هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
الدكتور القس متري الراهب إنجيلي فلسطيني مناضل رفض الهجرة وبدأ مقاومة سلمية ضد الاحتلال الإسرائيلي من خلال مجموعة ديار (جمع دار)، وقد عرفته لك – عزيزي القارئ – فى 22 مارس 2012 وذلك عندما حصل على جائزة الإعلام الألمانية "دويتشة ميدين برايز" في مدينة آخن والتي تمنح عادة لصانعي السلام فقد أعطيت لكوفي عنان (2003) والملكة رانيا (2002) وبيل كلينتون (1999) ونيلسون مانديلا (1998) وكان سبب من أسباب تقديم الجائزة له "عمله الدؤوب والصامت تحت الاحتلال الإسرائيلي في بناء مساحات للأمل عبر إنشاء وإدارة مؤسسية مجتمعية رائدة... من أجل ثقافة الحياة والحوار ". ومنذ سبع سنوات بدأت مجموعة ديار سلسلة مؤتمرات حول موضوع واحد "الدين والدولة" قدمت فيها عدة أبحاث بهذا الشأن، وفى ختام هذا المشروع كلفت مجموعة ديار عددا من الأكاديميين والشباب المسيحيين الجامعيين من مصر وسوريا، ولبنان والأردن وفلسطين للتفكير في الهم الواحد والمصير المشترك والأهم من ذلك وضع رؤيا موحدة تساعد على الصمود في الوطن والانخراط في المجتمع والعمل على نهضة الشعوب العربية لتحقيق حياة أفضل.
وجاءت الوثيقة بعنوان "نداء العقيدة والمواطنة" واختصارها (نعم) وقالوا في مقدمتهم "لقد وضعنا هذه الوثيقة كي تعبر عن رؤيتنا للواقع الأليم الذى يعيشه شرقنا العربي، وعن المستقبل المنشود الذى نحلم به ونسعى لتحقيقه، لذلك لم نكتف أن تكون هذه الوثيقة تعريفية فحسب بل أردناها أن تؤسس لمنبر أكاديمي شرق أوسطي ومسيحي للتفكير والتحاور معاً والأهم هو العمل معا، لذلك أرفقنا بهذه الوثيقة خطتنا للعامين القادمين والتي ستشكل الخطوات الأولى لما نأمل أن يكون حركة فكرية مسيحية شرق أوسطية تجمع ولا تفرق وتتشابك مع كل أطياف المنطقة وأديانها، ونقدم نموذجاً للإيمان الواعي والفاعل.
بعد هذه المقدمة قدمت الوثيقة عشر قضايا تمثل عشرة تحديات جسيمة تفرض التصدي لها وكانت القضية الأولى هي "الدين والدولة"، وتؤكد الوثيقة أنه لا يوجد نظام واحد وحيد يعتبر الأفضل لكن هناك أنماط واجتهادات وأن العلاقة بين الدين والدولة ديناميكية وليست إستاتيكية وأنه على المستوى العالمي تحتل منطقتنا الموقع الأخير في فصل الدين عن الدولة، وهذا يؤثر في جودة الحياة ويؤخر الرقى المجتمعي، والقضية الثانية كانت "الدساتير وحكم القانون" وقد أقرت الوثيقة أن دولة القانون غائبة عن أكثر دول الشرق الأوسط، وهناك خلط بين الشرائع البشرية من جهة والشرع الديني من جهة أخرى، وأن الدساتير العربية مازالت تعانى من تناقضات في التفسير والتنفيذ لم يرتق بعد إلى العدالة الدستورية المنشودة أما القضية الثالثة فهي "أمن النظام وأمن المواطن" لقد شغفت بلادنا في العقود الماضية بأمن الدولة وهو أمن الحاكم والنظام، لقد كشف "الربيع العربي" عوار هذه الأنظمة المترهلة، لذلك لابد من تغيير الأولويات الأمنية في الشرق الأوسط.
وكانت القضية الرابعة هي " إدارة و تنمية الموارد البشرية والطبيعية "إن ما ينقص منطقتنا ليس الموارد ولكن مهارات إدارة هذه الموارد الطبيعية والبشرية. وفي القضية الخامسة "المرأة" هناك تمييز واضح ضد المرأة الشرق أوسطية، بسبب التقاليد الذكورية وتطالب الوثيقة بفرص المشاركة الفعلية للمرأة في صنع القرارات والقيادة والمساهمة في حركة التطور. وكان "الشباب" هم القضية السادسة وجاء السؤال : هل تستطيع مجتمعاتنا أن تؤهل شبابها علمياً لينخرط في بناء الوطن خاصة والشباب يعيش في عالمين مختلفين عالم الواقع الشرق أوسطى الذى يقيده و يحد من طموحه وعالمه الافتراضي الذى يهجر فيه إلى شطآن بعيدة غريبة، مع معاناته مع الهوية الدينية، والقضية السابعة "كرامة الإنسان و وجوده" إن كرامة الإنسان متأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية مهما كان أصله أو دينه أو جنسه أو لونه أو عمره أو مذهبه أو مكانته الاجتماعية، والقضية الثامنة "الروحانية الثقافية الإنسانية" وتضع الوثيقة فارقاً بين التدين المنتشر والمتزايد في الشرق الأوسط وبين الروحانية الحقيقية، التي تقدس الحياة و ليس الموت وتحيا على احترام الله وليس الرعب منه وتكرم بنى آدم وتقبل الآخر المختلف.
وكانت القضية التاسعة التفكير في زمن التكفير هاجمت الوثيقة الغيبيات التي توضع محل العقل والإرادة والعمل وأخيرا كانت قضية الحاجة إلى رؤيا موحدة وافتقاد الرؤيا يصيب الكثيرين باليأس والإحباط فيقود إلى الهجرة الخارجية أو التقوقع الأصولي الديني أو الانغماس في ثقافة الاستهلاك.
بعد إثارة هذه القضايا تحدثت الوثيقة عن "دورنا المسيحي والإنساني والوطني" دور المسيحيين العرب تاريخياً في بناء الحضارة الإسلامية ثم أقرت أن القيم الإنسانية هي الأساس في بناء الحضارات وهي مستمدة من القيم الدينية بشكل عام، وأن الله يدعونا إلى تجديد الفكر وعدم إلقاء اللوم على الغير ليكون لنا دوراً إيجابياً هاماً حيث لنا دعوة من الله لخدمة الوطن.
أما أهم التعليقات على الوثيقة فكانت ثلاثة تمثلت بالآتي:
الأول: أنه يجب تغيير كلمة "عقيدة" إلى "إيمان" فيكون العنوان "نداء الإيمان والمواطنة" لكي تكون أكثر اتساعا وشمولا.
الثاني: حذف التعبير من "النيل إلى الفرات" لأنه شعار ديني سياسي لإسرائيل.
الثالث: أن نتمسك بتاريخ المسيحيين العرب على أساس أننا امتداد له، وليس تاريخ الكنيسة العام.
ووفقا للخطة الاستراتيجية القادمة لتحقيق ما جاء بالوثيقة، فقد علمت أن هناك تفكيراً لتوعية الشباب المسيحي بمفاهيم المواطنة ودورهم في بلادهم من خلال مناهج تعليمية وعملية تقدم على شكل "كورس"، للعديد من الشباب في الوطن العربي، بشكل مكثف وفاعل لخلق حركة توعية بأهمية الوجود المسيحي وتفاعله في المجتمع ليكون إضافة وليس خصماً أو محايداً.