عمان، الأردن (CNN) -- لا يساور المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إدوين سامويل، الشك بأن تعلم اللغة العربية "العامية إلى جانب الفصحى"، حتى وإن كانت بصيغة "العربيزي" المستخدمة في الرسائل النصية، يشكل مدخلا دقيقا في فهم المشهد السياسي العربي، بما في ذلك "الرسائل الدعائية الإعلامية التي تبنتها الحركات الإرهابية وفي مقدمتها "داعش" خلال السنوات الماضية.
وبخطين متوازيين بين السياسة البريطانية الخارجية - التي يتولى سامويل توضيحها لشعوب المنطقة - وبين اهتمام بلاده بتعلم اللغة العربية، يعرض سامويل لموقع CNN بالعربية، التي التقته على هامش ملتقى خريجي الجامعة الأردنية في العاصمة عمّان، مبررات تحوّل العربية إلى واحدة من أهم اللغات المؤثرة في مستقبل بريطانيا، رغم تواضع نسب المتحدثين بها في البلاد حتى الآن.
ويقول سامويل الذي يجيد العربية وبعض لهجاتها، كالسعودية والسورية، إن اهتمام المملكة المتحدة باللغة العربية ليس حديثا، وأن دراسة أجراها المجلس الثقافي البريطاني مؤخرا، أشارت إلى أنه في السنوات العشر المقبلة ستكون العربية من أكثر اللغات تأثيرا في مستقبل بريطانيا، وفقا لمعايير التبادل التجاري مع الخليج، إلى جانب اهتمام لندن بالتنوع الثقافي والتواصل مع العرب والمسلمين داخل بريطانيا وخارجها في المرحلة السياسية المقبلة.
ويضيف سامويل:" نحتاج إلى إيجاد شريحة طلاب وجيل بريطاني جديد يكون مستعدا ليتعامل مع العرب ومع هذه المنطقة عبر المهارات المناسبة للتفاعل."
وتوفر 15 جامعة بريطانية على الأقل تدريس مادة اللغة العربية كما في جامعات كامبريدج وأكسفورد وادنبره في إسكتلندا، غير أن الحكومة البريطانية تسعى إلى توفيرها في المدارس الثانوية والابتدائية بحسب سامويل، لضمان مستقبل أفضل لبريطانيا، ولتقليل ما اعتبر أنها "فجوة بين الثقافات."
لكن سامويل رأى أن الأرقام التي تشير إلى أعداد البريطانيين القادرين على التحدث بالعربية "مخيبة،" قائلا إن أقل من واحد في المائة فقط من الشعب البريطاني قادر على التكلم "بدرجة كافية لإنشاء حوار أساسي" بالعربية.
وأضاف: "حسب الأبحاث الصادرة عن المجلس الثقافي البريطاني في 2012 فإن اللغة العربية هي الثانية للمصالح على المدى الطويل في بريطانيا وعلاقاتها، والآن أربعة في المائة من المدارس الثانوية العامة توفر اللغة العربية كمادة للتدريس وهذا محبط، لذلك سنعمل على توسيع هذا البرنامج.
ويلفت سامويل إلى أن الجدل الدائر في بريطانيا، حول اللغة العربية، دفع إلى اعتماد تدريس الفصحى منها إلى جانب العامية في الجامعات، ما يسهل عملية التواصل "عبر مواقع التواصل الاجتماعي" ووسائل الاتصال الحديثة، دون أن يخفي مواجهة دارسي العربية، لصعوبات تعليمية، نظرا لاختلاف اللهجات المحكية، وضرورة تعلم "بعض المفردات والمصطلحات" الخاصة بالدين الاسلامي والقرآن، خاصة للعاملين في حقل السياسة مثله.
ولا يخفي سامويل، الذي شرع بتعلم اللغة العربية في الجامعة الأردنية عام 1997، دهشته عندما تلقى أولى الرسائل النصية "بالعربيزي" عند التحاقه بالسلك الدبلوماسي في الشرق الأوسط، وعجز عن فهمها في ذلك الحين، إلا أنه اليوم بات يتقنها كتابة وقراءة، حتى إنه يفضل استخدام "القاف" بلفظها "البدوي" عن اللفظ الشامي على سبيل المثال.
وسياسيا، يذهب المتحدثون الرسميون الغربيون باللغة العربية إلى سبر أغوار اللغة العربية، عبر تشخيص المشهد السياسي العربي وفقا لسامويل، فثمة داعش وثمة ثورات عربية وثمة متطرفون وأحداث محورية شهدها ويشهدها العالم العربي، كحادثة الطيار الأردني معاذ الكساسبة، دفعت حتى إلى الوقوف عند الفروقات في كتابة كلمة "سوريا و سورية".
ويقول سمويل في هذا الصدد، إلى أن نقاشا" شرسا وحيويا" شهدته إحدى الدورات التدريبية للناطقين الرسميين باسم دول التحالف في دبي مؤخرا، حول كلمة "سوريا"، كدلالة على استخدام لفظ "مشحون بالمعنى الطائفي والسياسي"، على حد قوله.
وأضاف :" أكيد عندما أقرأ الكثير من دعاية داعش مثلا هم يستخدمون العبارات والاقوال أو الاقتباسات المشحونة بالدلالات...لذلك نحرص على استيعاب العبارات أو الكلمات التي كانت مستخدمة من القرآن الكريم وهذه الاقتباسات مهمة ."
وبالعودة للسياسة وهمومها، قال سامويل إن تقدم تنظيم داعش في العراق و سوريا لا يعني انتصاره، معتبرا أن المعتدلين العرب في المنطقة يرفضون داعش ويرفضون العودة إلى "العهد المظلم" البعيد عن الحداثة والحضارة.
وقال :" على المستوى العسكري فإن تقدم داعش في العراق حاليا ليس انتصارا في الحرب لأن الحرب تحتاج إلى صبر ووقت لكننا سنفوز لماذا ، لأن المعتدلين العرب في المنطقة يستوعبون أن مستقبلهم لايكون بالعودة إلى العهد المظلم بل بالحضارة والحداثة مختلطة مع تقاليدهم وأديانهم وهذا توازن بين الحداثة والتقليد علينا الوصول له ونحن بريطانيا علينا كذلك... استغرقنا نحو ألف عام لتحقيق هذا التوازن ونراجعه دوريا ."
وتعليقا على تساؤل حول مخاوف بريطانيا على المملكة في ظل تهديد حدودها مع سوريا ومع العراق خاصة عقب سقوط الرمادي، قال سامويل إن بريطانيا تشارك الأردن في مخاوفها وتساعد الأردن في إيقاف عبور المتطرفين والارهابيين إلى الاراضي الاردنية من العراق.
وعن سيطرة المعارضة السورية على جنوب سوريا الحدودية مع الأردن، قال: "الحكومة الأردنية تواجه وضعا خطيرا ولديها ضغوط كبيرة وثقيلة عليها، وونعتبر تعايش الأردن مع الوضع القائم رغم كل التحديات ورغم ثقل اللاجئين معجزة لنا في بريطانيا.. الحكومة البريطانية تقوم بعمليتها الانسانية الأكبر في تاريخها نحو اللاجئين الموجودين في الأردن وستستمر في هذا."
أما عن الأطراف المعتدلة التي تدعو بريطانيا إلى التنسيق معها خاصة من قوى المعارضة السورية، قال: "لن أعلق على الاسماء لكن الجريمة الشرسة ضد الشهيد الأردني (الطيار معاذ الكساسبة) كانت لحظة محورية ودلت على وجود وهيمنة الاعتدال في المجتمع الأردني وفي بلاد الشام بشكل عام."