إكرام لمعي يكتب.. "نحو لاهوت مسيحي وفقه إسلامي للشأن العام"

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
إكرام لمعي يكتب.. "نحو لاهوت مسيحي وفقه إسلامي للشأن العام"
Credit: JOSEPH EID/AFP/Getty Images

هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .

يتحدث كثيرون من المصريين والعرب بل ومن العالم هذه الأيام عن أهمية التواجد المسيحي الفعال في الشرق الأوسط وذلك بسبب ما قام به تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) في مناطق نفوذهم من تهجير للأقليات المسيحية وتواكب مع ذلك مذابح اليزيديين واستعبادهم وبيعهم في سوق النخاسة مما أدى إلى تشويه الإسلام، حيث انهم يصرون وبتحدي أن هذا هو الإسلام الصحيح مستخدمين آيات من القرآن وأحاديث. في الوقت ذاته حمل كثيرون من العلماء والمحللين بعض المسؤولية على المسيحيين، من هنا جاءت الدعوة المزدوجة لمراجعة اللاهوت المسيحي والفقه الإسلامي من نحو الشأن العام. وتحت ندوة بعنوان "نحو لاهوت مسيحي للشأن العام" شاركت فيها ألخص ما جاء بها على النحو التالي:

هناك ثلاث مشاكل على علماء اللاهوت المسيحي أن يقدموا حلاً لها حتى يكون تواجدهم طبيعياً وفعالا في الشأن العام.

المشكلة الأولى: الفصل بين ما هو مسيحي وما هو غير مسيحي

الذي يقرأ كتابات الآباء خلال الفترة السابقة لمجمع نيقية القرن الثالث الميلادي يكتشف أن هناك خطاً لاهوتياً وعقائدياً رئيسياً كان عندهم يتمركز حول الفكرة القائلة بأن الإنسان ينتمي إلى الإنسانية الساقطة في آدم الأول وإلى الإنسانية الجديدة في (آدم الأخير) يسوع المسيح. من هنا لم يميز الآباء بين الأدب المسيحي وغير المسيحي لقد كتب باسيليوس الكبير مقالة عن فوائد الأدب الوثني واعتبر أن إنجازات العقل الإنساني قبل المسيح قابلة للاستخدام بشكل جيد في حياة الكنيسة. لقد تعمق اللاهوتيون القدماء في دراسة الفلسفة اليونانية والعلوم والفنون التي أنتجتها الحضارات السابقة، لقد كان الزواج المختلط (مع الوثنيين واليهود) مباحاً من القرن الأول حتى الرابع بناءً على كلمات الرسولين بطرس وبولس في هذا الشأن عن القدوة للأخر المختلف ورسالة المسيح المقروءة من خلال سلوك المؤمنين داخل أسرهم. لكن عندما اعتنق  الإمبراطور قسطنطين  المسيحية وأعلنها ديناً للإمبراطورية التي تحكم العالم، دخل في المسيحية من لا يعلمون شيئاً عنها، والنتيجة  سيطرت المؤسسة الدينية على الشعب المسيحي وسيطر الإمبراطور على المؤسسة الدينية وهكذا صدرت حوالى عام 400 م تعليمات الإمبراطور بمنع الزواج من الهراطقة، وفيما بعد صدر أيام ثيئودوسيوس قراراً بإزالة المعابد غير المسيحية (الوثنية ـ اليهودية) وتم تهجير جميع اليهود من الإسكندرية، وهكذا بدأ الفصل بين ما هو مسيحي وغير مسيحي، وبدأ الاغتراب في المكان على الرغم من أن يوحنا كاتب الإنجيل استخدم من الفلسفة اليونانية مصطلح (الكلمة) في الحديث عن المسيح، واستخدم بولس الرسول في رسائله الشعر الوثني للحديث عن الله الخالق باقتباسه "الذي به نحيا ونتحرك ونوجد"، كما قال أحد شعرائكم، وقد امتد هذا الاغتراب حتى يومنا هذا في علاقة المسيحيين بالحضارة التي يعيشونها وفى علاقاتهم وتفاعلهم مع الكيانات الأخرى في نفس الحضارة، ونحن نرى أن التحدي الكبير الذى يواجه المسيحية اليوم إنما هو قراءة التراث الإسلامي واستيعابه استيعاباً تاماً كما فعل آباء الكنيسة الشرقية مع التراث اليوناني الروماني واليهودي والتفاعل معهم في كتاباتهم اللاهوتية ونظرياتهم.

المشكلة الثانية: الهوية والحضور

 إن الهوية المسيحية تتأكد من خلال الحضور الإلهي في طبيعة الإنسان، وهذا لا يتحدد في إطار منظومة سوسيولوجية (اجتماعية) لاهوتية بقدر ما هي "عيش" لهذا الحضور هذا العيش هو في الأساس تحول في الكيان الداخلي للإنسان  على الصورة التي يريدها له الله (وهى صورة الإنسان يسوع المسيح) الذى كان يتحرك بدافع الحب والرحمة لجميع البشر دون تمييز لعرق أو دين أو جنس، والذى نقل فكر البشر من كون أن هناك  "شعب الله المختار" إلى أن جميع البشر هم شعبه، حتى الملحد منهم وغير المؤمن به، فهؤلاء هم أولاد الله أو (عيال الله) يحبهم كأب ينتظر توبة ابنه وعودته، لكن من المستحيل أن يتبرأ منه مهما كانت درجة عصيانه  بإنكار أبوته.

وانتماء الإنسان إلى الله لا يتحقق إلا بالانتماء إلى الإنسانية ككل والانتماء إلى الإنسانية تأتي من خلال الانتماء إلى حضارة ومكان محددين دون اغتراب، ونفس الأمر ينطبق على المسلم الذي ينتمي إلى الله والإنسانية ككل. هنا يحدث الذوبان كمسيحيين ومسلمين معاً في حضارة واحدة وهوية واحدة.

المشكلة الثالثة: تجدد الفكر الديني المستمر دون تجمد عند نقطة تاريخية معينة

وهذا لا يحدث إلا بأن نفلسف التوتر الخلاق بين المجتمع والمؤسسة الدينية، بين العلماني ورجل الدين بين الفكر والعمل، نحتاج إلى ترجمة اللاهوت والفقه إلى حياة يومية.

إن داعش والفكر المتطرف لا يهدد المسيحية فقط بل الإسلام أيضاً، فعندما يتحول الثبات في الفكر الديني إلى جمود مع تغيرات العصر هنا خيانة للذات والتاريخ، إن كان مسيحيو ومسلمو مصر يريدون أن لا يسقطوا من التاريخ فعليهم أن يلتزموا به ويتجاوزوه، فليس عليهم أن يغرقوا فى التاريخ (السلفية الدينية) ولا أن يترفعوا عليه (الروحانية الشكلية المزيفة خلال طقوس وفرائض بلا معنى أو روح) والاثنان ليسا من مقاصد الأديان في جوهرها.

هناك ثلاث طرق أمامنا كمسيحيين ومسلمين مصريين:

1 – الاستمرار في التجمد ورفض إصلاح الفكر الديني الذي أنقذ المسيحية الغربية من تجمد وانحراف لألف عام تم فيها القيام بالحروب الصليبية وبيع صكوك الغفران (بيع الجنة) والفساد الديني. ولا شك أن شرقنا الأوسط يعيش قرونه الوسطى بامتياز هذه الأيام، والاستمرار هكذا سوف يصل بنا إلى التجمد فتموت الأطراف وينتهي الأمر بتوقف القلب.

2 – الاستمرار في الاغتراب فنعيش جميعاً في عالم وهمى من صنعنا، فليس فى الإمكان أبدع مما كان، ولا نتفاعل مع مقومات العصر، فنبدأ في الاندثار وكم من حضارات اندثرت.

3 – قبول تحدى المراجعة والرؤى المستقبلية.

نحتاج إلى وقفة فعلية مع الذات والآخر على أرض الوطن، نستعيد أعمال علمائنا المصلحين، ولا أنسى جلسة مع سيناتور أمريكي محافظ منذ ستة أشهر تقريباً بعد حديث عن الحالة الراهنة قلت -أريد طمأنته- لقد بدأ الحديث في كواليس المؤسسات الدينية عن أهمية إصلاح الفكر الديني ويتحدث كثيرون في الإعلام عن الشيخ محمد عبده ومصطفى عبد الرازق وطه حسين وحامد أبو زيد وضرورة مراجعة التراث  والمناهج الدينية، نظر الي متأملاً وابتسم ابتسامة صفراء قائلاً من قال لك أننا نريد ذلك.