمع المدني أصبح اليوم فاقدا للتوازن الذي يمكنه من التعامل الجاد مع قضايا الحقوق الكبرى وملفات الحريات الحاكمة التي صنعت منذ ثمانينيات القرن العشرين دوره الجوهري في مصر ودفاعه المبدئي عن المواطن إزاء تغول السلطة التنفيذية وإزاء تراكم المظالم التي تنزلها هي بالناس أو تكرسها أمراض وأزمات المجتمع والتي دوما ما توقع من النساء والأطفال والعجائز ومحدودي الدخل والضعفاء والمهمشين ضحايا أكبر عددا من ضحايا القطاعات السكانية الأخرى.
تصدم استقالتنا الجماعية من إدارة نقاش علني وجاد بشأن العنف ضد النساء، وينذر صمتنا عن الوضعية المتدهورة لكرامة وحقوق وحريات الإناث والفتيات المصريات بنزوع خطير لتجاهل المعدلات المرتفعة الراهنة للعنف المادي والجنسي وللممارسات التمييزية. لا تقدم سيحققه مجتمعنا هنا، مادامت السلطة التنفيذية تمتنع عن تداول المعلومات والحقائق وتوظف استراتيجيات فرض الصوت الواحد والرأي الواحد للتنصل من مسئوليتها للقضاء على العنف ضد النساء، ومادامت المجالس شبه الحكومية تستسيغ وضعية التبعية وتتحول إلى كيانات إضافية لتبرير السلطوية أو على الأقل لعدم التعرض لها، ومادامت الأحزاب تتورط في محاكاة "حياة سياسية" لا وجود فعلي لها، ومادامت منظمات المجتمع المدني وجمعياته لا تدرك أنها في طريقها لفقدان القضايا والملفات الكبرى التي صنعت دورها في مصر – على إدراكي لشدة وطأة الهجمة السلطوية التي تواجهها ودفاعي الكامل عن حقها في الوجود والعمل بحرية.