هذا المقال بقلم مصطفى النجار، عضو مجلس الشعب السابق، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN
لا نعرف لماذا تم اعتقال الصحفيين الثلاثة الأسترالي بيتر جريستي والمصري الكندي محمد فهمي والمصري باهر محمد، ولا ندرى ما هي جريمتهم بالتحديد، وهل يعتبر عملهم الصحفي جريمة يعاقبون عليها مهما كان خلاف الجهة الاعلامية التي يعملون بها مع النظام في مصر. كل الذي ندريه أن هناك أحكاما قاسية بالسجن طالت هؤلاء وسببت صداعا في رأس السلطة بعد الاهتمام الدولي والإدانة العالمية والضغوط المتوالية التي استجابت لها السلطة في مصر مؤخرا بعمل قانون مخصوص للخروج من الحرج القانوني حيث نص القانون الذي تم استحداثه على جواز تسليم الاجانب المحكوم عليهم في مصر إلى بلادهم، وبالتالي كان هذا تمهيدا للإفراج عن الصحفي الأسترالي جريستي وترحيله لبلاده. ولأن القانون المستحدث لا ينطبق على المصريين الذين يحملون جنسية أجنبية بجوار جنسيتهم المصرية كان لابد على الصحفي المصري محمد فهمي الذي يحمل الجنسية الكندية أن يتنازل عن جنسيته المصرية حتى يتم اخلاء سبيله ويحصل على حريته.
وبالفعل نشرت الجريدة الرسمية القرار وحمل رقم 4497 لسنة 2014، ونشر في 1 فبراير في الوقائع المصرية: (بعد الاطلاع على الدستور والقانون رقم 26 لسنة 1975 الصادر بشأن الجنسية المصرية، يؤذن للسيد محمد محمود فاضل محمد فهمي، مواليد الكويت 27 إبريل 1974 بالتجنس بالجنسية الكندية، مع عدم الاحتفاظ بالجنسية المصرية).
لم تنته الدراما عند هذا الحد فهناك صحفي ثالث في القضية هو باهر محمد الذي لن يحصل على حريته لأنه يحمل الجنسية المصرية فقط ولا يحمل جنسية أخرى ولا يوجد سفارة ولا وزارة خارجية ولا دولة تطالب بإطلاق سراحه أو العفو عنه. ومن الجدير بالذكر أن الصحفي الأسترالي والآخر المصري الكندي صدر عليهم الحكم بسبع سنوات بينما كان نصيب المصري باهر محمد السجن عشر سنوات.
إذا أعدنا قراءة المشهد وتفكيك الصور بداخله ثم إعادة تركيبها سنكتشف أننا أمام مأساة معنوية لا تخص الصحفي المصري الثالث فقط بل تعني ملايين المصريين الذين أرسل لهم التصرف، وهذه الطريقة في معالجة الأزمة رسالة واضحة وهي "لا كرامة لمصري في وطنه" وأن جنسيتك قد تعنى شقاءك وعناءك، وأن حصولك على جنسية أخرى قد يصنع لك أمانا في هذه الأرض حين تجد يوما من تحتاج لضغوطه ومساعدته لك.
لا يمكن أن نلوم محمد فهمي على تنازله عن الجنسية المصرية حتى يحصل على حريته، وكل انسان طبيعي إذا تعرض لهذه الظروف وخيروه بين حريته والبقاء بجوار اسرته وأطفاله وبين بقائه سجينا خلف القضبان سيفعل ما فعله محمد فهمي. لكن المأساة أكبر من مشكلة شخصين نتمنى للثاني منهما وهو باهر محمد أن يخرج فورا وينال حريته، المأساة هي أن هذه الحكاية ستتعمق في وجدان شباب هذا الوطن وسيحكونها لأطفالهم، سيقولون لهم إن التنازل عن مصريتك قد يعنى الحصول على حريتك، سيقولون لهم إن هناك فترة بائسة مرت فيها مصر باعتقالات ومحاكمات لشباب في عمر الزهور لمجرد أنهم عبروا عن رأيهم بسلمية، سيقولون لهم إنه بعد ثورة يناير المجيدة عاد تكميم الأفواه والانتقام من الثوار والمطالبين بالديمقراطية الحقيقية وعادت مصر لتتحول لدولة الصوت الواحد وضاقت بأبنائها حتى صار الخروج منها والاغتراب أملا لدى غالبية أبنائها الذين فقدوا الأمل في أن ينصلح حال الوطن.
لا يعلم من خططوا لسيناريو خروج الصحفيين الأسترالي والكندي (حاليا) بهذه الطريقة بأنهم حفروا جرحا في نفوس أجيال لن تنسى ما حدث وستظل تذكره بكثير من المرارة. كيف لنا أن نتحدث عن الانتماء للوطن ونحن نهدره تحت أقدامنا؟ كيف لنا ان ننظر في عيون أطفالنا الذين يدركون ما حدث ثم نحدثهم بعد ذلك عن التمسك بالبقاء في وطنهم والمساهمة في بناءه، سيسألنا أطفالنا عن محمد فهمي ويقولون لنا (هل خان الوطن حين تنازل عن جنسيته) وسنقول لهم لا، سيسألنا أطفالنا عن يارا سلام وسناء سيف وكل رفاقهم ويقولون لنا (هل سيخرجون من السجون إذا تنازلوا عن جنسيتهم المصرية) وحينها سنخفض رؤوسنا خجلا ولا نجيب.
الافراج عن الصحفيين المعتقلين ضرورة ليس فقط من أجل تحسين صورة مصر في الخارج ولكن من أجل ضمان حرية الرأي والتعبير. وهناك عشرات الصحفيين المعتقلين والصادر ضد بعضهم أحكام وكل ذنبهم أنهم حملوا كاميرا او تواجدوا في مواقع الاحداث للتغطية. ولكن لماذا لا يصدر عفو عن كل هؤلاء ولماذا لا نفصل قانونا جديدا مثل قانون الاجانب لنخرج به من السجون آلاف المظلومين ونحرر إرادة شباب مخلص لم يفعلوا شيئا لهذا الوطن إلا أنهم عشقوه وحلموا له بمستقبل أفضل.
أليس المصريون أولى بالحرية؟ أليس شباب الوطن هم فلذات الأكباد الذين يستحقون أن نفعل من أجلهم ما فعلناه لغيرهم من أبناء البلاد الأخرى؟ إن المأساة المعنوية والرمزية التي خلقها ما حدث في قضية صحفيي الجزيرة الاجانب لن يمكن محوها إلا إذا أتبعها خطوة شاملة تُخرج المظلومين والشباب من سجونهم وتعيدهم لبيوتهم وأهلهم، وتبقى المرارة في النفوس تصرخ أن المصريين أولى بالحرية.