دمشق، سوريا (CNN) -- ليست المرّة الأولى التي يشارك فيها إياد الريماوي بحفلٍ في دار "أوبرا دمشق"، فسبق أن اعتلى خشبة المسرح الكبير أكثرَ من مرّة، كأحد الموسيقيين المؤسسين لفرقة "كلنا سوا" السوريّة الشهيرة (تأسست سنة 1998)، ولكن روّاد الدار كانوا على موعدٍ الإثنين، مع أول حفلٍ يقدّم الريماوي كمؤلفٍ موسيقي، في أمسيةٍ، عزف فيها بمشاركة عازفين بالأوركسترا السيمفونية الوطنية؛ مختاراتٍ من الموسيقى التصويرية التي ألفّها خلال السنوات الماضية، لأعمالٍ مسرحية، وتلفزيونية سوريّة، وعربيةٍ مشتركة.
كذلك لم تكن أمسية الريماوي الموسيقية في "أوبرا دمشق" الوحيدة مؤخراً ضمن قائمة برامج الدار، التي تواصل أنشطتها بالعاصمة السوريّة رغم ظروف الحرب الصعبة، لكنّ تلك الأمسية حظيت باهتمامٍ جماهيري واسع، وشهدت إقبالاً كثيفاً، في ظل طقس دمشق الماطر. واعتبر نفاذ البطاقات في شباك التذاكر قبل أسبوع، والتفاعل الذي حظي به الحدث على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"؛ مؤشراً، لما شهدت عليه CNN بالعربية، من ازدحامٍ سبق الحفل عند مدخل "الأوبرا" في ساحة الأمويين، والطابور الطويل لاستكمال إجراءات التفتيش قبل الدخول، أما داخل الدار فبدا المشهد "سوريالياً"، بالنسبة لمدينةٍ تشهد يوميات حربٍ عاصفة، خاصّةً لجهة حثّ الإدارة الجمهور على الالتزام بـ"بروتوكول" خاص بلباس الحضور (فساتين للسيدّات، وربطات عنق للرجال) وحتى أولئك القلائل الذين لم يلتزمون ببروتوكول اللباس، تم تنبيهم لضرورة الالتزام به في المرّات المقبلة، مع توفير ربطات العنق وإعارتها لمن لا يرتديها.
قرابة الـ 1200 شخص، من شرائح عمرية مختلفة، حضروا الأمسية الموسيقية، والتي استمرّت نحو ساعة وربع، علا فيها صوت الموسيقى على الحرب، وعزفَ فيها الموسيقيون السوريّون، ما اختاره إياد من مؤلفاته للموسيقى التصويرية، من أعمالٍ شهيرة بين العامين 2006 و2014: (قلم حمرة، أرق، لعبة الموت، جرن الشاويش، صمت البوح، مرايا، لو، هذي الروح)، كما غنى الحضور مع الريماوي والمغنية كارمن توكمه جي، على أنغام بيانو حازم العاني؛ (بيّاعة الزنبق) أحد أشهر الأغنيات السورية في العام 2012، والتي تم إنتاجها بشكلٍ مستقل، ونشرها عبر "يوتيوب"، من كلمات الشاعر السوري عدنان العودة.
واعتبر إياد الريماوي، الفرصة مناسبةً لتوجيه رسالةٍ للسوريين من "أوبرا دمشق"، بضرورة أن يغفروا لبعضهم البعض، وتجاوز ما يمرّون به، وكَمَخرجٍ للكارثة التي يعيشونها؛ كلماتٌ قالها المؤلف الموسيقي السوري، عند تقديمه مقطوعة "الغفران" الشهيرة، التي ألفّها لمسلسلٍ يحمل الاسم ذاته في العام 2011 .
وبأغنية "تتر" في مسلسل "الحقائب.. ضبّوا الشناتي" (من كلماته وألحانه)؛ اختتم إياد حفله الموسيقي، بصوت كارمن وصوته، وأنغام آلة "البزق" للموسيقي آري سرحان، حيث وصل تفاعل الجمهور إلى ذروته، مع الأغنية التي حظيت بشعبيةٍ كبيرة، خلال موسم دراما 2014 الفائت، ولاتزال أصداء الأغنية تترد على مسامع السوريين، ومواقع التواصل الاجتماعي، من خلال استخدام صور، تستعيد مأساة الهاربين من الحرب، بأي ثمن، حتى لو كان مصيرهم الغرق بالبحر، قبالة الشواطئ الأوروبية: "سفرنّي عَ أيّا بلد... وتركني.. وانساني... بالبحر ارميني ولا تسأل ما عندي طريق تاني، مو رايح شم الهوا، ولا رايح غيّر جو، بيتي بالضرب هوا، ودخّان الحرب عماني... اتركني حاول مهما كان، أنا بالآخر إنسان... وسميّها نزوح... أو لجوء إنساني..."
لكنّ الريماوي اختار الختام، بالمقطع القائل: "اتركني روح ورح ارجع... لو حتى بالأحلام، يمكن شي يوم ترجع ويهنيني زماني."، كرّره مع الجمهور مرّة ثانية، متمنياً بأن لايغادر هذه البلاد... أي شخص بعد اليوم.