هذا المقال بقلم أحمد عبد ربه، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
لا تعترف السياسة سوى بالفاعلين السياسيين القادرين على التأثير على الفعل السياسي سواء عبر تشكيل وعي الجماهير وحشدهم لصالح أجندة سياسية أو اقتصادية معدة سلفا لتخدم المصالح الأيدولوجية والمادية لهؤلاء الفاعلين، أو من خلال التأثير على عملية صنع القرار داخل أروقة السلطة إما عبر التحالف معها أو الضغط عليها من خلال أطر مؤسسية وقانونية أو من خلال معارضتها واستخدام أساليب دستورية أو غير دستورية لتعطيل الفعل السياسي للسلطة.
بهذا المعنى السابق فإن تحديد مصير مصر السياسي فى ٢٠١٥ لن يكون بالضرورة عبر الفاعل الأكثر نقاء أو الأجدر على طرح المظلوميات والترويج لها ولكنه سيكون الأكثر تنظيما ومرونة والأجدر على قراءة الواقع وامتلاك أدوات التأثير على الفعل السياسي بالمعنيين الإيجابي والسلبي على النحو المشروح أعلاه. ووفقا لذلك فإن الفاعلين المؤهلين حتى اللحظة للتأثير على مصير مصر السياسي خلال العام الجديد هم (بحسب ترتيب درجة التأثير وفقا لوجهة نظر الكاتب):
أولا المؤسسة العسكرية: وهي أهم المؤسسات القادرة على التأثير على المصير السياسي لمصر خلال العام الجديد، صحيح أنها رسميا غير منخرطة فى الشأن السياسي، ولكنها فعليا تملك (كما امتلكت في كل اللحظات المحورية من تاريخ الجمهورية) التأثير على مصير الفاعلين السياسين إذا ما قررت فى أي لحظة أن وحدة البلاد تتعرض لخطر، لما تمتلكه من مصالح مجتمعية وإقتصادية ولما اكتسبته من شرعية شعبية منذ ٢٠١١ جعلتها تملك في النهاية اليد الطولى لتحديد متى وكيف تتدخل لتغير هيكل السلطة وترتيباتها، وماتمتلكه أيضا من مكتسبات دستورية تأسست في دستور ٢٠١٢ ثم بشكل أكبر فى ٢٠١٤، جعلتها تتمتع باستقلال عضوي عن مؤسسة الرئاسة والقضاء والبرلمان، أي إنها وبشكل عملي أصبحت سلطة رابعة في مصر تضاف إلى السلطات الثلاث التقليدية وفقا للترتيبات الدستورية الأخيرة. وإذا ما أضفنا في النهاية أن الفاعلين المدنيين على اختلاف انتمائتهم مازالوا بعيدين عن إحداث تغيير حقيقى في معادلة السلطة، نستطيع أن نفهم لماذا ستتمتع المؤسسة العسكرية بالتأثير الأهم في تحديد مصير مصر في عام ٢٠١٥.
ثانيا الأجهزة الأمنية والسيادية: والمقصود تحديدا أجهزة المخابرات الحربية والعامة والأمن الوطني، وبغض النظر أن المتاح من معلومات حول طبيعة العلاقة بين هذه الأجهزة وما إذا كانت تتصرف بشكل يعكس تحالفا أو صراعا بينها يظل قليل، إلا أنها تظل الأجدر والأكثر قدرة على تحديد المصير السياسي لمصر سواء بالسلب أو الإيجاب لما تمتلكه من موقع محوري فى عملية صنع السياسة واختيار النخبة المقربة من السلطة، وبما تمتلكه من معلومات وأدوات مباشرة وغير مباشرة للتهديد أو المكافأة، فضلا عن إنها الأجهزة الأبعد عن الرقابة المؤسسية أو الدستورية لأسباب محورية ومعقدة.
ثالثا مؤسسة القضاء: وهي ثالث أهم مؤسسة أتوقع أن تؤثر على المصير السياسي لمصر خلال عام ٢٠١٥ فالقضاء المصري تمكن هو الآخر بجانب المؤسسة العسكرية من تحقيق استقلال كبير عن أي نوع من الرقابة أو التوازن مع المؤسسات التنفيذية والتشريعية ، وقد أثبتت الأحداث السابقة واللاحقة على ثورة يناير أن القضاء يستطيع أن يلعب دورا كبيرا فى تحديد مصير السياسة بالشقين الإجابى والسلبى لهذا المصير. ولأن القضاء يملك أيضا المحكمة الدستورية العليا، تلك المؤسسة التي أثبتت الأحداث السياسية إنها تستطيع قلب المعادلات فى أية لحظة ولأن أحد رجال هذه المؤسسة قد شغل منصب الرئيس المؤقت في فترة دقيقة حتى وإن بدى أن منصبه رمزيا، لكن بكل تأكيد أصبح القضاء بمؤسساته ولاعبيه منخرط بقوة في تحديد الخريطة السياسية لمصر وسيستمر فى لعب هذا الدور خلال عام ٢٠١٥ أيضا.
رابعا مؤسسة الرئاسة: وقد يتعجب البعض من وضع تلك المؤسسة الهامة في المرتبة الرابعة للتأثير، وفى تقديري أن المؤسسة وعلى رأسها رئيس الجمهورية والدائرة الضيقة للغاية من مساعدية العسكريين أثبتوا فى ٢٠١٤ أنهم فاعل هام في التأثير لكنهم ليسوا الأهم لكونهم في النهاية حاصل تسوية التفاعل بين معادلات القوى والتوازنات والصراعات بين أجهزة الدولة السياسية ومؤسساتها القوية. فمعظم التشريعات والقرارت التي خرجت عن رئاسة الجمهورية منذ المستشار عدلي منصور وحتى اللحظة أثبتت أنها تعبر عن توازنات ومصالح الأجهزة الأمنية والمؤسسة العسكرية ومؤسسة القضاء، وأن قلة فقط من تلك القرارات والتشريعات يمكن أن تعبر عن المؤسسة فى حد ذاتها أو عن رؤية قائدها، ولأن قائد المؤسسة مصمم على الاكتفاء بدائرة مستشارين من خلفيات عسكرية وأمنية دون عقل سياسي واحد، ولأنه بلاظهير سياسي واضح، ولأنه بلا برنامج محدد الملامح والخطوات، فستظل المؤسسة وقائدها في ٢٠١٥ معبرة عن تلك التوازنات الدقيقة بين اللاعبين الأخرين ومن غير المتوقع أن تلعب مساحة أكبر من ذلك ما لم يحدث تغير جذري في طريقة قيادتها.
خامسا البرلمان: فرغم أن مصير هذا البرلمان مازال غامضا، إلا أن البرلمان بكل سيناريوهاته المتوقعة بدء من غيابه أو تغيبه لمصالح ضيقة أو انتخابه وتفتته وإعاقته، بسبب هذا التشرذم، لعمل مؤسسة الرئاسة وغيرها من مؤسسات الدولة انتهاء بحله بقرار رئاسي أو قضائي، أو حتى تحوله إلى مجرد أداة في يد الرئيس أو غيره من المؤسسات القوية الأخرى، وصولا إلى السيناريو الأكثر تفائلا والقائل بتحوله إلى ساحة حقيقية للتشريع عبر توازنات بين قوي سياسية وحزبية جديدة يتم خلقها بداخله، يظل اللاعب الخامس الأبرز فى ٢٠١٥ وقد يحدد مصير كل اللاعبين الأخرين.
سادسا الإعلام: يلعب الإعلام أخيرا دورا هاما في ٢٠١٥ في تحديد مصير الوطن، ولكن سيظل هذا الدور (في مجمله) مجرد تعبير عن مصالح ورؤى الأجهزة المختلفة وإن كانت مجموعة الإعلاميين الشباب الذين أثبتوا فى ٢٠١٤ قدرا معتبرا من المهنية قادرين على صنع اتجاه جديد من الإعلام أعتقد أنه سيمكنهم بقدر ما من التأثير على مجريات الأمور خلال العام الجديد.
بالإضافة إلى الفاعلين السابقين يوجد عددا آخر من الفاعلين من المتوقع أن يكون لهم دورا فى تحديد سير الأمور خلال العام الحالي، منهم الجهاز البيروقراطي للدولة بشقيه (الإدارة العليا الممثلة في وكلاء الوزراء ورؤساء القطاعات على مستوى الدواووين المركزية ومديريات المحافظات، والأجهزة التنفيذية على مستوى المحافظات والمدن والقرى والأحياء)، هذا طبعا فضلا عن أن الفاعلين الإقليميين وخاصة في دول الخليج سيظل لهم دورا كبيرا فى تحديد مصير التفاعلات الداخلية في مصر عن طريق أداوات المساعدات الاقتصادية والاستثمارات المباشرة وغير المباشرة والدعم السياسي والوساطة مع الأطراف الأسيوية والأوروبية لدعم الملف المصري سياسيا واقتصاديا، كما أن أي تغير في معادلة الاستقرار السياسي الداخلي لأيا من هذه الدول ولا سيما في المملكة العربية السعودية، أو أي تغيير في معادلة الصراع الفسلطيني الإسرائيلي أو في المعادلة الأمريكية الإيرانية أو غيرها من المعادلات الأمنية في سوريا والعراق على هامش مصير تنظيم داعش الإرهابي من المتوقع أن يُحدِث تأثيرات كبيرة أيضا على الأوضاع الداخلية في مصر.
لاتبدو الموشرات الأولية فى ٢٠١٥ لصالح قوى التغير سواء بشقه الإصلاحي أو الثوري، كما لا تبدو الأمور في طريقها إلى الاستقرار السياسي أو الإقتصادي المنشود، لن تكون ٢٠١٥ هي سنة الحسم، ولكنها ستشهد وبشكل أكثر تفصيلا ووضوحا تسديد الفواتير المؤجلة منذ ٢٠١٥ بين هؤلاء الفاعلين جميعا، وقد تشهد تغيرات مشابهة لتلك الحادثة في ٢٠١١ أو ٢٠١٣.