هذا المقال بقلم مصطفى كامل السيد، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
أعاد إتفاق القمة العربية السادسة والعشرون، على إنشاء قوة عربية عسكرية مشتركة، الأمل في نفوس كثيرين ممن أصابهم الإحباط أن يكون هذا القرار مقدمة لتحويل فكرة العمل العربي المشترك من عبارة فارغة من المضمون إلى واقع حي يمكن تطويره والبناء عليه والإنتقال به من مجال إلى مجال آخر. ويعزز هذا الأمل أن مشروعات التكامل الناجحة في تاريخ العالم هى التى كان دافعها الأول تحقيق الأمن للدول الداخلة فيها أو تعظيم إستفادتها من الروابط الإقتصادية فيما بينها أو الأمران معا. ولاشك أن ذلك واضح في أنجح مشروعات التكامل التى عرفها العالم وهو مشروع الوحدة الأوروبية، وذلك على الرغم مما يواجهه من عقبات في الوقت الحاضر، فالروابط بين الدول الأوروبية تمتد من التعاون العسكرى في إطار حلف الأطلنطى إلى التعاون الإقتصادى في إطار الجماعة الأوروبية. ومع أن التصور النهائي لمشروع القوة العسكرية العربية المشتركة لم يتحدد بصورة نهائية بعد، إنتظارا لإجتماعات رؤساء الأركان العرب في الدول التى وافقت على إنشاء هذه القوة، إلا أن الحماس لهذه الفكرة دفع الكثيرين من الكتاب العرب من العسكريين السابقين والمدنيين المهتمين بالقضايا الإستراتيجية إلى طرح إقتراحاتهم بالنسبة لما يجب أن تكون عليه. وهو أمر محمود بكل تأكيد. نحن لا نقفز إلى ما قاله رئيس وزراء فرنسي شهير من أن أمور الحرب تصل من الأهمية إلى حد أنه لا يجب تركها للجنرالات وحدهم، ولكننا نؤكد أن الجنرالات العرب يمكنهم أيضا أن يستفيدوا مما يطرحه الكتاب العرب من أفكار بناءة في هذا الخصوص. ومما يجب أن يكون موضوعا للنقاش العام هو طبيعة المهام التى ستكلف هذه القوة بتنفيذها، وعملية إتخاذ القرار في إستخدامها، وهيكل قيادتها، ونوعية المهام القتالية التى ستكلف بها، فضلا عن الأوضاع المالية والفنية الضرورية لتشكيل هذه القوة. ويطرح هذا المقال بعض هذه القضايا للنقاش العام.
***
ولعل أهم هذه القضايا هو مسألة طبيعة المهمة التي ستلقى على هذه القوة، فهل هي قوة صنع سلام أم قوة حفظ السلام. الفارق كبير بين المهمتين. حفظ السلام يكون مطلوبا عندما يكون هناك إتفاق بين الأطراف المتصارعة، ويكون من الملائم لحفظ السلام الذي إتفقوا عليه أن تكون هناك قوة ثالثة يقبلونها تشرف على تنفيذ ما إتفقوا عليه، وربما تفصل بين القوات المتحاربة لتحول دون تجدد الصراع المسلح. أما قوة صنع السلام فهي تتدخل لإنهاء الصراع المسلح إما إنتصارا لطرف فيه في مواجهة طرف آخر، وإما لفرض تسوية قد لا تقبلها الأطراف المتصارعة في البداية. مهمة قوات الأمم المتحدة في لبنان هى حفظ السلام الذي وافق عليه طرفان أساسيان هما الحكومة اللبنانية ووراءها حزب الله من ناحية والحكومة الإسرائيلية من ناحية أخرى. وتفصل قوات الأمم المتحدة بين القوى العسكرية لحزب الله والقوات الإسرائيلية وتشرف على تنفيذ إتفاق تم التوصل إليه فى أعقاب الحرب الفاشلة التي شنتها القوات الإسرائيلية في سنة 2006 على لبنان وحزب الله معا. مهمة قوات الإتحاد الإفريقي في الصومال هي صنع السلام بتمكين الحكومة الصومالية من ممارسة مهامها في العاصمة مقديشيو بطرد الميليشيات المسلحة منها ومن مناطق أخرى في الصومال. الفارق واضح بين المهمتين، تسليح قوات حفظ السلام يكون خفيفا وهو بكل تأكيد أقل مما يتوافر لدى الأطراف التى تحاربت وقبلت أخيرا بوقف القتال، وليس من المتوقع أن تدخل في أي قتال. أما في حالة صنع السلام فيجب أن تكون القوات مجهزة للقيام بمهام قتالية تستطيع فيها هزيمة الطرف أو الأطراف التى لا تقبل شروطا للتسوية تسعي هذه القوات إلى فرضها، بل ويجرى إرسال هذه القوات للقتال لفرض هذه التسوية. من الواضح أن حالات الصراع الدائرة في الوطن العربي لا تبشر بأن تكون مهمة قوة عسكرية عربية مشتركة هي حفظ السلام لأن أطراف الصراع في كل هذه الحالات تقريبا يتصورون الصراع على أنه مباراة صفرية تنتهي بانتصار طرف على طرف آخر وقبول هذا الطرف الآخر لهزيمته. هذا هو الحادث في اليمن، وهذا أيضا حتى الآن هو موقف الأطراف الأساسية في الصراع الذى يجرى على أرض سوريا، مثل تنظيمى جبهة النصرة وداعش من ناحية وحكومة بشار الأسد من ناحية أخرى. طبعا التحديات هائلة في حالة قيام القوة العربية المشتركة بصنع السلام، ولكننا نأمل أيضا أن تسفر جهود سياسية مواكبة لعملها في أن تصبح مهامها الرئيسية هي حفظ السلام.
***
القضية التالية في الأهمية هى عملية صنع القرار بالنسبة لإستخدام هذه القوات. هل يكون القرار السياسي بالتدخل في يد مجلس وزراء الجامعة العربية أم تكون هناك دائرة أخرى لإتخاذ القرار تتكون أيضا ربما من وزراء خارجية الدول التى وافقت على إنشاء هذه القوة والمشاركة فيها؟، علما بأن عددا من الدول العربية تحفظت علي إنشاء هذه القوة في مقدمتها الجزائر والعراق ولبنان. أغلب الظن أن القرار بالنسبة لاستخدام هذه القوة ستتخذه هيئة تقتصر على الدول المشاركة فيها، ولكن حتي في هذه الحالة لابد من ضمان عدم إعتراض الدول العربية الأخرى، وإلا سينقلب الأمر إلى حرب باردة عربية أخرى بين هذين الفريقين. صحيح أنه لابد من أن تكون هناك معايير يهتدى بها قرار التدخل، ولكن ليس من السهل لا الاتفاق على المعايير ولا على تفسيرها. الأسهل أن يكون المعيار هو أن يأتي طلب التدخل العسكرى من جانب حكومة معترف بها عربيا، كما هو الحال مثلا في حالة حكومة اليمن التى خلعها الحوثيون، ولكن علي أى أساس يمكن تبرير التدخل العربي المسلح في سوريا مثلا إذا كانت الحكومة التى تواجه ثورة ضدها هى التى كان معترفا بها عربيا ودوليا؟ وهل يمكن أن تتدخل هذه القوات إذا كانت إحدى الحكومات العربية تواجه ثورة شعبية ضدها؟ لو ثار مثل هذا الموقف فى واحدة من الدول التى تشارك في تشكيل هذه القوة مثل الأردن أو المغرب أو البحرين مرة أخرى فهل تستجيب القوات العربية المشتركة لمثل هذا الطلب الذى يضعها في مواجهة مع قطاع كبير من شعب هذه الدولة؟. ربما يكون الأسهل الإتفاق على أن يقتصر التدخل على حالات تدخل عسكرى غير عربي أو مساندة عسكرية غير عربية لقوات غير نظامية في إحدى الدول العربية التى تطلب حكومتها مساعدة القوات العربية المشتركة.
ولا تقل القضيتان الأخريتان في الصعوبة وإن كان حلهما أيسر. قضية قيادة هذه القوات لا يجب أن تكون محلا للتنازع بين الحكومات المساهمة في هذه القوات. طبعا لن ينفرد شخص واحد بإدارة هذه القوات، وإنما على الأرجح سيكون هناك مجلس يضم رؤساء الأركان في الجيوش العربية المشاركة هو الجهاز العسكرى الأعلى في هذه القوات، ولكن لابد له من رئيس. ربما يكون التناوب حلا للحساسيات الوطنية التى لايمكن التخلص منها بسهولة، والأفضل بطبيعة الحال أن يكون هناك رئيس لهذا المجلس من الشخصيات العسكرية العاملة ذات التكوين المتميز والكفاءة في إعداد قوات بلده لتكون على أتم الاستعداد لمواجهة أى طارئ. ويشغل هذا الشخص منصبه لفترة واحدة لا تتجاوز مثلا أربع سنوات لا تتجدد حتى يكون هناك مجال للتناوب ولإفساح المجال أمام اصحاب الرؤى والأفكار الجديدة ولتجنب جمود الفكر في مواجهة أوضاع متغيرة وعام سريع التحول.
***
على أن القضية الأخيرة هنا هي التي تقتضي إجتهادا وخروجا عن الأطر المألوفة للتدريب والمناورة. فأغلب الظن أن التحدي الحقيقي أمام هذه القوة سيكون استخدامها للتصدي لقوات غير نظامية مثل ميليشيات الحوثيين في اليمن، وهناك أمثلة لها في دول عربية أخرى مثل تنظيمات داعش وجبهة النصرة وأجناد مصر وأنصار بيت المقدس وقوات فجر ليبيا. محاربة القوات غير النظامية كان تجربة فشلت فيها القوات الفرنسية وبعدها الأمريكية في فيتنام، ولم تقلل إسرائيل من خطرها عليها إلا بإقامة جدار الفصل العنصرى. الجيوش العربية جرى إعدادها لمحاربة جيوش دول أخرى، ولكنها لم تتلق تدريبا على مواجهة قوات غير نظامية، وهو ما أعيى جيوش دول عديدة في المشرق والمغرب على حد سواء. ولذلك ستكون القضية تلك شاغلا رئيسيا لقيادة هذه القوات العربية المشتركة. ومع ذلك يتمنى كاتب هذه السطور أن يكون وجود هذه القوات في حد ذاته رادعا لمن يريد الإعتداء على إستقلال ووحدة أراضى الدول العربية، فتبقى هذه القوات العربية المشتركة ولكن لا تثور الحاجة لاستخدامها.