آمال قرامي تكتب لـCNN عن "شعب النهضة"

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
آمال قرامي تكتب لـCNN عن "شعب النهضة"
المنصف المرزوقي، الرئيس التونسي الحالي الذي يدافع عن موقفه في الانتخابات الرئاسية المقبلةCredit: FETHI BELAID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

في حوار صحفي مع قناة تلفزية تونسية خاصة غازل المنصف المرزوقي أتباع حركة النهضة قائلا : إنّه يثق في ما سماه ب«شعب النهضة» في انتخابه، مثبتا بذلك أنّه يميّز بين "شعب النهضة' وسائر مكونات 'الشعب". وعلى هذا الأساس انتبه التونسيون إلى أنّ المرزوقي الذي يسوّق لنفسه على أنّه "رئيس كل التونسيين' ، لا ينظر إليهم باعتبارهم يمثّلون الشعب بل إنّه يميّز بين 'شعب النهضة' الذي يحسب له ألف حساب لأنّه يمثل كتلة عددية مهمّة في الانتخابات، وسائر التونسيين.

          والواقع أنّها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المرزوقي بعملية الفرز إذ خاطب التونسيات من قبل، قائلا: المحجبات والمنقبات والسافرات. ولا نخال المرزوقي وهو 'الرئيس المفكّر' يجهل مدى خطورة استعمال هذه العبارات، ولكن نراه قد 'اضطر' إلى استعمالها كتكتيك سياسي بهدف مزدوج: إخافة الخصوم السياسيين، من جهة، وكسب ودّ أتباع النهضة الذين رفضوا ترشح الباجي قايد السبسي، من جهة أخرى.

          وهكذا نتبيّن أنّ شكل تواصل السياسيين يؤثر في الناس ويوجهّهم إمّا سلبا أو إيجابا حسب وعي الفاعل السياسي بسلطة الكلمات وخطورة اللغة السياسية، هذه اللغة التي هي في الواقع أداة أساسية من بين أدوات سياسة أخرى يلجأ إليها السياسي، ومن السذاجة أن نعزل سلطة السياسة عن سلطة اللغة السياسية. وبالإضافة إلى ذلك يعكس انتقاء العبارات مقاصد المتلفّظ من ذلك بناء علاقة مع الآخر وكسب ودّه بالرفع من شأنه والتنويه بفضائله الاستثنائية وإشعاره بأنّه هو الأحرى بالتوجه إليه بالخطاب والتعويل عليه في العملية الانتخابية باعتبار أنّه يمثّل قوّة سياسية. وإذا كان المتخيل الإسلامي يقوم على فكرة الاصطفاء 'خير أمة اخرجت للناس' فإنّ السياسي يجعل "شعب النهضة" هو المصطفى من دون سائر التونسيين. وهكذا تكون العبارة أداة تشجّع وتدفع وتحفز المخاطب حتى يناصر المرزوقي في حملته.

***

          واللافت للانتباه أنّ عبارة "شعب النهضة' صارت عبارة متداولة بكثرة في خطاب قيادات حزب النهضة وأتباعها وكذلك في تعاليق النهضاويين على صفحات التواصل الاجتماعي وكأنّ هؤلاء وجدوا مبرّرا لاستعمالها فإذا كان المرزوقي نفسه يعترف بأنّ النهضاويين يمثلون 'شعبا' فما المانع من ترسيخ هذه العبارة في الخطاب السياسي أو في فضاءات التواصل، خاصة وأنّها تحقّق الإشباع النفسي وتساهم في استعلاء من كانوا في سدّة الحكم.

          والمطلع على منابر الحوار على مواقع الأنترنت وصفحات الفايسبوك يدرك مدى انتشاء عدد من أتباع حزب النهضة ومناصريه باستعمال هذه العبارة التي وجدت هوى في نفوسهم لاسيما وأنها تشعرهم بتميزهم عن الآخرين. كما أنّ إصرار البعض على ترسيخ هذه العبارة يثبت طريقة تمثيل الذات من جهة، وتمثيل الآخر من جهة أخرى. فحزب النهضة تنسب له صفات تميزه عن غيره وتتعارض مع الآخر. وليست الغاية من وراء هذا الفرز إلا اجراء مقارنة، وتجذير الاختلاف بين "شعب النهضة' وبقية التونسيين.

***

          إنّ تعمّد السياسي، وهو الذات المتحكمة في اللغة السياسية والخطاب، إخراج طرف حزبي، وهو النهضة من مجموع الناخبين بمنحه قيمة إيجابية يساهم في بناء علاقات قائمة على استبعاد الآخر ونفيه وإقصائه باعتبار أنّه ليس جديرا بالتفاعل معه ولا يملك الأهلية اللازمة ولا الفضائل التي تجعل التواصل معه مفيدا. وبناء على ذلك ترسم خارطة جديدة للناخبين : "شعب النهضة' الذي يمثّل المركز أمّا البقية فإنّها تزجّ في دائرة الهامش.

       وإذا كانت اللغة تؤثر في سلوك الناس وطرائق تفكيرهم وتحدّد أنماط التفاعل بينهم وتقوم بتشكيل رؤية الإنسان للكون، والعالم الذي يعيش فيه فإنّ تسلل مثل هذه العبارات إلى الخطاب السياسي في سياق تقسّم فيه البلاد إلى شمال /جنوب، كفار/مؤمنين، سلفية جهادية/علمانيين... يثبت مدى مسؤولية السياسي في تفكيك الوحدة الوطنية. كما أنّ هذا الفرز قد تكون له انعكاسات خطيرة على مستوى ترسيخ قيم المواطنة فعزوف عدد من أنصار النهضة عن المشاركة في انتخابات لا يملكون فيها مرشحا يفسر في ضوء أن 'مواطنية' شعب النهضة لا تمارس إلاّ متى كانوا في مواقع السلطة أما إذا كانوا بلا مرشح في عملية انتخابية فإنّهم غير معنيين ومحايدين وخارج اللعبة، وإن كان الواقع يثبت العكس.