عمر حمزاوي يكتب .. عن الضحايا!

الشرق الأوسط
نشر
7 دقائق قراءة
عمر حمزاوي يكتب .. عن الضحايا!
صورة للمرشد العام للإخوان المسلمين في مصر محمد عاكف في قفص الاتهام خلال إحدى جلسات محاكمته 3 أغسطس/ آب 2014Credit: KHALED DESOUKI/AFP/Getty Image

هذا المقال كتبه عمرو حمزاوي، استاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، وهو يعبر عن رأي كاتبه ولا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.

(CNN)-- لم نعد نسمع منهم، والقليل نطالعه عنهم. يقبعون خلف الأسوار وخلف الأبواب المغلقة، بعضهم من ذوي الأسماء المعلومة للرأي العام والكثير منهم لا يتابع أحوالهم إلا ذويهم والمحامين المدافعين عنهم.

عنهم جميعا أكتب، دون معايير مزدوجة تمرر نزع كل قيمة أخلاقية وإنسانية عن البعض وترضخ لهيستيريا التشويه والتخوين والعقاب الجماعي بشأن البعض الآخر، عن الطلاب والشباب ومتوسطي العمر وكبار السن، عن المنتمين لجماعة الإخوان ولمجموعات أخرى في اليمين الديني وعن أعضاء حركة 6 ابريل وعن رافضي السلطوية وحكم الفرد والمدافعين عن الأمل في مصر العادلة والديمقراطية، عن المحتجزين والمحبوسين احتياطيا وعن مسجونين بعقوبات أقرتها محاكم مختلفة.

عنهم جميعا أكتب، مذكرا بأنه ليس من المروئة في شيء - ومخاطبي هنا هم عموم المواطنات والمواطنين، ولا من الالتزام بقيم ومبادئ الديمقراطية في شيء - ومخاطبي في هذا السياق هم أصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات.

1- أن نصمت عن حقهم الأصيل في إجراءات تقاضي عادلة ونزيهة.

2- أن نتجاهل حقوقهم الأساسية المتمثلة في صون الكرامة الإنسانية، والامتناع عن المعاملة التعسفية - كالحبس الانفرادي في الحالات التي لم ينص عليها القانون، وإلغاء فترات التريض اليومي دون أسباب، وغيرها، واحترام الخصوصية، والتمكين من التواصل مع الأهل والمحامين ومنظمات حقوق الإنسان دون قيود أو معوقات أو شروط غير مقبولة - كالفواصل الزجاجية التي تحول بين المحتجزين والمحبوسين والمسجونين وبين احتضان ذويهم ولو لدقائق معدودة أثناء الزيارات المقرة والمراقبة.

3- أن نستسلم لتحويلهم إلى مسكوت عنه على المجتمع أن يتناساه، ولا يستدعيه إلى سياقات الاهتمام والمتابعة والوعي إلا لتأييد العقوبات المنزلة بهم أو للتلصص على خصوصياتهم وهم في أقفاص الاتهام أو وراء الأسوار.

4- أن نتنكر لحقهم وحق ذويهم أيضا، وبمعزل تام عن طبيعة الاتهامات الموجهة لهم من قبل السلطات الأمنية أو القضائية وبمعزل أيضا عن انحيازاتنا الايديولوجية والسياسية، في التعبير السلمي والعلني عن رفضهم للمظالم التي يتعرضون لها في أماكن الاحتجاز - ومنها وردت بعض الأنباء المتواترة أخيرا عن جرائم التعذيب، وبفعل الحبس الاحتياطي - الذي ما أن ألغي حده الزمني الأقصى حتى طالت فتراته ليقف بعض ضحاياه اليوم على حافة "عامين كاملين في الحبس الاحتياطي"، وفي السجون – التي كثيرا ما تخفق محاولات ممثلي النيابة العامة التعرف على حقيقة الأوضاع بها، وكثيرا ما يصيب الفشل أيضا مساعي هيئات كالمجلس القومي لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية غير الحكومية لمتابعة أحوال القابعين وراء أسوارها.

5- أن نتورط في الاستعلاء على الواجب الأخلاقي والإنساني في مساعدتهم ومساعدة ذويهم على إسماع أصوات رفض المظالم للرأي العام، والمطالبة العلنية بإيقافها وبمساءلة ومحاسبة المتورطين فيها وفي كافة الانتهاكات من الحبس الانفرادي إلى جرائم التعذيب.

عنهم جميعا أكتب.

لأن خطايا الصمت والتجاهل والاستسلام والتنكر والاستعلاء باتت تتهددنا باستلاب الضمائر، ومحاصرة العقول، وتكميم الأفواه، وشل الأيادي عن تدوين كلمة الحق.

لأن مقاومة السلطوية الجديدة التي أضحت ملامحها الرئيسية من حكم الفرد وعصف بسيادة القانون وطغيان للأمني وإماتة للسياسة حاضرة في تفاصيل حياتنا اليومية وفي مضامين إدارة ترابطات الدولة والمجتمع والمواطن تستدعي ضمائر حية، وعقول نقدية، وأفواه وأيادي لا تخشى في الحق لومة لائم تقدر على تحمل أعباء المقاومة المرهقة للسلطوية التي أبدا لن تأتي قصيرة المدى الزمني.

لأن من بين مقتضيات اكتساب مقاومي السلطوية الجديدة لشيء من القبول والتعاطف المجتمعيين، واستعادة الكثير من أصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات لبعض من مصداقيتهم الأخلاقية والإنسانية – وهذه فقدت إن بفعل "صمت البدايات" عن انتهاكات ما بعد صيف 2013، أو بسبب مقاربات زجت بها الانحيازات الايديولوجية والسياسية وانقلاب نخب فكرية وثقافية وحزبية على قيم ومبادئ الديمقراطية إلى غياهب التعامل مع الانتهاكات بمعايير مزدوجة - تأتي في الطليعة ضرورة الانفتاح على ضحايا الانتهاكات وأصحاب المظالم دون تمييز أو تصنيف والإنصات المخلص لرواياتهم وروايات ذويهم.

***

لأن مقاومي السلطوية الجديدة وأصوات ومجموعات الدفاع عن الحقوق والحريات يحتاجون لأن يذكروا ويذكروا باستمرار بضحايا الانتهاكات والمظالم دون تمييز أو تصنيف؛

أولا لكي يواجهوا بفاعلية ضغوط الالتحاق بأسراب طيور الظلام المبررة للسلطوية والمروجة لمقايضة الحرية والأمن إن طلبا للحماية من القمع والعنف الرسميين أو يأسا متعجلا من فرص التغيير الإيجابي إزاء حكم الفرد وطغيان الأمني على كل ما عداه.

ثانيا لكي يواجهوا أيضا بفاعلية النزوع الكارثي في أوساط جماعة الإخوان وفي بعض خانات اليمين الديني الأخرى نحو الراديكالية والتطرف والعنف ونحو تبرير الإجرام الإرهابي ضد المواطن والمجتمع والدولة واستعداء وتخوين كافة المختلفين معهم بظلامية لا تقل قسوة عن ظلامية تبرير السلطوية وبادعاء ثورية لا يضاهيها في الزيف سوى رفع مطالب وشعارات ديمقراطية وطرح "مبادرات لتوحيد القوى الديمقراطية في مصر" دون ممارسة المراجعة الجادة والنقدية لانقلاب الإخوان وحلفائهم على قيم ومبادئ الديمقراطية بين 2011 و2013.

ثالثا لكي يتغلبوا على وضعية الاستقطاب الحاد الراهنة التي مازالت تمنع البعض من المزج بين رفض الانتهاكات التي تعرض ويتعرض لها الإخوان وحلفائهم منذ صيف 2013 ورفض تورط بعضهم في جرائم وحمل للسلاح وممارسات عنف، بين رفض انتهاك حقوقهم وحرياتهم ورفض الانتهاكات بحق آخرين بين أوساط الطلاب والشباب واليمين واليسار، بين رفض الانتهاكات عموما ومقاومة السلطوية الجديدة بوضوح ورفض الإرهاب والعنف وكافة أشكال التورط في الخروج على القانون، بين رفض انتهاكات الحقوق والحريات ورفض تهديد أمن المواطن وسلم المجتمع وتتماسك الدولة الوطنية.

عنهم جميعا أكتب.

هذا المقال كتبه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، عمرو حمزاوي وهو يعبر عن رأيه ولا يعبر بالضرروة عن رأي شبكة CNN