هذا المقال بقلم د. ألون بن مئير، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
بعد خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أمام الجلسة المشتركة للكونغرس الأمريكي يطرح السؤال نفسه عمّا إذا كان هذا الخطاب سيؤثّر سلبا ً أم إيجابا ً على المفاوضات الجارية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكيّة بين الدول الخمس الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن الدولي وألمانيا المشار إليها بـ(5 + 1) من ناحية، وإيران من ناحية أخرى. والجواب بكلّ بساطة هو أنّه لن يؤثّر بشيء. فإدارة أوباما من كلّ شيء نراه ونعرفه تبقى ملتزمة ً بمنع إيران من حيازة الأسلحة النوويّة، وأية صفقة يُتّفق عليها يجب أن تلبي هذا الهدف. وفكرة أنّ الرئيس أوباما سيستقرّ على صفقة سيئة فقط لكي يحرز نجاحا ً مرموقا ً في السياسة الخارجيّة هو الفسق بعينه. فلا أحد أفضل من أوباما يدرك بأنّ الولايات المتحدة ستتحمّل تحت أيّ ظرف مسؤولية أية صفقة سيّئة وستعاني من نتائجها.
لقد أكّد أوباما بخطابه فقط على المسؤولية النهائيّة للولايات المتحدة عندما ذكر "ببسالة" بأنه "حتّى لو اضطرت إسرائيل للوقوف وحدها، فإن إسرائيل ستقف"، ثمّ أضاف بعجالة، "ولكنني أعلم بأن إسرائيل لن تقف لوحدها، فأنا أعلم بأن أمريكا تقف مع إسرائيل ."
فإذا كان هذا هو الحال، من أين يأتي إذن نتنياهو بهذا التبجّح ؟ فما دامت الولايات المتحدة الضامن النهائي لأمن إسرائيل، لن يقدر أي رئيس وزراء إهانة رئيس الولايات المتحدة الأمريكيّة باتهامه بأنه على وشك التوصّل لصفقة سيّئة في الوقت الذي ما زالت فيه شروط مثل هذه الصفقة غير جاهزة للتوقيع بعد في المقام الأول.
لنتنياهو سبب مشروع لدقّ ناقوس الخطر حول التهديد الذي تشكّله إيران، غير أنّ خطابه – على أية حال – لن يحسّن كثيرا ً من جوهر أية اتفاقيّة. وما هو أكثر ضررا ً تلميحه بأن أوباما سيقبل "صفقة ً سيّئة" حتى لو ألحقت ضررا ً بإسرائيل.
وللإشارة إلى أية صفقة على أنها سيئة أو جيّدة هو نوع من الإفراط في التبسيط قد يؤدي إلى التشويه أو الخطأ ويشير إلى فهم ٍ قليل للواقع في سياق كيفيّة التوصّل لمثل هذه الصفقة. فليس هناك صفقة تامّة أو مثاليّة، وتحتاج أية صفقة معقدة لمفاوضات مكثفة وتنطوي على تنازلات مهمة من قبل الطرفين. وأنا أودّ أن أشاطر وبكلّ سرور ما يدافع عنه نتنياهو بجرأة بخصوص المتطلبات الأساسيّة للصفقة لو كان لها أصغر فرصة للتحقيق. ستتطلب مثل هذه الإتفاقية التي ينادي بها نتنياهو أن تقوم إيران بتفكيك جميع منشآتها النوويّة، وتدمير قدراتها على تخصيب اليورانيوم والتخلّص من برنامجها المتعلّق بإنتاج صواريخ عابرة القارات، وإنهاء عدوانها وتحرّشها بجيرانها ووقف دعمها للإرهاب في جميع أنحاء العالم وتوقفها عن تهديد وجود إسرائيل.
وفي حالة رفض إيران لقبول هذه الشروط، فإن "وصفة" نتنياهو تدعو بكلّ بساطة لفرض المزيد من العقوبات الكاسحة لإجبار طهران على الرّكوع. وهو يفترض أنّه ما دامت العقوبات قد أجبرت إيران على الحضور لطاولة المفاوضات، فإن مجموعة جديدة من العقوبات الكاسحة ستجبرها على التخلّي عن برنامجها النووي. وهنا يخطىء نتنياهو بشكل ٍ يُرثى له. إنّه لم يقيّم بعناية (ولا يبدو أنه مهتمّ بأن يفعل ذلك) تصوّر وإدراك إيران لنفسها، ومعتقدات النظام الدينيّة ومكانة إيران الجيو- سياسيّة وخبرتها السابقة مع الغرب، ومنافستها لمراكز القوى وكبريائها الوطني وشعورها بأنها مستهدفة. ولو أنّه أخذ هذا كلّه بعين الإعتبار أو البعض منه لتوصّل لنتيجة مختلفة. فإيران لن تقبل بهذه الشروط أبدا ً ولن تزحف أبدا ً على بطنها لتتخلّص من أيّة عقوبات قديمة كانت أم جديدة، هذا بصرف النظر عن الألم والمعاناة التي قد تتكبّدها.
إذن فالخيار هو ما بين عقد صفقة غير كاملة ولكن تنطوي على فرصة جيدة لمنع إيران من حيازة أسلحة نوويّة، أو عدم عقد صفقة إطلاقا ً يترك إيران بالتأكيد حرّة لمتابعة برنامجها النووي. وهذا سيترك بدوره للولايات المتحدة ولإسرائيل خيار واحد فقط، وهو ضرب منشآت إيران النوويّة، الأمر الذي سيثير بدون أدنى شكّ حربا ً إقليميّة بتورّطات مرعبة لا يستطيع نتنياهو، على ما يبدو، تصوّرها.
وحيث أنّ الولايات المتحدة في نهاية المطاف ستستلم القيادة في ضرب إيران وتحمّل النتائج والتبعيّات، أليس بحوزة أوباما المسؤوليّة الأخلاقيّة أن يجرّب أوّلا ً المسار الدبلوماسي ؟
نتنياهو على حقّ في قوله بأن آثار الأذى الذي تسبّبه إيران في جميع أرجاء الشرق الأوسط شاهدة للعيان، بما في ذلك تمويلها مجموعات جهاديّة وغيرها من الفصائل المتطرفة والمسلّحة مثل حماس وحزب الله وتدخلها في سوريا والعراق ولبنان واليمن، ولها يد مباشرة في قتل أمريكيين وغيرهم من الأجانب. وبالتحديد من أجل ذلك كلّه، ينبغي القيام بأيّ جهد ٍ ممكن للتوصّل لاتفاقيّة تهدّىء على الأقلّ من نشاطات إيران الإقليميّة المدمّرة الصارخة وذلك تحت ضغط ٍ أمريكيّ ثابت ومنعها من حيازة أسلحة نوويّة.
وعدا عن انتقاده الصفقة، نتنياهو لم يقدّم في الواقع أيّ خيار عملي آخر قد يمنع إيران من حيازة أسلحة نوويّة. فبدلا ً من طلب ما لا يمكن الدّفاع عنه، ينبغي على نتنياهو بالأحرى أن يركّز على ما يمكن تحقيقه والتعاون مع الرئيس لإحكام الصفقة بدلا ً من إلحاقه المزيد من الضرر بعلاقات إسرائيل الحيويّة مع الولايات المتحدة وتقويض جهود الرئيس الفريدة لكبح جماح برنامج إيران. ولتحقيق ذلك، على نتنياهو أن يدعم الرئيس أوباما لضمان ما يلي، هذا وإن كانت معظم هذه الشروط ما زالت على طاولة المفاوضات:
- ينبغي أن يبقى الإتفاق الجديد صالحا ً لمدّة 20 عاما ً إن أمكن، ولكن على الأقلّ لمدة 15 عاما ً.
- ينبغي أن يكون رفع العقوبات بشكل ٍ تدريجي ومرتبطا ً بتقيّد إيران بكلّ شرط ٍ من الإتفاقيّة ويتمّ التنفيذ على مراحل على أساس ترتيبات متبادلة محدّدة سلفا ً.
- يتمّ وضع النظام الأكثر صرامة ً للرصد حيّز التنفيذ بحيث لا ُيترك أي مجال لإيران للغشّ، شاملا ً عمليّات التفتيش والفحص غير المقيّدة والحرّة وغير المعلنة مسبقا ً وتغطي هذه كلّ منشأة نوويّة.
- يجب أن تتوقّف إيران عن أبحاثها وتطويرها للصواريخ عابرة القارات.
- هذا ويجب أيضا ً تعطيل منشأة فوردو الواقعة بالقرب من مدينة قم وكذلك منشآت أراك لإنتاج الماء الثقيل وإبقائها هكذا تحت رقابة دوليّة صارمة.
- يجب على وحدات الطرد المركزي المحدّدة العدد والعاملة في منشأة ناتانز النوويّة أن تحدّد مسبقا ً كمية ونوعية اليورانيوم المخصّب للأغراض الطبيّة وغيرها من الأغراض السلميّة.
- ينبغي على الولايات المتحدة الأمريكيّة أن تهدف لتطوير استراتيجيّة دفاع إقليميّة، أي بمفهوم مظلّة نوويّة، تغطّي إسرائيل وجميع حلفاء أمريكا العرب في المنطقة وذلك لردع إيران من تهديد أية دولة في المنطقة.
- يجب على إيران إنهاء تهديداتها ضدّ وجود إسرائيل، في حين تلتزم الحكومة الإسرائيليّة بحلّ النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني الذي يعتبر أحد إدعاءات طهران الرئيسيّة ضدّ إسرائيل.
- وأخيراً، ينبغي على نتنياهو أن يخاطب الشعب الإيراني ويميّزهم من حكومتهم السلطويّة المستبدة في محاولة منه لتغيير مفهوم الشعب الإيراني حول إسرائيل، وذلك بتصريحه بوضوح بأنه ليس لدى إسرائيل عداوة تجاه الإيرانيين وأنّ إسرائيل ستكون في غاية الإمتنان لإعادة الروابط التاريخيّة ما بين اليهود والإيرانيين.
ينبغي على نتنياهو أن يتذكّر أنّه مهما كانت الزمرة الدينيّة الحاكمة في إيران مصممة على حيازة الأسلحة النوويّة، فإن بقائهم في السلطة أهمّ، وبالأخصّ إذا عزّزت الصفقة قبضتهم على السلطة وأصبحوا مطمئنين بأن الولايات المتحدة لا تسعى لتغيير نظام الحكم.
إيران قوّة إقليميّة مهمّة وقادرة على لعب دور مدمر أو بنّاء. وقد تفتح الصفقة المحتملة الباب لإيران لكي تصبح لاعبا ً إيجابيّا ً، وهذا بالتأكيد أفضل من أن لا يكون هناك صفقة، الأمر الذي قد يجبر إيران للجوء لأيّ إجراء بغيض من أجل خدمة مصالحها الوطنيّة.
أجل، من المحزن أن نرى نتنياهو يأتي إلى الولايات المتحدة ليلعب بالسياسة بدلا ً من أن يقدّم مساهمة جوهريّة للمفاوضات مع إيران. لقد قامر بالعلاقات الإسرائيليّة – الأمريكيّة فقط لكسب بعض النقاط السياسيّة محليّا ً قبل أسبوعين من الإنتخابات.
إنّه يدّعي بأنه منقذ إسرائيل في حين أنّ كلّ ما يسعى إليه هو إنقاذ مستقبله السياسي.