إن الآراء الواردة في هذا المقال تعكس وجهة نظر كاتبها، شحاتة غريب، فقط ولا تعطس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN.
أخذت العلاقات بين القاهرة وأنقرة منعطفا خطيرا بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيو 2013 في مصر، والإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وجماعة الإخوان المسلمين من المشهد السياسي المصري، حيث قد وصفت الإدارة التركية أن ما حدث في مصر قد كان انقلابا، وضربت بعرض الحائط ملايين المصريين الذين خرجوا إلى الشوارع والميادين للتنديد بحكم الإخوان، وتفشي ظاهرة الاستبداد الديني، وإقصاء كل مَن لا ينتمي إلى حركة الإخوان من المشهد السياسي!
وقد استغرب المصريون من الموقف التركي، ولماذا يُصر رئيس وزراء تركيا حينذاك أردوغان على التدخل في الشأن المصري؟! ولماذا كل هذه الحمية؟! وهل هي بالفعل من أجل ترسيخ القيم الديمقراطية الحقة، أم كانت من أجل الدفاع عن حركة معينة يدين لها بالسمع والطاعة؟!
وقد تفهم المصريون مقاصد أردوغان، وأن الهدف يبعد كل البعد عن أفكار الديمقراطية ومبادئها، وأن القصد يكمن في الدفاع عن الحركة التي يرى فيها الجسر الذي يصل به إلى تحقيق حلم إمبراطوريته العثمانية الجديدة!
وقد استمرت الإدارة التركية في شن الهجمات الكلامية ضد مصر في كل محفل دولي، وقد أدرك الجميع أن المسألة تخرج عن إطار العلاقات بين دولة وأخرى، لا سيما وأن الدولة المصرية لم تخطئ في حق الدولة التركية، وأنها تدخل في إطار الدفاع عن حركة بعينها يعتنق أردوغان مبادئها، ويعلو بها على حساب العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة أخرى!
وقد تصور البعض أن التقارب القطري المصري قد يؤثر بدوره على مستقبل العلاقات المصرية التركية، وخاصة في ظل وحدة الفكر بين الدوحة وأنقرة في مساندة حركة الإخوان المسلمين بعد قيام ثورة الثلاثين من يونيو، ولكنني أعتقد أن التقارب بين القاهرة وأنقرة لن يتم بسهولة في ظل إدارة أردوغان، وفي ظل إيواء أنقرة لعناصر الإخوان والجماعات الإسلامية المطلوبين قضائيا في مصر، وفي ظل قيام تركيا بالسماح ببث بعض القنوات من أراضيها لتعمل على نشر الفوضى وعدم الاستقرار داخل مصر.
ولا يفوتني الإشارة إلى اختلاف الوضع بين الدوحة وأنقره، فإذا كانت أنقرة عاصمة إسلامية، إلا أن الدوحة عاصمة إسلامية وعربية في ذات الوقت، وأن معظم دول الخليج العربية تساند مصر، ولم تتردد هذه الدول بقيادة السعودية في اتخاذ كل المواقف التي تكون لصالح مصر ومستقبلها، ومن ثم تعرضت الدوحة لضغوط غير طبيعية من الرياض، وأبوظبي، والمنامة، لتكف عن معاداتها لمصر، وقد استجابت بالفعل الدوحة لكل النداءات الخليجية، وأخذت بعض الخطوات الإيجابية التي قد تؤدي إلى تحسين الأجواء بينها وبين القاهرة، ولعل إغلاق قناة الجزيرة مباشر مصر تعد خطوة جوهرية لتحقيق التقارب بين مصر وقطر.
فمما لا شك فيه أن وحدة الأصل العربي، وقيم العروبة، والحفاظ على لم الشمل العربي، كان لهم بالغ الأثر في نجاح عمليات تقليل فجوة الخلاف بين الدوحة والقاهرة، وهو ما لا ينطبق بالضرورة على العلاقات المصرية التركية، في ظل الإدارة الحالية بزعامة أردوغان، لأنه لا ينظر إلى العلاقات مع مصر على أساس دولي، ولكنه ينظر إليها من منظور أيديولوجي، يتعلق بحركة معينة يدين بها، من دون بقية الحركات والتكتلات الأخرى الموجودة على الساحة المصرية، فهو لا يهمه الدولة، ولكن يهمه الحركة!
كما أن اتساع فجوة الخلاف بين أنقرة والقاهرة، وإن كنا لا نرغب في استمراره، إلا أنه لا يؤثر على الوحدة العربية، فالمسألة هنا تكون مختلفة، فهناك فارق بين السعي لتحسين العلاقات من أجل لم الشمل العربي ووحدته، وبين السعي لتحسين العلاقات بين دولة ودولة أخرى لا تؤثر على الوحدة العربية.
وما يبرهن على صعوبة التقارب المصري التركي في هذه المرحلة، التصريحات الأخيرة التي أدلى بها رئيس الوزراء التركي الحالي أوغلو، والتي تداولتها بعض وسائل الاعلام، حيث قوله بأن بلاده تتمنى تفعيل القواعد الواجب توفرها في دولة القانون بمصر، وان الحكومة التركية تدافع دائما عن الديمقراطية، وأنها ترفض الانقلابات، وغيرها من الشعارات التي لا تحترمها تركيا نفسها، ولا أدل على ذلك من اعتقال العديد من الصحفيين وانتهاك حريات الرأي والتعبير والصحافة!
فهذه التصريحات الأخيرة من أوغلو، تخف في باطنها الكثير من الحقائق التي تدل على أن الأمر لا يتعلق بالعلاقة بين دولة ودولة، ولكنه يتعلق بمصير حركة معينة داخل مصر، فإذا عادت هذه الحركة إلى ممارسة نشاطها السياسي داخل مصر، عادت العلاقات بين أنقرة والقاهرة، وإذا لم تعود هذه الحركة إلى المشهد السياسي، لن تعود العلاقات بين القاهرة وأنقرة إلى مسارها الطبيعي، فمستقبل العلاقات المصرية التركية يكون مرهوناً بمصير ومستقبل حركة الإخوان في مصر، وإذا كان البعض يؤكد أن عالم السياسة ليس فيه ما هو ثابت، إلا أن عالم الأيديولوجية الواحدة يسمو ويعلو على عالم السياسة!