دمشق، سوريا (CNN) -- بقدّاسٍ صباحي، وآخر مسائي؛ أحيا أرمن سوريا في دمشق، ذكرى مرور مائة عام على مجازر ما يقدر بمليون ونصف من أجدادهم، على يد السلطات العثمانية، الجمعة.
القدّاسان أقيما بمطرانيتي الأرمن الأرثوذكس مساءً، والكاثوليك مساءً، وتلا القداس الأخير، إقامةُ حفلٍ نظمّه الشباب الأرمني، وحضرته شخصيّات سوريّة، ثقافية، وإعلامية، وسياسية، استعادوا فيه عبر كلماتهم ذكرى "مجازر العثمانيين"، وأنشدت فيه ألحان أرمنية مجدّت ذكرى الضحايا على مدى قرن.
هذه المناسبة التي حضرت CNN بالعربية جانباً منها بحي "باب توما" الدمشقي، أتت ضمن سلسلة فعاليات بعنوان "أتذكّر وأطالب"، بدأت مساء الخميس الفائت، حيث شهد أحفاد ضحايا المجازر الأرمنية السوريون، في مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالعاصمة السورية، نقل مراسم تطويب شهداء "المجازر العثمانية"، ورفعهم إلى مراتب القديسين بنقل مباشر عبر شاشات التلفزة من كنيسة "ايتشميادزين" التاريخية بأرمينيا، وقرعت جميع كنائس الشام أجراسها، مائة مرّة عند تمام الساعة السادسة والربع مساءً تخليداً لأرواح الضحايا، بينما أطلقت محافظة دمشق على الساحة المجاورة للمطرانية، والواقعة عند قوس "باب شرقي" التاريخي؛ اسم "ساحة شهداء الإبادة الأرمنية"، تمهيداً لوضع حجر الأساس يوم الأحد المقبل، لنصبٍ تذكاري خاص سيتم تشييده لاحقاً بالسّاحة.
وفي مساء اليوم ذاته (الأحد) سنتطلق مسيرة لفرق الكشّافة الأرمنية،
تحمل الشموع، من "كنيسة الصليب" بحي "القصّاع" حيث احتضنت هذه
المنطقة، أولّ مخيمّات المهجرين الأرمنيين، وصولاً إلى مقر "مطرانية
الأرمن الأرثوذوكس" بـ "باب شرقي".
عند مدخل قاعة الصلاة بمطرانية "الأرمن الكاثوليك" (الجمعة) استقبلت
السيدّات الحضور، بوضع شارة التضامن مع ذكرى "المجازر المئوية" على
صدورهم، وتحمل الشارة شعار المناسبة، على خلفية زهرةٍ بنفسجية من خمس
بتلات، تشير إلى قارّات العالم الخمس التي يتنشر فيها الشعب
الأرمني.
تنقلنا بين قاعة الصلاة لحضور القدّاس، وساحة المطرانية، التي امتلأت بالحضور، ووسائل الإعلام، بينما كان أفراد فرق الكشّافة الأرمنية من شرائح عمرية مختلفة، يستكملون تحضيراتهم لعرضٍ قصير، يسبق الحفل المنتظر.
وخلال انتظارنا للحفل، تبادلنا الحديث مع الدكتور الصيدلاني رافي بكرجيان، حول المناسبة، ليروي لنا قصّة والد جدّه "أبو سركيس" الطبيب الشعبي الذي تمتّع بشهرةٍ واسعة في "حوران"، بعد أن وصل إلى جنوب سوريا هارباً، بعمر الـ13 عاماً تقريباً، وهو الناجي الوحيد من عائلته التي تعرضت للمجازر على يد "العثمانيين" في "سيس عاصمة "مملكة كيليكيا الأرمنية".
يعرفّ بكرجيان عن نفسه باّنه "مواطن سوري من أصل أرمني"، ولد في دمشق، وكذلك والده الذي تزوّج بـ"عربيّة"، تعلّم الولد من والدته اللغة الأرمنية، أمّا قصص المجازر الأرمنية فحفظها الحفيد عن ظهر قلب، كما رواها له "جدّه العربي."
رافي بكرجيان أعرب لـ CNN بالعربية عن فخره بأنّه أصبح من أحفاد "القديسين" بحسب مراسم التطويب الأخيرة، وقال إنّ "هذا يزيد من تمسكّي بالهوية القومية الأرمنية، وإصراري على المتابعة بالنضال في قضيّة شعبي، وهي قضيّة حق."
وبينما ترفض تركيا المعاصرة توصيف ما حدث مع الأرمن على يد العثمانيين، قبل مئة عام بالـ "الإبادة"؛ يرى محللون أنّ المشاركة الرسمية السوريّة في إحياء "مئوية المجازر الجماعية الأرمنية"، ربمّا تنطوي على توجيه رسالة قاسية للحكومة التركية التي تناصبها العداء العلني، وسط اتهاماتِ دمشق لأنقرة بالتدخل سلباً في مجريات الحرب التي تشهدها سوريا، وإمداد المعارضين السوريين بالسلاح، واحتضان حكومة أردوغان لأنشطتهم السياسية والعسكرية، انطلاقاً من الأراضي التركية.
ويبدو أن الحكومة السوريّة لا تفوت الفرصة، لإرسال رسائلها السياسية، بطرقٍ علنيةٍ واضحة، وأخرى رمزية تستقي أبعادها من الأماكن، كتسمية ساحة في دمشق باسم "ساحة شهداء الإبادة الأرمنية" مؤخراً، كما سبق لها تغيير اسم شارع "الملك عبد العزيز آل سعود" بالعاصمة، ليصبح باسم "هوغو تشافيز" قبل عامٍ تقريباً، في الذكرى الأولى لرحيل الرئيس الفنزويلي الذي كان حليفاً قويّاً لها، بينما انتقل حكّام السعوديّة إلى خانة "الأعداء اللدودين."
وبالعودة إلى مراسم احياء ذكرى المئوية لـ "المجازر الأرمنية"؛ يحضّر الأرمن والسريان في سوريا أيضاً، خلال المرحلة المقبلة، لفعاليّاتٍ شعبيةٍ مشتركة، بمناسبة ذكرى ما يعرف بـ "مجازر سيفو" سنة 1915، حيث يطلق هذا الاسم على سلسلة عمليات إبادة شنّها الجيش العثماني، خلال وبعد الحرب العالمية الأولى، ذهب ضحيّتها ما يقدّر بـ"مليون ونصف المليون أرمني، إضافة إلى نصف مليون سرياني، ومئات الالاف من النازحين."