كاتب المقال: محمد عبد الرؤوف، مؤلف، وباحث يشغل منصب ﺍلمنسق العالمي للمجتمع ﺍلمدني لمجموعة ﺍلبحث العلمي التابعة لبرنامج الأمم المتحدﺓ للبيئة (هذا المقال يعكس وجهة نظر كاتبه، ولا يعبر بالضرورة عن وجهة نظر لـ CNN)
في الثاني والعشرين من مارس من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي للمياه (WWD). يهدف هذا الإحتفال العالمي بالمياه إلى تذكير الناس بأهمية المياه العذبة وتعزيز إستدامة إدارة موارد المياه العذبة. وفي هذا اليوم تنظم العديد من الأحداث، والحملات الإعلامية، والمسابقات، والرحلات إلى الأنهار والبحيرات المحلية في جميع أنحاء العالم للاحتفال في اليوم. إن يوم المياه العالمي لعام 2015 له أهمية خاصة للوطن العربي للأسباب التالية:
- إن موضوع الإحتفال ليوم المياه العالمي لعام 2015 هو "المياه والتنمية المستدامة". فالماء يلعب دورا رئيسيا في التنمية المستدامة. بالإضافة إلى دور المياه في تلبية الاحتياجات الإنسانية الأساسية، تعتمد خطط التنمية على الموارد المائية من حيث النوعية والكمية. وكذلك المياه كمورد، تعتبر بالغة الأهمية للحفاظ على حيوية النظم البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي.
- إن عام 2015 يمثل نهاية العقد المخصص من قبل الأمم المتحدة (2005-2015) بعنوان "المياه من أجل الحياة". والهدف الأساسي من هذا العقد تشجيع التعاون في مجال المياه وخاصة في المناطق التي تشترك نفس المشاكل والموارد كالمنطقة العربية.
- إن محدودية توافر المياه العذبة في العالم العربي بشكل عام تمثل تحديا كبيرا للشعوب وحكومات المنطقة. فالأمطار النادرة جنبا إلى جنب مع ارتفاع معدلات التبخر والاستهلاك، يؤدي إلى العجز في موازنات المياه بالدول العربية جميها تقريباً.
- من الأهمية بمكان أن يحافظ العالم العربي على التنمية وتوفير فرص العمل وتحقيق معدلات نمو مرتفعة لمقابلة الاحتياجات المتنامية للشعوب في جميع مناحي الحياة، فيجب على العالم العربي إتخاذ جميع التدابير والسياسات اللازمة لضمان توافر الموارد المائية للاستخدامات المختلفة للعملية التنموية. خلاف ذلك، من المحتمل جدا أن تواجه المنطقة العديد من المشكلات المحتملة سواء إجتماعية وإقتصادية وأمنية، المتعلقة بتوافر المياه.
تعاني الدول العربية كلها تقريبا من الفقر المائي. حيث تمثل مصادر المياه العذبة 1.1٪ من مجملها في العالم في حين ان سكان الوطن العربي حوالي 5٪ من عدد سكان الكرة الارضية. كما ان حوالي 65٪ من مصادر المياه العذبة السطحية تتأتي من خارج حدود الوطن العربي لاسيما تركيا ، أثيوبيا. ومعظم، إن لم تكن كلها، من الأنهار والقنوات خارج العالم العربي هي موضوع نزاع قانوني أو سياسي. ومتوسط نصيب الفرد سنويا أقل من الكمية الحرجة 1،000 متر مكعب، والتي تستخدم كمؤشر على وجود أزمة المياه المزمنة.
لذلك فان المورد الجيوسياسي الأكثر أهمية في العالم العربي هو المياه، وفي منطقة عطشى للمياه كالعالم العربي وتتشارك في العديد من المشكلات البيئية المشتركة وكذلك المياه الجوفية المشتركة فإن التعاون المائي أمر لا مفر منه للمساعدة في تحقيق الأمن المائي للشعوب، ولضمان إستدامة التنمية.
وفقا لتعريف برنامج الأمم المتحدة للمياه (2013) للأمن المائي بأنه "ضمان إمداد السكان المستدام بكميات كافية من المياه ذات الجودة المقبولة لاستدامة سبل المعيشة، رفاه الإنسان، والتنمية الاجتماعية والاقتصادية، ولضمان الحماية من التلوث عن طريق المياه والكوارث المتعلقة بالمياه، والحفاظ على النظم الإيكولوجية في مناخ من السلام والاستقرار السياسي".
وهذا يعني ببساطة ان الأمن المائي يتناول حماية البيئة ويسعى لضمان الحوكمة الرشيدة للموارد المائية. وتهدف أيضا إلى إنهاء المسؤولية المجزأة على المياه بين مختلف السلطات والبلديات والبلدان والمناطق ... الخ. وذلك يتطلب أيضاً دمج السياسات المائية في جميع القطاعات - المالية والتخطيط والزراعة والطاقة والسياحة والصناعة والتعليم والصحة.
الاستراتيجية الأولى وقبل كل شيء للاستخدام المستدام للموارد المائية هي حماية والحفاظ على الموارد المتاحة. وهذا يدعو إلى حصاد كل قطرة من المياه من خلال تجميع مياه الأمطار، وحماية خزانات التخزين الطبيعية والاصطناعية. إلى جانب تطوير النظم والتكنولوجيات الجديدة، رصد واستخدام خزانات المياه الجوفية، وإعادة التدوير، وتحلية المياه، والابحاث والمشاريع المشتركة للمياه، وإستخدام الطاقات المتجددة في تحلية المياه وحماية النظم التقليدية للمياه مثل الخطارات في المغرب أو الفكارات في الجزائر أو الأفلاج في الإمارات وعمان والسعودية. وكذا استراتيجية لمعالجة الأمن المائي من كل من جانبي العرض والطلب هو ضروري لضمان التنمية المستدامة. فهناك الكثير من الفرص للتعاون بين الدول العربية في العديد من المجالات السابقة المتعلقة بقطاع المياه.
إن الدول العربية بحاجة إلى العمل الدؤوب لتوفير المياه لشعوبها بالنوعية والكمية المناسبة، وهذا بلا أدنى شك سوف يجعل الناس أكثر ارتياحا وخصوصاً أننا شهدناها خلال السنوات القليلة الماضية الكثير من الاضطرابات والنزاعات والمظاهرات في العديد من البلدان وخاصة في منطقة الشرق الأوسط بسبب نقص و/أو تلوث المياه. فالتعاون العربي- العربي كمرحلة أساسية ومبدئية في مجال المياه هي المفتاح لتخفيف خطر حدوث المزيد من الإضطرابات بل وتحقيق الأمن المائي في المنطقة. فالأمن المائي هو الحافز الحقيقي للدول العربية للتعاون الواسع في المشاريع المتعلقة بالمياه.
أصبح الماء سبب رئيسي للصراعات حول العالم. فعندما تعاني من ندرة المياه، هناك صراع للسيطرة على المورد. وهذا يمكن أن يتصاعد بسرعة إلى أعمال عنف وتمييز مثلما شهدنا من نزاعات على الري بين القري والعائلات فى ريف مصر بين الفينة والأخري والاخر من أجل أولوية الري. ومن أهم جذور الأزمة السورية هو نقص المياه الناتجة عن نقص الامطار والجفاف الشديد بين عامي 2006 و 2010 مما أدي لنقص المزروعات والغذاء وهجرة الفلاحين للمدن وبدوره أدي لضغوط شديدة على الخدمات الحضرية وزيادة معدلات البطالة.
وبالتالي يجب أن تكون قضية الأمن المائي والتعاون المائي العربي هي القضية الأولى على رأس جدول أعمال القيادات السياسية فى العالم العربي. ليس هناك أدني شك في أن التعاون في مجال المياه هو خطوة في الاتجاه الصحيح من أجل الاستقرار والسلام والرخاء في المنطقة. إن يوم المياه العالمي هو فرصة مهمة يجب اغتنامها للبدء.
فالماء هو حق أساسي وتوافره لكافة السكان بالكمية الصحيحة والجودة المناسبة هو مظهر للعدالة الاجتماعية والديمقراطية. لذلك فإن نقص المياه يجب أن يكون مفتاح للتعاون بين الجميع على كافة المستويات (محلية واقليمية وعربياً ودولياً) بحيث يؤدي عدم وجود المياه العذبة إلى تعزيز التعاون بين البلدان لا إلى الصراع. وكذا فهم التحديات وبناء الاحترام المتبادل بين الدول والتفاهم والثقة بين الدول وتعزيز السلام والأمن والنمو الاقتصادي المستدام. فيستطيع الباحث القول بكل إطمئنان أن هناك ما يكفي من المياه العذبة بما يفي باحتياجات العالم المختلفة بل والمنطقة العربية والمشكلة الأساسية تتلخص في "الحوكمة الرشيدة وفقدان الثقة ونقص التعاون" وأزمة نهر النيل خير دليل على ذلك.