هذا المقال بقلم إكرام لمعي، أستاذ مقارنة الأديان وهو ضمن مقالات ينشرها موقع CNN بالعربية بالتعاون مع صحيفة الشروق المصرية، كما أنه لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN .
لا شك أن لدينا مذيعين متمكنين من أدواتهم من إعداد و(طله) أو (كاريزما) تجعلك مشدوداً إليهم فى غالب المرات، لكن هؤلاء -أيضاً- تجدهم في مرات قليلة أو نادرة لا يهتموا بإعداد موضوع الحلقة كما يجب أو اعتمدوا على اشخاص ولم يتابعوهم لضيق الوقت. وتراهم عندما يفاجأون بهزالة الإعداد لسبب أو أخر يتحدثون وهم غير واثقين من المعلومات التى لديهم وفى حوارهم يتضح أنهم غير متمكنين من الموضوع. ونحن نغفر لهم ذلك لأن هذا يحدث مرة كل عشر مرات لأننا نستفيد تسع مرات من عشرة تقريباً وهذه نسبة رائعة وهم يفعلون ذلك قطعاً من فرط الثقة بالنفس وهؤلاء لهم تقديرهم عند الجمهور ويحرص كثيرون وأنا منهم على متابعتهم. بعيداً عن هؤلاء لدينا أربعة أنواع من المذيعين :
النوع الأول : أولئك الذين يسيرون فى إتجاه واحد دون توقف أو تردد ، يدافعون عنه و كأنه موضوع حياة أو موت يتفنون فى تقديمه بطريقة أو أخرى، لا يستضيفون إلا من يتبعون إتجاههم ، مستعدون أن يذهبوا لآخر المشوار فى تحديهم حتى لو كلفهم هذا الكثيرهؤلاء أطلق عليهم دائما " مندوبوا مبيعات " فهم لديهم بضاعة يريدون ترويجها يروجونها بسذاجة منقطعة النظيرلدرجة أن مشاهديهم ومستمعيهم ينقلبون على إتجاههم لا لشئ إلا لطريقة الضغط الذى يمارسونه عليهم إنهم أصحاب بضاعة أكيد ليست كاسدة وأكيد هناك من يؤيد وجهة نظرهم و أكيد أنها من وجهة نظر ما مفيدة لكن طريقتهم واسلوبهم والألفاظ المستخدمة تضطر المشاهد أو المستمع أن ينصرف عنهم أولاً وأن يفكرثانياً أن البضاعة المعروضة عليه مضروبة لأن مقدمها لا يقدم وجهة النظر الأخرى وإن قدمها يقدمها ضعيفة واهنة بسخرية شديدة .
أما النوعية الثانية من المذيعين فهم أصحاب الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر وهم بالطبع لا يتحدثون فى الدين كثيراً لكنهم يتناولون القضايا الساخنة و كل ما يفعلونه فى معظم الحلقة هو أن يجلسوا و يقدموا مواعظ و حكم فى القضية التى يطرحونها ويقولون أنهم تنبأوا من عشر سنوات بما يتحقق الآن ولم ينتبه أحد من الأغبياء الذين يسمعونه و يشاهدونه ثم يأخذ وضعاً كأحد العلماء الذى يقدم خلاصة علمه و فكره لبشر لا يستحقون طلته و أنه إذ يتعطف عليهم بهذه الطله عليهم أن يشكروا الله ليلاً ونهاراً ويسبحونه أناء الليل وأطراف النهار لأنه لولا هذا المذيع لتخبطوا فى دياجير الظلام و لساروا فى الحياة لا يلوون على شئ فهو الذى يهديهم إلى سواء السبيل السياسى وهذا المذيع كان من الأفضل أن يضم إلى البرامج الدينية التى تقدم مواعظ و نصائح و فقه دون حوار لأنه من يحاور أو يناقش أو يعترض على " كلام ربنا " ؟ ، لذلك أنصح هؤلاء أن يبدلوا برامجهم بأحاديث دينية وهذه النوعية من البرامج لها جماهيرها الَّضخمة فى بلادنا .أما النوعية الثالثة فهى تَّدعى الحواروتدعو أصحاب الرأى الآخروالمنظر يكون جميلاً و مشجعاً ، لكنك تفاجأ بعد عرض الموضوع مباشرة أنه غير محايد بالمرة و ينحاز لأحد الآراء و يبدأ فى الإستماع إلى أصحاب الرأى الذى ينحاز إليه و عندما يتحدث صاحب الرأى الآخر يقاطعه و يسفهه و يذكر له عظماء لهم رأى يخالفه و يحرجه بالأسماء خاصة إذا كان الموضوع له صبغة دينية فيذكر شيخ الأزهر أو بابا الكنيسة وإذا كان للموضوع صبغة سياسية يذكره برأي رئيس الدولة أو رئيس الوزراء أو أحد المفكرين... إلخ و هذا الأسلوب فى إدارة الجلسة تجعل المستمع أو المشاهد ينحاز إلى الرأى المخالف لأنه يراه مظلوماً فى الحوار ، وأن الحوار ليس عادلاً .
أما النوع الأخير فهو يدعى الإستنارة و التفكير النقدى وقبول الآخر ويرى أن كل المواضيع قابلة للأخذ والرد وأن التفكير العلمى هوالضابط لكل ما يقول ويفعل لكنك تفاجأ به ـ عزيزي القاريءـ يقبل خرافة ما مثل الجن الذى يلبس جسد الإنسان، أوالأعمال السحرية أو الحسد وحجته فى ذلك أن الكتب المقدسة (الإنجيل و القرآن ) تتحدث عن ذلك وتجده فى ذات الحلقة يقدم احد القمم فى موضوع علمى و تحليل منطقى ثم الفقرة التى تليها مباشرة يستضيف من يتحدث عن خزعبلات ، وهو مع الاثنين يمدح و يثنى و يصفق ... كيف ؟؟ لا أعلم .
بعيداً عن كل هؤلاء تأتى إسعاد يونس صاحبة السعادة وأنا أتابعها بانتظام ولم أضبطها مرة واحدة فى حلقة غير معدة بطريقة جيدة جداً ولم اضبطها مرة تعبر عن رأيها بطريقة مبالغ فيها، أجمل وأروع ما فيها أن ردود أفعالها طبيعية جدا، إنها لا تمثل أو تتكلف مثل كثيرين، رغم أنها بدأت ممثلة وأرجوـ شخصياًـ ألا تعود للتمثيل رغم دورها الرائع في فيلم عمارة يعقوبيان.
ولم تبن سعاد منذ البدء برنامجها على الأسماء الرنانة، إنها تنتقى من المجتمع نماذج رائعة لا نعرف عنها شيئاً وتقدمهم باسلوب محترم وبديع وخفة دم دون تجريح.
حاولت أن أتذكر حلقة شعرت فيها بالملل لكي أبدو موضوعياً فلم أنجح، إنها تقبل الآخر دون أن تدعى ذلك وهى محايدة ومشجعة دون أن "تطنطن" بذلك، ترى الضيف مشدوداً وهو يجلس امامها فى بداية اللقاء غير مصدق نفسه لأنه رجل أو امرأة بسيطة وإذ بها وبحرفية شديدة "تفكه" شيئا فشيئاً فينطلق معبراً تعبيراً طبيعياً دون تصنع.
إن ابتسامتها وضحكتها وتشجيعها تنم عن ثقافة واضحة وعمق إنسانى وروح متجددة وإستيعاب مذهل لضيوفها إنها تركز بعمق مع ما يقوله الضيف عكس مذيعين يبدون من تعليقهم أنهم لم يستمعوا للضيف نهائياً.
أكثر ما أغضبنى هو إلغاء برنامجها فى رمضان وهذا الأسلوب يسئ إلى الشهر الكريم أكثر مما يعظمه، فغالبا إلغاء البرنامج كان لحساب هوجة التمثيليات المتشابهة المكررة المواضيع المبالغ فيها، أو لحساب البرامج المملوءة بالتهريج والمغامرات المعروفة مسبقاً، أو لحساب برامج دينية يقوم المتحدث فيها بتأنيبنا و "يشخط" فينا ويعدنا بالنار والثبور وعظائم الأمور.
إن كنا نريد أن نعبد الله فعلاً في رمضان فأنا أرى أن ما تقوم به إسعاد من تقديم نماذج متميزة وتشجيعها لهم وإسعادنا إنما هو نوع من العبادة الحقيقية التي يرضى الله بها ويتقبلها في سعادة من اسعاد التي تسعد عبيده بلا إسفاف ولا تهريج ولا بهرجة.