الرباط، المغرب (CNN) -- سجل المراقبون للنشاط
الدبلوماسي للمغرب، في علاقاته مع افريقيا، وخصوصا بلدان جنوب
الصحراء، انبعاثا قويا للبعد الديني والروحي في حسابات السياسة
الخارجية للمملكة، المعروفة بارثها التقليدي وثقل الرمزية الدينية في
شرعيتها التاريخية.
وان كانت الدولة المغربية قد حافظت دائماً على حيوية العمق الروحي في
توجيه علاقاتها الخارجية، وفاء لذاكرة مشتركة وكذا بالنظر الى
إمكانيات استثماره في بناء تحالفات سياسية واستراتيجية مع مجموعة من
البلدان التي تستقي مرجعياتها الروحية الى حد بعيد من مراكز مذهبية
وصوفية مغربية، فان هذه العلاقات اكتست في الآونة الأخيرة أبعادا
جديدة هامة، في سياق عودة استراتيجية قوية الى عمق قارة تعاظمت
رهاناتها الأمنية والسياسية وكذا الاقتصادية.
بعد إهمال دام طويلا للمجال الأفريقي، أبدى العاهل المغربي محمد السادس منذ توليه العرش اهتماما خاصا بترميم الجسور مع بلدان افريقيا جنوب الصحراء وإفريقيا الغربية، في جملة من المجالات الإنمائية، لكن الملاحظ أن هذا التوجه تعاظم واتسع تزامناً مع تنامي الأخطار الأمنية وظهور خلايا متطرفة.
في هذا الإطار، استهدف التحرك المغربي العمل على تجفيف المنابع المذهبية والفكرية للظاهرة الإرهابية والتطرف الديني عموما، الذي يمكن أن يشكل تهديدا قادما من رمال الصحراء الافريقية المتحركة، ليس فقط للمغرب مباشرة، بل للدول الحليفة التي تشكل خلفية استراتيجية للمملكة.
ففضلا عن تعزيز برامج وفعاليات دعم الطوائف الدينية والصوفية التي تنهل من مرجعيات الاسلام المالكي والتراث الصوفي السني في المغرب الأقصى، انخرطت الرباط مؤخراً في برامج موسعة لتصدير تجربة إصلاح الحقل الديني التي انطلقت في المغرب اثر هجمات الدار البيضاء عام ٢٠٠٣.
وتجسدت هذه الرؤية مؤخراً حين دشن العاهل المغربي معهدا لتكوين الأئمة والمرشدين الدينيين، يرمي الى تخريج نخب دعوية وفقهية وارشادية، مغربية وأجنبية، متشبعة بالفكر الوسطي المنافي للتطرف العقائدي الذي يفرخ شبابا مرشحا للتورط في شبكات الارهاب المادي.
وكانت الوكالة المغربية للأنباء قد قدمت هذه المؤسسة كآلية "لمصاحبة المملكة في عزمها على إرساء شراكة مع البلدان الإفريقية الشقيقة و الصديقة" لاسيما إثر قرار الملك محمد السادس، القاضي بالاستجابة للطلبات المتعلقة بتكوين الأئمة والواعظين المنحدرين من الدول الإفريقية بالمغرب، كتونس ومالي وغينيا كوناكري والكوت ديفوار، إلى جانب طلبات واردة من بلدان أوربية.
وقراءة في هذا الشق الديني الحيوي من سياسة الرباط، يعتبر الباحث المغربي في الحركات الاسلامية منتصر حمادة، أن الدبلوماسية الدينية للمغرب، توازي باقي الدبلوماسيات الدينية في الساحة الإسلامية، " ونخص بالذكر المشروع السلفي الوهابي المرتبط بالسعودية، والمشروع الصفوي الشيعي المرتبط بإيران، مع فارق أن المغرب لا يسعى إلى تصدير وتنميط باقي أنماط التديّن الإسلامي بالطابع المغربي، بل يتمثل الهدف في تقديم "نموذج ديني عملي، يساعد الجميع في التصدي للتطرف والإرهاب".
وأضاف الباحث في تصريح لموقع CNN بالعربية، "لسنا في حاجة للتذكير بإحدى القواعد السلوكية التي تختزل الشيء الكثير عن التدين التقليدي الروحي الذي يرتبط ببعض الطرق الصوفية في المغرب مثلاً، مقارنة مع التدين السلفي الوهابي، ذلك أن الفاعل الديني الصوفي لا يفجر نفسه، كما أن الصوفي لا يوزع صكوك الغفران، كما هو سائد من التيار الإسلامي الحركي، في شقيه الإخواني والسلفي".
وخلص منتصر حمادة الى القول انه يتعين تأمل دلالة تلقي المغرب لدعوات عربية وإفريقية وحتى فرنسية بخصوص الاستفادة من التجربة المغربية في تدبير الشأن الديني، والتي تتضمن كما هو معلوم تكوين الأئمة والمرشدين، وهي تجربة رائدة في المجال الإسلامي العربي، " وبالتالي من باب تحصيل حاصل أن ينخرط المغرب في توظيف هذه الطلبات لقضاء عدة أغراض، أهمها اليوم، الانخراط في الحرب الكونية على التطرف والإرهاب".