مقال لفيكتوريا فونتن، أستاذة العلوم السياسية والسياسات العامة في الجامعة الأمريكية بمدينة دهوك، بإقليم كردستان العراق، وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبته ولا يعكس بالضرورة رأي CNN
بغداد، العراق (CNN) -- لم يمر أكثر من شهر على تعهد رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، باسترداد محافظة الأنبار كاملة من يد تنظيم داعش بعد المعارك التي خاضتها قواته للسيطرة على المعقل القوي للتنظيم بمدينة تكريت، وكان البعض يعتقد على نطاق واسع بأن تنظيم داعش بدأ يفقد الأراضي التي يسيطر عليها وأن الضربات الجوية للتحالف الدولي ستلحق به الهزيمة بعد حين.
وقبل أسبوع، كانت وزارة الدفاع الأمريكية متفائلة بنجاح استراتيجيتها في العراق بتوجيه الضربات الجوية لداعش.
لكن المشكلة أن "إنجازات" القوات الدولية والحكومة العراقية تتعارض وتنتهي بإلغاء بعضها، فكلما ساهمت الضربات الجوية الدولية بتحرير منطقة، تكفلت الحكومة العراقية بتخريب الإنجاز من خلال استفزاز السكان الذين يجب عليها استمالة قلوبهم نحوها للانتصار على داعش، ونعني بذلك أبناء الطائفة السنية.
الخسارة الكارثية في الرمادي تؤكد أن محافظة الأنبار هي ميزان حرارة العراق، ويجب تفهم وضعها عوض تصنيفها على أنها مصدر المشاكل، وقد احتاجت القوات الأمريكية لسنوات قبل أن تفهم ذلك وتتعاون بنجاح مع العشائر المحلية ضد تنظيم القاعدة بمدينة الرمادي نفسها عام 2006.
ولكن الحكومة العراقية - حتى الآن – مازالت تعمل وقد عمت السياسات الطائفية أعينها، فعجزت عن فهم ما يتطلبه الأمر لإجراء تغيير سياسي قبل الوصول إلى نقطة اللاعودة. لا يمكن لأي حملة عسكرية جوية أن تلحق الهزيمة بتنظيم إرهابي يعتاش على مظلومية سنية يزعم أن الحكومة العراقية مسؤولة عنها.
اليوم. الوضع الذي يعيشه الجيش العراقي الذي أضعفته الانقسامات السياسية والطائفية في بغداد وصعود المليشيات الشيعية كارثي بكل المقاييس، فعدد الجنود الذين يمكن لهم تقبل التضحية بأرواحهم من أجل أرض لا تقع في مناطقهم – مثل الأنبار – يبدو ضئيلا جدا، كما أن مشاهد فرار جنود الجيش العراقي من الرمادي، ومعهم عناصر من "الفرقة الذهبية" للقوات الخاصة، تثير القلق الشديد.
الفرقة الذهبية، التي تواجه داعش في العديد من المناطق، انسحبت إلى قاعدة الحبانية من أجل التحضير لهجوم مضاد، ولكن تلك الفرقة جزء من المشكلة. منظمة هيومن رايتس ووتش تحمّل تلك المليشيات مسؤولية الانتهاكات بحق السنة بعد عملية تكريت، بما في ذلك إحراق القرى والقتل العشوائي للمدنيين السنة.
وما زاد الطين بلة، أن عملية السيطرة على تكريت لم تتم بعملية عراقية فقط، بل شاركت فيها عناصر إيرانية بقيادة قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، ما مثل بالنسبة للكثير من العراقيين، صفعة على الوجه.
من بين 26 عشيرة في الأنبار، لم تنضم إلى القتال ضد داعش أكثر من خمس منها، أما سائر العشائر فهي مترددة بعدما شاهدت ما فعلته الحكومة العراقية والمليشيات الشيعية بعشيرة الجبوري بمحافظة صلاح الدين، والتي تركت لتواجه مصيرها تحت رحمة المليشيات الشيعية في الضلوعية.
حتى الآن، الوضع في العراق صعب جدا، وخاصة في المناطق السنية، فما أن تضرب القوات الحكومية تنظيم داعش في مكان ما حتى يعاود الظهور من أماكن أخرى.
مقال لفيكتوريا فونتن، أستاذة العلوم السياسية والسياسات العامة في الجامعة الأمريكية بمدينة دهوك، بإقليم كردستان العراق، وهو يعبر عن وجهة نظر كاتبته ولا يعكس بالضرورة رأي CNN.