مقال لدين عبيدالله، وهو محام سابق وإعلامي معروف في أمريكا وكاتب سياسي، وسبق له المساهمة في إخراج فيلم "المسلمون قادمون"، علما أن المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.
(CNN) -- لقد شاهدنا خلال سنوات عمرنا الطويلة العديد من حالات النفاق، بعضها صادر عن السياسيين، وبعضها صادر عن ما يعرف بـ"المحللين" و"الخبراء" ولكننا اليوم أمام حالة جديدة من النفاق اسمها: القاعدة.
الأربعاء الماضي أصدر التنظيم تسجيل فيديو للقيادي في صفوفه، نصر الآنسي، أعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم المروع الذي استهدف مجلة "شارلي إيبدو" الساخرة، وقد برر الهجوم بأمرين اثنين.
الأول، أنه زعم بأن العملية تأتي انتقاما لقيام الصحيفة بطبع صور ساخرة للنبي محمد. ثم تابع الآنسي بالقول إن السبب الثاني هو الرد على "قيام فرنسا والغرب بقتال المسلمين" على حد تعبيره.
في الواقع، إذا كان سفك دم المسلمين هو العامل الذي يحدد هوية الجهة التي يتوجب الانتقام منها فسيكون على الآنسي وسائر قادة ورجال القاعدة الاختباء، لأن تنظيمهم ببساطة يسفك دماء المسلمين منذ سنوات، ويقتل رجال الدين والأطفال والممرضات والنساء والرجال، جميع فئات المجتمع المسلم تعرضت للذبح على يد القاعدة.
ويشير تقرير مكافحة الإرهاب الصادر عن كلية "وست بوينت" عام 2009 مثلا، أن عدد الغربيين الذين قتلهم التنظيم خلال الفترة ما بين 2004 و2008 لا تزيد عن 12 في المائة من ضحاياه، ما يعني أن قتلاه من المسلمين يعادلون سبعة أضعاف ضحاياه من سواهم.
وفي السنوات التي تلت ذلك التقرير، تورط تنظيم القاعدة في اليمن بهجمات أكثر شراسة ضد المسلمين الذين يشكلون 99 في المائة من السكان، بينهم 65 في المائة من السنة. وقد قتل التنظيم بعبوة ناسفة في ديسمبر/كانون الأول الماضي 25 شخصا، بينهم 15 طفلا، خلال محاولة استهداف زعيم لتنظيم مسلح، وأتبع التنظيم تلك العملية بإرسال انتحاري إلى قلب العاصمة صنعاء ليستهدف مجموعة من المحتجين، ما أدى إلى مقتل 47 وجرح 140 شخصا.
وفي ديسمبر 2013، شن تنظيم القاعدة هجوما دمويا على مستشفى، ما أدى لمقتل 52 شخصا وجرح 167، وتطول لائحة العمليات المماثلة كثيرا، خاصة وأن القاعدة ليس التنظيم الوحيد الذي دأب على قتل المسلمين الذين يعترضون طريقة، فقد اعتمد تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف بـ"داعش" سياسة مماثلة، فقتل الآلاف من المسلمين – السنة والشيعة – وفقا لتقرير من الأمم المتحدة، بينهم العديد من رجال الدين السنة الذين رفضوا مبايعته.
الحقيقة هي أن القاعدة وداعش لم تطبق مبدأ "أشهر إسلامك أو تقتل" كما يزعم البعض، وإنما طبقت مبدأ "أشهر الولاء لداعش والقاعدة أو تقتل"، وكلاهما ليس مهتما بعدد المسلمين الذين يقتلون، ومع ذلك يزعم كل منهما أنه يتصرف باسم الإسلام، حتى أن الآنسي وصف منفذي الهجوم على صحيفة "شارلي إيبدو" بأنهما "من أبطال الإسلام."
ولكن الآنسي كان مخطئا تماما.. لقد كان "أبطال الإسلام" في باريس بالفعل يوم الهجوم على الصحيفة، لكنهما ليسا سعيد وشريف كواشي، منفذا عملية الهجوم، بل هما الشرطي أحمد مرابط، الذي قتل بدم بارد، والذي قال عنه شقيقه إنه "كان مسلما معتزا بإسلامه وقدم حياته دفاعا عن قيم فرنسا بالحرية والعدالة."
أما البطل الثاني، فهو لاسانا باثيلي، الموظف المسلم في متجر المأكولات اليهودية، والذي أنقذ حياة سبعة يهود بمساعدتهم على الاختباء من رصاصات أميدي كوليبالي، والذي طبق بفعلته هذه الآية القرآنية التي تقول: "وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً".
إظهار نفاق تنظيم القاعدة ولن يبدل في أهدافهما، فالتنظيمين سيواصلان اتخاذ الإسلام ذريعة لتحقيق أهدافهما السياسية لأن ذلك يساعدهما على حشد الأنصار وجمع التمويل، أي الأمور الأساسية لبقائهما، ولكن ربما إذا واصلنا كشف زيف ذلك النفاق فسيسهل علينا فهم الدوافع الحقيقة للتنظيمات الإرهابية، وربما تغيير رأي أي مسلم يفكر في الانتماء إليها وتحقيق أجنداتها التي هي في الواقع غير إسلامية.
ليس لدى داعش أو القاعدة أي اهتمام بتحقيق مبادئ الإسلام. تركيزهما الأساسي ينصب فقط على السلطة، بصرف النظر عن عدد المسلمين الذين سيقتلون في سبيل تحقيق ذلك الهدف.