هذا المقال بقلم الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، وه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
أيام قليلة تفصلنا عن الحفل الذي تقيمه إمارة الشارقة لتكريم المتميزين في الاتصال الحكومي، هذا التكريم الذي يأتي في سياق المبادرات التي تدفع باتجاه أوسع مشاركة من قبل جميع الفئات للإضاءة على التجارب المتميزة التي ستشكل إضافة مهمة للمنظومة العلمية الثقافية لسياسات ووسائل الاتصال الحكومي.
ومن بين هذه الفئات المدعوة للمشاركة، هناك فئة يتركز اهتمامنا عليها بشكل خاص، وهي فئة الشباب الذي له نصيب كبير من هذا التكريم عبر عدد من فئات الجائزة سواء تلك التي تختص بوسائل التواصل الاجتماعي والتي بطبيعة الحال يشكل الشباب أكثر المتداولين والمستخدمين لها، أو تلك التي ستقدم أفضل مشروع تخرج جامعي في الاتصال الحكومي.
إن اهتمامنا الزائد بفئة الشباب، يأتي لجملة من الأسباب التي تمثلها هذه الفئة العمرية من مجتمعاتنا، بل قد يكون القول أكثر دقة، بأن ما يميز هذه الفئة ليس العمر فقط، بل ما يمثله الشباب كقوة أساسية للتطور والتغيير والإبداع والابتكار. هم الأكثر طموحاً وحيوية، ويمتلكون من الطاقات الهائلة التي قد يتسبب تجاهلها بأزمات خطيرة قد تطال أسس وثوابت استقرار المجتمع ككل.
هذه الطاقة التي يمتلكها الشباب، إذا لم توظف في اطار مشاريع التنمية والتطور فلا شك سيتم استغلالها من قبل العابثين وزجها في أتون الصراعات والنزاعات كما هو حال المشهد على المستوى الإقليمي العربي وحتى العالمي.
دائما نتساءل : لماذا تتفجر الصراعات الاجتماعية أو حتى السياسية؟ ما السبب في كل هذا الاحتقان الذي يتحول الى سلسلة محكمة من العنف بين السلطة وبين جيل الشباب على وجه الخصوص؟ وما هو الحل؟... أي كيف يمكننا توفير الدور الملائم للشباب في تحقيق أحلامهم وطموحاتهم من دون أن تصل الأمور الى درجة يخسر فيها الجميع، السلطة والجمهور على حد سواء؟ فالخسارة في الكثير من الأحيان قد تكون بحجم الاهداف التي تسعى أطراف النزاع الى تحقيقها وقد تفوقها أيضاً.
لقد أثبتت التجارب السابقة على المستويين المحلي والإقليمي، أن صناعة المستقبل ورسم مصير الأمة ليس حكراً على فئة دون أخرى مهما كان التباين في طبيعة مسؤوليات وقدرات هذه الفئات، ومهما ادعت أي من هذه الفئات أنها تمتلك الحقيقة والرؤية دون غيرها. هنا لا يجوز احتكار الحقيقة والتفرد بها حتى لو كانت مطلقة، لأن منطق الاحداث السابقة والحالية التي تجتاح الوطن العربي والعالم يقول بوجوب الشراكة في تحديد الحقائق والاتفاق عليها، لكي يتحمل الجميع مسؤولياتهم في تنفيذها ويتاح لهم المجال للإبداع بطرق تطويرها.
سأكون مرتاحاً إلى حد كبير، ولن أشعر بأني أجافي الحقيقة إذا قلت، إن الغضب الجماهيري لا يعود بالضرورة الى أخطاء الحكومات، فالحكومات التي تعرضت لغضب جماهيريها تختلف عن بعضها البعض في سياساتها وقرارتها، لكنها تتشابه في أمر واحد، وهو احتكار القرار والتفرد برسم هذه القرارات والسياسات، مما يجعل الجمهور وفئة الشباب على وجه الخصوص تشعر بأنها مستثناة من عملية صناعة القرار ورسم السياسات التي تحدد لها شكل مستقبلها.
هذا الاستثناء والتغاضي عن حق هذه الفئة التي تمتلك الطاقات المتفجرة، والأفكار المبدعة الجديدة، والحماسة لعيش مستقبل يضمن لها كرامتها، شكل العامل الأساس والحاسم في تفجير الصراعات وتدمير العلاقة ما بين الحكومات وجماهيريها. ليس هناك ما هو أكثر خطراً على جيل شبابنا الذي يفتش عن مساحات من الحرية لتقديم أفكاره والتعبير عن نفسه، من ألا يجد هذه المساحات في بلده ووطنه، وألا يجد شريكاً في هذا البلد يتقاسم معه طموحاته وهمومه وأحلامه. في هذه الحال سيفتش شبابنا حتماً عن هذه المساحة في أماكن أخرى لا ينتمي إليها بشكل حقيقي، وسيصغي إلى كل من يعبر عن تعاطفه معه، حتى لو كان بهدف استغلاله.
إن القانون العام الذي يحكم التشكيلات الاجتماعية المختلفة، هو قانون الحركة الدائمة. لم يعرف التاريخ شكلاً اجتماعياً واحداً، بل أن المجتمعات تدخل في سياق تطورها مراحل مختلفة، قد تكون مؤشر تقدم أو مؤشر انتكاسة وتراجع. هذه الحركة وهذا التطور الاجتماعي يحدثان بشكل مستقل عن إرادة السلطة السياسية، ليس هناك من خيار أمام السلطة إلا أن تكون شريكاً فاعلاً في رسم اتجاهات هذه الحركة وتوجيهها نحو خدمة المشروع التنموي الاجتماعي والاقتصادي. ولكن كيف يمكن لهذا أن يحدث؟.
هنا، لا يكفي القرار المنفرد من قبل السلطة بإشراك الشباب في صياغة مستقبله. على الرغبة في هذه الشراكة أن تكون متبادلة من قبل جميع الأطراف ويجب على الشباب أن يكون مقتنعاً بصدق رغبات قيادته، وهذا يحتاج إلى جهد على مستوى التفاصيل اليومية في النهج الرسمي للسلطة، وتحديدا على مستوى العلاقة مع الجماهير ومؤسسات المجتمع الرسمية والشعبية، بحيث يكون الهدف إجراء تغيير جذري في الثقافة السائدة لهذه المؤسسات. هذا التغيير يعني في محصلته النهائية توسيع القاعدة الاجتماعية المسؤولة عن حماية الوطن والمواطن وصون حقوقه الأساسية والفرعية.
هنا يأتي دور الاتصال الحكومي الذي يجب أن يحقق مبدأين أساسيين من ضمن المبادىء التي يهدف الى أنجازها.
أولاً: على الاتصال الحكومي أن يهيء الظروف والمناخات المناسبة للمشاركة الاجتماعية الفاعلة والحقيقية في رسم السياسات المستقبلية التي تمس مصير الشعوب بشكل عام وبفئة الشباب بشكل خاص.
ثانياً: يجب أن يكون جوهر عملية الاتصال الحكومي دعوة الجميع بدون استثناء وبالأخص الفئات الشبابية للمشاركة في صناعة مستقبلهم. يعني وباختصار شديد، علينا كمهتمين بنجاح هذه العملية أن تكون دعوتنا للأجيال الشابة وأن يكون شعارنا: أيها الشباب أنتم مدعوون للمشاركة في صناعة مستقبلكم.