(كاتب المقال هو المدون التونسي هيثم عبد المولى وما يرد فيه يعبّر حصرا عن وجهة نظره ولا يعكس آراء CNN)
أسدل الستار عن المسار الانتقالي التونسي نحو جمهورية ثانية بدستور جديد و برلمان منتخب و رئاسة جمهورية جديدة بعد ان نجح الباجي قائد السبسي في الوصول الى قرطاج بعد معركة حامية الوطيس مع الرئيس المتخلي منصف المرزوقي. ويؤدي قائد السبسي اليوم الأربعاء اليمين الدستورية خلال جلسة عامة يعقدها البرلمان. وتقع على عاتق الباجي و حزبه نداء تونس مسؤوليات كبيرة جدا وجب عليهم التعامل معها بحذاقة و بالكثير من الدبلوماسية و الكياسة.
تشكيل الحكومة
لم يحصل نداء تونس على خمسين بالمائة من مقاعد البرلمان و بالتالي هو في حاجة الى حلفاء للحصول على الأغلبية النيابية . يستطيع النداء تشكيل تحالف حكومي مع حزب الاتحاد الوطني الحر و المبادرة و آفاق تونس. و لكن يدرك النداء جيدا أن حلفاءه سيغالون في طلباتهم لا حصول على الحقائب فهم يعلمون جيدا أن النداء لا يستطيع حاليا أن يتحالف مع الاخوان. الشيء الذي قد يقسم ظهر الحزب الجديد الذي شكل نفسه حول معاداة المشروع الإخواني. فعلى نداء تونس بالإضافة الى التحكم في الطموحات الشخصية الجارفة داخل الحزب، التحكم في الطموحات القوية للحلفاء الذين يشعرون بثقلهم و قوتهم حتى لو لم يحصلوا سوى على كثير من المقاعد--هيثم عبد المولى-مدون تونسي .
مؤتمر نداء تونس
لم يعقد نداء تونس مؤتمره الحزبي حتى اليوم. فهو حزب حديث العهد تشكل في غضون سنتين اثر الالتفاف الذي حصل حول شخص الباجي قائد السبسي. و ككل عملية سريعة فمن الطبيعي ان يكون هنالك خلافات بين المؤسسين اجلها مشروع الوصول للحكم و تخليص البلاد من حكم الاخوان. يعقد الحزب مؤتمره في الشهر الثاني من العام القادم و تقع على عاتق هذا المؤتمر مسؤولية تكريس الديمقراطية الحزبية و ضمان تعدد روافد الحزب : الدستورية و النقابية و اليسارية و الوسطية للحفاظ على ديناميكيته و روح الحوار داخله. و بالتالي وجب على المؤتمر تصريف اشكال التوتر الحاصل و القدرة على التجميع و التوحيد. بصفة عامة السلطة تجمع و لا تفرق و لكن قد لا يخلو الأمر من مفاجآت و انسحابات.
الانتخابات البلدية
الانتخابات البلدية ذات أهمية بالغة في تونس خصوصا مع الاستقطاب الحاد الذي شهدته البلاد عبر ثنائية شمال جنوب. وتكمن أهمية هذه الانتخابات في مدى قربها من المواطن و قدرتها على تلبية احتياجاته الأولى من الدولة. للمسألة بعد سياسي بالنسبة لنداء تونس فسيطرة الإخوان على بلديات كبرى في الجنوب قد يحدث تعارضا مع السلطة التنفيذية ممثلة في الوالي المعين من قبل الحكومة. مسألة تحتاج الى الكثير من الحذر و الحنكة و ضبط النفس كي لا تحصل هنالك امكانيات لتعارض أجهزة الدولة فيما بينها.
الملف الأمني و الاغتيالات
سيكون على نداء تونس فتح ملف الأمن و تطبيق قانون مكافحة الارهاب الذي يعطي السلطة التنفيذية صلاحيات كبيرة في هذا المجال. ملف شائك خصوصا لو كانت قيادات اخوانية متورطة بقوة فيه مما قد يشعل أجزاء من البلاد. كما ان ظاهرة الارهاب مرتبطة بظاهرة التهريب المتواجد في المناطق الحدودية الجزائرية و الليبية. و ليس عجبا أن يكون الإرهابيون و المهربون في تحالف موضعي في بعض المناطق كون عدوهم واحدا الا وهو السلطة. يمثل التهريب مورد رزق لآلاف العائلات و قد تحول بعض السكان الى اثرياء فاحشي الغنى نتيجة التجارة الموازية. قد تكون المناطق الحرة حلولا جيدة للظاهرة و اكنها حلول تصطدم بالواقع الاقتصادي الصعب و الانخفاض الذي سيطر على موارد الدولة الجمركية.
الارهاب و التهريب و الاغتيالات السياسية التي طالت كلا من شكري بلعيد و محمد البراهمي و لطفي نڤض ملفات متشابكة ومعقدة خصوصا أنّ التساهل الإخواني فيها واضح و جلي المعالم أي أن عملية المحاسبة ستكون عملية سياسية أكثر منها جنائية مما يدخل الأمر في معركة كسر عظم و حسابات سياسية تضع استقرار البلاد و سلمها الأهلي على المحك. وما الاحتجاجات الأخيرة في بعض المناطق الجنوبية على هزيمة المرزوقي سوى تباشير حول صعوبة التعامل القادم مع الكثير من الملفات.
وباختصار يمسك نداء تونس الحكم بالكثير من شعرات معاوية و يدرك ان انقطاع اي شعرة منها تعني انقطاع البقية و لذلك قال الباجي في حديث مع الصحفي عبد العزيز المزوغي : السياسة المستقبلية تحتاج الى "صويبعات" (تصغير لعبارة أصابع في إشارة إلى الحرفة والخبرة) نجح نداء تونس لأنه استند الى تاريخ البورڤيبية و استقرارها و انسجامها المجتمعي و تجذرها في نفوس التونسيين و نهوضها بحال بلادهم و لكن افضل التاريخ ما كان غدا--هيثم عبد المولى-مدون تونسي .