يشار إلى أن هذا المقال يعبر عن رأي كاتبه، سمير عليش الناشط في مجال الشأن العام.
(CNN)-- اقتربنا من مضى اربعة أعوام على انطلاق ثورة "اللوتس" بروافدها الفكرية والطبقية المتعددة مطالبة بالتغير وبالقطيعة مع نظام مبارك "كفاية"، وبرؤيتها لدولة عصرية مدنية ديمقراطية "وثيقة مستقبل مصر"، وبإعلاء قيمها في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والخبز واستقلال الجامعات والقضاء، وباحترام وسائلها السلمية عبر اصواتها الاحتجاجية والانتخابية "صوتي مطلبي"، ولقد تحولت تلك الثورة الى ملحمة عبر إصرار الضمير الجمعي لروافدها على الاستمرار، رغماً عن الاخفاقات، حتى يتم إصلاح وبناء الدولة.. ويتصاعد الحنين لاسترجاع الشعور بالفخر، من جهة للانتصار على رأس منظومة الاستبداد الذي ظل يعيث فساداً 30 سنة بمساندة عناصر محلية وإقليمية وعالمية، ثم عمل على توريث الحكم، ومن جهة أخرى للانتماء الى مصر فجر الضمير، التي أبهرت العالم مجدداً، بسعيها للانضمام لمسيرة العالم الحر عبر السلوكيات والقيم الحضارية لشعبها في ميادين التحرير.
وكلما اقترب هذا اليوم من كل سنة أتوجه بالشكر والعرفان والدعوة بالشفاء والرحمة لمصابي وشهداء تلك الملحمة وبالصبر لعائلاتهم، فضلاً على الشخصيات التي لبت نداء خالقها بعد أن عملت لانطلاقها واستمرارها "عزيز صدقي، محمود محفوظ، عبد الفتاح القصاص، عبد الحميد الغزالي، اسامة انور عكاشة، سعد هجرس، نانسي انسى، حامد عمار، معين مختار، انور عبد الملك، عبد الوهاب المسيري، احمد سيف الاسلام.. إلخ". واتألم لمعاناة رفقاء الثورة وبالأخص سجناء الرأي والقوانين المقيدة للحريات، لعدم تحقيق مطالبها في "استخدام أصواتها الاحتجاجية"، وبسبب التشويه المتعمد لأعظم مشهد في التاريخ المصري، ثم لأحكام البراءة للرئيس الأسبق وعصابته ومظاهر عودتها المستفزة لمقاعدهم. ويغمرني الأسى لكون فئات متعددة من شعبنا قد تضررت وتتحسر على ما قبل 25 يناير، ولكون اعداد متزايدة من الشباب المناضل شديدي الحماس للقيام بأي شيء لخدمة بلدهم، وهم يتخذون خطوات إيجابية للرحيل عن البلاد.
ثم اتساءل: لماذا على ان أحتفى؟
أحتفى لاعتزازي باستمرار تلك الملحمة في العبور من اليأس الى البأس، وإنجازاتها المبهرة وخاصة التغير فى وعى الشعب (بحقوق وواجبات ملكية الوطن لكل الناس والعدالة للجميع، وبتحديات التحول الديمقراطي، وبأفاق عصر المعرفة) الأمر الذى لمسته في حوارات عقدتها مؤخراً مؤسسة قضايا المرأة حول مخططها الاستراتيجي، وأحتفى أيضاً لأذكر نفسى وأخواتي وإخوتي في الانسانية والوطن لأهم "السلبيات والمراجعات" خلال مراحل رحلة البحث عن المستقبل منذ يوليو 52 وحتى تاريخه ، فضلاً على أهم إنجازات الملحمة الثورية، في إطار متغيرات عالمية ومخططات صهيونية وقوى رجعية، لاستخلاص العبر للاستفادة منها في الجهود الحالية لاستكمال خريطة الطريق وإصلاح وبناء الدولة.
***
- مرحلة ناصر: رؤى ومشروع لتحرير مصر (عسكريا واقتصاديا) وتحقيق التنمية بالاشتراكية في إطار التعامل مع دوائر الأمن القومي وعدم الانحياز، وعالم القطبين وعصر الصناعة.
- سلبيات: الإخفاق في بناء حكم مدني وديمقراطي للجمهورية الأولى، إهدار الحريات، تأميم المجتمع المدني والقطاع الخاص، التعامل مع المسيحيين من خلال الكنيسة، امتداد الفصل بين المصريين في التعليم الأساسي "ديني/ مدني" الى الجامعي، مذبحة القضاء، انفصال السودان، انفصال سوريا 1962 وسيطرة المشير عامر والعسكريين على المؤسسات المدنية، حرب اليمن، الهزيمة العسكرية فى67.
. المراجعات النقدية: الاعتراف بالمسؤولية عن الهزيمة، اعلان 30 مارس لتصحيح العلاقة بين "المجتمع والسلطة"، الحريات الفكرية، محاكمة القيادات الامنية والعسكرية، إبعاد القوات المسلحة عن السلطة المدنية، تجهيز الدولة للعبور بالمعرفة والموارد المجتمعية والمسؤولية الجماعية.
- مرحلة السادات: رؤى ومشروع لتحرير سيناء وتحقيق التنمية بالليبرالية في إطار مصر أولاً وعالم القطب الواحد وبزوغ عصر المعلومات.
. سلبيات: استخدام مظاهر الدين والامن والطائفية والقبلية لأسباب سياسية، إطلاق الرأسمالية المتوحشة، ارسال الشباب الى افغانستان ثم الى السجون والتعذيب ثم الارهاب، تبعات اتفاقية السلام مع إسرائيل (محلياً وإقليمياً)، تغييرات دستورية لاستمرار "الرئيس" لفترات مفتوحة، معارضة القوات المسلحة التحول للحكم المدني (منصور حسن.)
- مرحلة مبارك: متابعة مشروع سلفه بدون مراجعة فكرية ولا استجابة للمتغيرات المعرفية والجيوسياسية
. سلبيات إرساء دولة الفساد، انهيار الثقافة والخدمات ورأس المال الاجتماعي، تهريب الاثار، البزخ والفقر، القضية السكانية، برنامج الخصخصة، تهميش سيناء ودول وادى النيل، محاولة التوريث لحاكم مدنى (على غير رغبة القوات المسلحة) عبر: استخدام الدستور/ الأمن/ النيابة/ القضاء والانتخابات/ الاعلام/ رجال الاعمال/ الصفقات/ الفتنة الطائفية/ السلفية الوهابية/ سفك دماء المواطنين والثوار.
- مرحلة 25 - 30 يناير: نحو التحول الديمقراطي والتخلص من دولة الفساد ومنع شبح الاقتتال على الهوية.
.إنجازات.
1-الوعي بحقوق وواجبات ملكية الوطن "لكل الناس" و"العدالة للجميع".
2-استخدام الأصوات الاحتجاجية والانتخابية في "إسقاط/ انتخاب" (الرئيس الأسبق/ المجلس العسكري/ الرئيس السابق/ الرئيس الحالي)
3- إعداد وإقرار أول دستور 2014 يوازن بين السلطات ويعلى من حقوق الانسان والمواطنة، ويقنن استقلالية القوات المسلحة عن السلطات المنتخبة بمادة مؤقتة لدورتين رئاسيتين (8 سنوات).
.سلبيات: التخبط والتعثر فى التحول الديمقراطي/ الصراع علي الهوية/ حل مجلس الشعب/ فشل مرسى "المدني/الاسلامي"، تدهور الامن والاقتصاد، عدم تبنى رؤية / مشروع لإصلاح مؤسسات الدولة الخربة وخاصة "العدالة والتعليم"، سياسات (امتصاص حماس الثوار ثم تفريق تجمعاتهم ثم تشويههم وإجهاضهم)، اعلام تعميق التعصب والانقسام وإشاعة البذاءات / الشذوذ /الجن/التكفير/ /التخوين/ الالحاد، عدم القصاص لمظالم قبل وبعد 25 يناير، أسلوب وتبعات تنفيذ المطالبة بإقصاء الرئيس السابق، وسائل التصدي للإرهاب، الاستعانة بقيادات توحى بإعادة الحياة لما قبل 25، قوانين تنظيم الاصوات الاحتجاجية والانتخابية، النخب والقوي السياسية والثورة المضادة.
وأنهى: نحتفي بالإنجازات والإصرار على الاستمرار لتحقيق المطالب في إطار الدستور، عبر التوافق والإرادة والفعل.