بقلم الزميل تيم ليستر
(CNN)-- عندما كان صحفي الجزيرة بيتر غريستي يحلق نحو الحرية الأحد، بعد سجنه لمدة 400 يوم في مصر، كان الرجل المسؤول عن قيادة مصر يلقي خطاباً طويلاً ألقى فيه الضوء على المشاكل الكثيرة التي تواجه البلاد.
إذ ركز الرئيس عبد الفتاح السيسي على حالة الاقتصاد المتردية، والتدخل الجهادي في منطقة سيناء، ودور الدين في السياسة بالإضافة إلى حقوق الإنسان.
ومن بين هذه المشاكل كان سجن السلطات لغريستي، الأسترالي، واثنين آخرين نت صحفيي الجزيرة في مصر، وهي قضية وضعت الحكومة في موقف محرج مع تاريخها المتعلق بحقوق الإنسان، والذي كانت في الأصل تتعرض للانتقاد بشأنه.
ففي يوليو/تموز أدى صدور الأحكام بحق هؤلاء الصحفيين إلى صيحة عالمية، وأقر السيسي بأن هذه القضية كانت مدمرة للعلاقات العامة المصرية، وقال لصحفيين إن المحاكمة كانت "سلبية للغاية" على سمعة الدولة، وتمنى حينها بأنه لو رحلت السلطات هؤلاء الصحفيين خارج البلاد بدلاً من وضعهم تحت المحاكمة.
اعتقل غريستي بنهاية عام 2013 مع أفراد طاقم الجزيرة بمكتب القناة في القاهرة، معه مان مدير المكتب محمد فهمي والمنتج باهر محمد، واتهموا بتوزيع "معلومات مغلوطة" والانتماء "لمنظمة إرهابية"، وبعد المحاكمة التي دامت لأربعة أشهر، حكم على غريستي وفهمي بالسجن لسبع سنوات، وتلقى محمد الحكم بعشرة أعوام، وحتى الإثنين، كان لا يزال فهمي ومحمد خلف القضبان.
وعدت هذه القضية جزءاً من حملة دعائية ثقيلة الطابع، ضد أي شخص يمكنه أن يتصل أو يدعم جماعة الإخوان المسلمين، التي أعلنت السلطات بأنها "منظمة إرهابية"، بعد تولي السيسي والجيش على السلطة، وواكب هذ الحملة موجة هستيرية من التغطية الإعلامية حول "التهديد من الداخل"، في وقت أشارت فيه منظمات حقوق الإنسان إلى وجود ألوف من جماعة الإخوان المسلمين خلف القضبان بانتظار محاكمتهم، وحكم على ما يقارب 200 منهم بالإعدام.
وخلال الإجراءات المضادة لصحفيي الجزيرة، أكدت الحكومة المصرية، من بينها السيسي ومن دونه، بأنها لم تلعب دوراً بالعملية القضائية.
والقليل من مراقبي الوضع المصري أكدوا صحة ذلك، لكن الكثيرين رأوا بأن الثلاثة كانوا بمثابة بيادق في مواجهة بين السيسي وإمارة قطر، التي تمول قناة الجزيرة، إذ تضمنت التهم المعنى ذاته باتهام الصحفيين ببث مشاهد "من خلال قناة الجزيرة القطرية لمساعدة (جماعة الإخوان المسلمين) منظمة إرهابية لتحقيق أهدافها بالتأثر على الرأي العام الدولي."
وأظهرت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب التعقيد السياسي للقضية عندما قالت: "إن الجزيرة ليست قناة الأخبار المفضلة في مصر، لذا فإني أخشى بأن بيتر كان في المكان الخاطئ بالتوقيت الخاطئ."
وعبر الشرق الأوسط، بدءاً من سوريا وصولاً إلى ليبيا وقطاع غزة، قامت قطر بتمويل ودعم الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين منذ اندلاع الربيع العربي قبل أربعة أعوام، من هؤلاء الحلفاء كان القيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين، محمد مرسي، الذي تولى رئاسة البلاد في يونيو/حزيران عام 2012، لكنه عزل من قبل السيسي بعد عام.
وأظهر حلفاء مصر التقليديون استياءهم تجاه الحكم الصادر ضد الصحفيين الثلاثة، إذ انتقد البيت الأبيض ما حدث بوصفه "اضطهاداً للصحفيين لنقلهم معلومات لا تتلاءم مع صياغة الحكم في مصر."
لكن محاكمة هؤلاء الصحفيين (بالإضافة إلى غيرهم غيابياً) كان جزءاً من خطة، إذ قالت منظمة هيومان رايتس ووتش بأن المحاكمة "التي تلت محاكمة المتظاهرين والأكاديميين، تظهر السرعة التي تتبخر فيها المعارضة في مصر."
فواحد من الأمثلة العديدة على ما سبق هو عمرو حمزاوي، وهو أكاديمي وعضو في سابق في البرلمان، إذ اتهم بـ "إهانة النظام القضائي" بعد تغريدة ادعى فيها إدانة 43 موظفاً من منظمات منادية بالديمقراطية وأنهم أظهروا "تسييس" النظام القضائي، إلا أنه لم يخضع بعد للمحاكمة.
لقد كانت هذه الحملة شديدة القسوة، وتعاملت بشكل أصم تجاه الحكومات التي تمتعت معها مصر بعلاقات جيدة لفترة طويلة، وساعدتها -في هذه الحالة أمريكا-بمليارات المساعدات العسكرية.
ومهما كانت التجربة التي خاضها صحفيو الجزيرة الثلاثة مريعة، فقد واجه غيرهم مصائر أسوأ، وفقاً لمنظمات حقوق الإنسان، فبعد انتخاب السيسي رئيساً للبلاد، دعته هيومان رايتس ووتش إلى إجراء تحقيق حول "عمليات قتل الشرطة والجيش لأكثر من 1400 متظاهر خلال ما سبق من 12 شهراً، والادعاءات المتراكمة بحالات تعذيب ومعاملة سيئة تجاه المحتجزين."
العلاقات المصرية القطرية
قد يجادل المسؤولون المصريون بأن قضية صحفيي الجزيرة هي جزء من استراتيجية أوسع لتغيير سياسات قطر، وهو أمر حصل بالفعل، ففي الوقت الذي تولى فيه الجيش السيطرة على مصر، اعتبرت قطر ملجأ لقادة جماعة الإخوان من المصريين، ولكن خلال الأشهر الماضية، أبعد القطريون أنفسهم بهدوء عن قياديين بارزين في الجماعة، إذ غادر عدد منهم قطر في سبتمبر/أيلول، رغم تشديدات من قطر بأنه لم يقوموا بنفيهم.
وبعد أسابيع أصدر السيسي مرسوماً رئاسياً يسمح بتسفير السجناء الأجانب، وهو بالضبط ما حصل مع غريستي، وفهمي يملك الجنسيتين الكندية والمصرية، وعلى الأرجح سيلقى المعاملة ذاتها، لكن باهر محمد، مصري الجنسية، وبالتالي فإن مصيره لا يزال غير واضح.
وهذا كله يعيدنا إلى الخطاب الذي وجهه السيسي، الأحد، خلال ترحيل غريستي، والذي أتى بعد يومين من تبني جماعة أنصار بيت المقدس (التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام "داعش") أكبر هجوم لها إلى الآن على مراكز عسكرية في صحراء سيناء، والذي أدى إلى مقتل 30 شخصاً.
واعترف السيسي في خطابه بالتهديدات التي توجهها الميليشيات المتشددة، متحدثاً عن "لما نتكلم في خطاب ديني بنقول في كتلة اتشكلت بفكر منحرف بياخد الدين بتاعنا ده، وبوديه على الحيط، وإحنا بندفع تمنه النهارده، عشان في ناس ما اتصديتشله من 3- لـ 40 سنة، سابوه (..) الفكر المتطرف اللي هو مش قادر يفهم إنو ربنا كان لو إنو عاوز نكون على قلب رجل واحد ودين واحد كان خلقنا كده، هو خلقنا مختلفين" (قاصداً جماعة الإخوان المسلمين)
أعلن السيسي بأن "شرق قناة السويس يخضع تحت سيطرة اللواء أسامة رشدي لمحاربة الإرهاب"، لكنها المرة الثانية خلال أربعة أشهر يعد فيها السيسي الشعب بمحاربة الإرهاب في سيناء، كما تطرق إلى مقتل الناشطة شيماء الصباغ بالرصاص في القاهرة الأسبوع الماضي، معبراً عن نفسه بأنه والد للأمة.
وقال: "بنت مصر، شيماء الصباغ، خلي بالكم من ده، كل أبناء مصر وبنات مصر أولادي،" واعداً بفتح تحقيق حول القضية، في وقت ادعى فيه ناشطون بأن الصباغ قتلت بنيران الشرطة خلال مظاهرة لإحياء الذكرى الرابعة لثورة 2011، والتي قتل فيها أكثر من 20 شخصاً، وتكررت مظاهرات مناهضة للحكومات رغم بذل أفضل الجهود من قوى الأمن.
وفيما يخص الوضع الاقتصادي الخطر الذي تمر به مصر وميزانيتها، كان السيسي صريحاً، شاكراً السعودية وأمريكا والإمارات العربية المتحدة على دعمهم المادي، والذي قدر بـ 11 مليار دولار وصولاً ليوليو/تموز عام 2014، مشيراً إلى أنه ولولا الدعم المادي، لم تكن مصر لتصمد حتى الآن، لكنه أضاف أيضاً بأن الحكومة بحاجة إلى مساعدات إضافية، قائلاً إن "مصر لا تملك 150 مليار جنيه مصري (أي ما يقارب 20 مليار دولار) لتنفقها على شعبها."
وبسرد أبسط، وسط هذه النظرة الصعبة، فإن قضية الجزيرة أصبحت تشكل مصدر إزعاج يمكن للحكومة التخلي عنه، وكما أوضح الرئيس السيسي، فالحرب ضد جماعة الإخوان المسلمين ستستمر بلا رحمة، ولكن مناصريه في البلاد والمراقبين الدوليين يرون حملة واسعة ومستمرة ضد أي معارضة بأي شكل.