هكذا مرّت "زينة- هدى" على السوريين.. من جحيم الحرب إلى الموت بردا

الشرق الأوسط
نشر
5 دقائق قراءة
تقرير محمد الأزن
هكذا مرّت "زينة- هدى" على السوريين.. من جحيم الحرب إلى الموت بردا
Credit: CNN

دمشق، سوريا (CNN)-- بدأت الحياة للعودة إلى طبيعتها تقريباً في شوارع دمشق، الاثنين بعد نحو أسبوع على بدء تأثيرات المنخفض القطبي الذي ضرب منطقة الشرق الأوسط، تساقطت خلاله الثلوج بكثافة على عدة مدنٍ سوريّة، خاصّة العاصمة؛ العاصفة مرّت من هنا بلا اسم "لا زينة، ولا هدى"، بل كان عنوانها الأبرز المزيد من الشقاء بالنسبة للسوريين الذين تأكل الحرب أرواحهم، وبلادهم، بينما لازال يبيت معظم مهجريّها في مخيّماتٍ للجوء أعدّت بدول الجوار، أو مراكز الإيواء داخل البلاد.

التدفئة من البرد القارس، كانت الهاجس الأكبر، بالنسبة للعائلات السورية، وسط ندرة مصادرها، وغلاء أسعارها؛ هكذا عمل أبو خليل -من سكّان حي الميدان- أوّل أيام العاصفة، لتأمين عشرين ليتر "ديزل" بمبلغٍ يعادل 25 دولار تقريباً، لكي يتسنى له إشعال "صوبة المازوت" التقليدية لعائلته، والتي أصبحت بالنسبة للعائلة، ومنذ زمن "مجرد قطعة ديكور لا أكثر"، بدا الأب الأربعيني منهمكاً باعتصار خرطوم مضخة سيارة الوقود حتى آخر نقطة، وسعيداً نوعاً ما بإنجازه.

وعبّرأبوخليل عن ذلك لـ CNN بالعربية قائلاً: "يكتّر خيره جارنا أبو وليد صاحب السيّارة ماخجلنّا، بركي بيدفوا هالولاد، لأنه ما في أي وسيلة تدفئة تانية بالبيت، معلومك الكهربا عم تنقطع كتير، ولولا هيك بيموتوا من البرد، لابسين أكتر من قطعة، ومتغطيين بالبطّانيات، ومع هيك عم يرجفوا."

عدم توفرّ "المازوت" تسبب بكارثة، لعائلةٍ أخرى، في حي "المجتهد" الدمشقي؛ حيث استعاضت بالغاز للتدفئة، ما أدى لوفاة الجد، وحفيديه اختناقاً، بينما أصيبت والدتهما، وأختهما بحروقٍ كبيرة، أواخر الأسبوع الفائت.

مشهد  الارتجاف برداً، حدّ التجمد، لم يُلحظ فقط وراء جدران البيوت بدمشق، فحسب، بل في شوارعها أيضاً، فهناك مَنْ افترش نواصي الشوارع متدثراً بغطاء صوفي مُبْتَل، يحاول حماية أطفاله، مستعيناً بـ "تنكةٍ" أشعل فيها ما تيّسر من أخشابٍ، ورق، أو أي شيءٍ قابلٍ للاشتعال، كذلك بدت آثار برودة الطقس بوضوح، على الجنود في نقاط التفتيش المنتشرة بالعاصمة، بينما جابت سيّارات الهلال الأحمر الطرقات، بحثاً عن حالاتٍ تستدعي التدخّل السريع، كما ازدحمت المشافي بالأطفال الذين نقلوا إليها بحالاتٍ إسعافيه، نتيجة التهاباتٍ حادّة بالجهاز التنفسي.

أخبار اللاجئين، وما يعانونه بسبب "زينة أو هدى"، ووفاة أطفالٍ سوريين بسبب البرد؛ حفزّت الكثير من منظمات المجتمع المدني السوريّة، لتكثيف جهودها من أجل تأمين الملابس، والأغطية الشتوية، لمهجري الحرب داخل البلاد وخارجها، هكذا فعل "فريق ملهم التطوعي" من خلال حملة "طوارئ" نظمّها بالأردن، ولبنان، وتركيا، وجددت حملّة "كف وطاقية- عيرني دفاك" في سوريا نداءاتها للسوريين لتأمين ملابس الشتاء للمهجرين، وولدت مباردة "دفانا محبتنا" للغرض ذاته، تلك الحملات وغيرها، اعتمدت بصورةٍ رئيسية على مواقع التواصل الاجتماعي، وسعت لاستقطاب دعم شخصيّاتٍ فنيّة، واجتماعية سوريّة بارزة، ونجحت إلى حدٍ كبير بتحقيق مبتغاها.

ثمةّ حملةٌ أخرى، استخدمت وسم "عطلّونا"، عبر فيسبوك كان همّا الرئيسي إقناع وزارة التربية السوريّة، بتأجيل امتحانات مرحلتي التعليم الأساسي، والثانوي، بسبب برودة الطقس، وتعثّر الوصول إلى المدارس، لكنّ تلك الجهود لم تفلح بذلك، إلّا ليومٍ واحد بضغطٍ من وسائل الإعلام المحليّة، كإذاعة "شام إف إم"، واسعة التأثير هنا، لتستأنف يوم الاثنين، وسط خيبة أمل المنضمين للحملة، والذين تجاوز عددهم الـ 1700 طالب.

بالتوازي مع مرارة ما يحدث؛ حفل  موقع فيسبوك، ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى، كالعادة بتعليقات السوريين الساخرة، حيث كان طول أيّام العاصفة القطبية، واستمرار تهاطل الثلوج لأيّام، مصدر إلهام الكثيرين، فبعضهم وجد أن الجنسيّة الروسية باتت مستحقّة بالنسبة لهم، بعد كل هذا الثلج، وآخرون كانوا يسألون عن اسم الشيخ الذي صلى "صلاة الاستسقاء"، ورأوا أن بركات دعائه "كانت أكثر من اللازم"، وسط مخاوف أشاعها حديث متنبئين جويين، حول احتمال تجدد فعالية المنخفض، أو وقوع البلاد تحت تأثير منخفضٍ جديد الأربعاء المقبل.

كما حرص معظم روّاد العالم الافتراضي من السوريين، على نشر صور تبرز كثافة الثلوج في مناطقهم، وصورهم وهم يلعبون بالثلج، ما أثار حفيظة البعض، وهو ما رأى فيه آخرون "استراحةً من لون الدم، واشتياقاً للسلام."

 وهنا تجدر الإشارة إلى أنّ "زينة، أو هدى"، أو تلك التي لا اسم لها في سوريا؛ ربمّا نجحت في انتزاع هدنةٍ غير معلنة، بين الأطراف المتصارعة على الأرض السوريّة، لكنها تسببت بمقتل ما يقدّر بستّة عشر سورياً في مخيمات اللجوء، والداخل السوري.