هذا المقال بقلم آمال قرامي، وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
هيمن موضوع الإرهاب على البرامج الإعلامية خلال هذا الأسبوع لا على مستوى تحليل الأحداث الإرهابية مثلما جرت 'العادة' بل على مستوى طرح إشكاليات تتعلّق بطرق تعاطي الإعلاميين مع هذه الظاهرة. ولأوّل مرّة يعبّر الإعلاميون التونسيون عن انشغالهم، وحيرتهم، وقلقهم، ويتجرؤون على التفكير بصوت مرتفع أمام الملأ، معترفين حينا بالمزالق، والتحيّزات، والضغوط الممارسة عليهم، والرقابة الذاتية التي يمارسها البعض، وصعوبة الموازنة بين الحياد، والانخراط في هدف وطني يتمثّل في مكافحة الإرهاب ومدافعين حينا آخر عن مدى وعيهم بالتحديات، وحرصهم على تطوير أدائهم، والتزامهم بالضوابط المهنية.
وبعد أن ظلّ عدد من الإعلاميين طيلة سنوات الانتقال الديمقراطي يتلقّون الانتقادات والشتائم، والصفع ،والركل، ورسائل التهديد، والتكفير بدعوى أنّهم يمثّلون 'إعلام العار' و'إعلام الحجامة' (الحلاقة كناية عن ليلى بن عليّ) ها هم اليوم يكشفون المستور عن الضغوط التي يواجهونها من سلطة تُريد فرض رؤيتها للأحداث أو روايتها الرسمية بدعوى الحفاظ عن المصلحة العامة أو بتعلّة الحفاظ عن الأمن العام. وها أنّ الإعلاميين يناقشون مسائل تتعلّق بسبل إرساء ثقافة حرية التعبير، والتفكير النقدي.
***
من الأهميّة بمكان أن يقوم الإعلاميون بالنقد الذاتي لا في ما يتعلّق بالتعامل مع ملف الإرهاب فقط بل بمسائل مختلفة ذات صلة بالتكوين ، والتأطير، ومحدودية الثقافة، وشيوع الاتكالية، وانسياق البعض نحو البحث عن الإثارة، وتحقيق السبق حتى وإن اقتضى ذلك مخالفة المعايير، والقيم ،والانخراط في "تبييض الإرهاب"، فضلا عن الميل نحو السهولة ،والسطحية إلى درجة أنّ بعضهم كرّس ممارسات تثبّت صورة 'الصحفي الموظّف' أكثر من الصحفي المهني الراغب في الارتقاء بعمله، وتجويد أدائه.
لابدّ من الإقرار بأنّ معهد الصحافة وعلوم الأخبار يحتاج إلى إعادة هيكلة حتى يوفّر تكوينا يلبّي الحاجة الماسة إلى بروز جيل من الإعلاميين المتخصّصين في قضايا الإرهاب، وهو تكوين يشمل التمكّن من فهم تطور الحركات الإسلامية، ودراسات العنف، والسيميولوجيا ، والدراسات الدينيّة المقارنية التي تعالج نشأة الأصولويات ، وغيرها من الاختصاصات. وبالإضافة إلى ذلك لابدّ من تشجيع صحافة الاستقصاء حتى يتمكّن الإعلامي من المقارنة بين الرواية الرسمية التي تمثّل مصدر الخبر، وروايات أخرى تتجاور لتعرض رؤية مختلفة أو متطابقة مع الرواية الرسمية.
وعلاوة على ما سبق يتعيّن على الباحثين الانخراط في إنتاج الدراسات الميدانية التي من شأنها أن تخوّل للإعلاميين تقديم تحليل للظاهرة الإرهابية من مناظير متعدّدة تشمل البعد الاجتماعي، والبعد النفسي، والبعد الديني، والبعد السياسي، والبعد التربوي.... ولئن تأسست الهيئة التعديلية التي ترصد التجاوزات، وتصدر القرارات الرادعة دفعا بالإعلاميين إلى الالتزام بالضوابط المهنية فإنّ الوقت حان لأن تتولّى كلّ المؤسسات الإعلامية إصدار ميثاقها المهني علّها بذلك تثبت أنّها قادرة على إصلاح القطاع.
ينمّ هذا النقاش والجدل حول طريقة التعامل مع الظاهرة الإرهابية إلى أنّ الموضوع لا يطرح في تونس فحسب بل في عدّة بلدان عربية وغربية وجدت نفسها وجها لوجه أمام هذا المارد، مفتقرة إلى رؤية واضحة الدلالة، وغير قادرة على صياغة استراتيجية قابلة للتنفيذ، وهو ما حدا باتحاد الإذاعات العربية إلى تنظيم ورشة أيام 7و8 أبريل في تونس للنظر في وضع الخطوط الكبرى لهذه الاستراتيجية الإقليمية.
ثمّ إنّ الحيرة التي يُبديها عدد من الإعلاميين توضّح الفارق النوعي بين من شغله هاجس إقامة المعادلة بين القيام بواجب الإخبار ومدّ الجمهور بالمعلومة، من جهة، وعدم السقوط في الدعاية للإرهابيين من جهة أخرى، وبين فئة ممن يحتسبون على الإعلام ينخرطون في خدمة 'لوبيات المال والإعلام والفساد، والسياسة'.
***
إنّ فتح حوار عام حول أداء الإعلاميين على مستوى لغة التقارير، والمفاهيم المعتمدة في صياغة الأخبار، وبنية الخطاب، وطرق تغطية الأحداث الإرهابية، وطريقة توظيف الفيديوهات والصور، والتعامل مع ما يُتداول في الميديا الاجتماعية من مادة يبثّها الإرهابيون، فضلا عن ضرورة إفساح المجال للجمهور حتى يشارك في النقاش يُعدّ في تقديرنا، علامة صحيّة، ونقلة نوعيّة في مستوى تفاعل القطاع الإعلامي مع المناخ الجديد ومختلف الأحداث الطارئة. ولكن هل تتوفّر الإرادة والاستعداد والعزم... لدى الإعلاميين حتى يطوّروا قطاعهم؟ وكم عدد هؤلاء الذين يريدون الوقوف ضدّ التيار: تيّار الرداءة؟