هذا المقال بقلم د. ألون بن مئير، وهو لا يعبر بالضرورة عن رأي شبكة CNN.
لا أحد يستطيع أن ينكر الصداقة الوثيقة، الملزمة، التي لا نظير لها ما بين الولايات المتحدة وإسرائيل. لقد خدمت هذه الرابطة القويّة جدّا ً كلا البلدين، وبالأخصّ إسرائيل التي استفادت سياسيّا ً واقتصاديّا ً وعسكريّا ً من الدّعم الأمريكي الثابت واللامحدود الذي ساعد إسرائيل أن تصبح قوّة لا يُعلى عليها في الشرق الأوسط. ولكن يبدو الآن بأن هذا الدّعم الأمريكي الجليّ وتلك الصداقة التي لا مثيل لها قد مكّنت إسرائيل في أن تترسّخ أكثر في الضفة الغربيّة عن طريق بناء وتوسيع المستوطنات ومصادرة أراض ٍ فلسطينيّة، الأمر الذي يجعل من إمكانيّة تحقيق السلام أكثر بعدا ً من أي وقت ٍ مضى.
فبصرف النظر عن الحروب والصراعات المسلّحة التي تجتاح المنطقة منذ نشأة إسرائيل، فقد حافظت الولايات المتحدة على يد ٍ ثابتة في دعمها لإسرائيل، حتّى على حساب مصالحها الإستراتيجيّة في المنطقة.
تحمل الصّداقة معها – قبل كلّ شيء – أكانت بين دول أم أفراد، مسؤوليّة أخلاقيّة والتزام لتقديم المساعدة والنّصح والموارد والحماية حسب الحال. ولكن تنشأ مشكلة أخلاقيّة – على أية حال – عندما يدرك أحد بأنه بدلا ً من مساعدة صديق له فإنه يسمح لهذا الصّديق في الواقع، أو يمكّنه، من إلحاق الأذى بنفسه. لنأخذ مثالا ً أو تشبيها ً بسيطا ً على ذلك: إذا كان صديقي مدمنا ً على المخدرات، تأتي لحظة يصبح فيها إعطاؤه نقودا ً (في وضع إسرائيل والولايات المتحدة: تزويد إسرائيل بالمساعدة العسكريّة والدّعم الإقتصادي وبالأخصّ التغطية السياسيّة ) مساهمة بشكل ٍ مباشر في استمرار هذه العادة المدمّرة. يجب عليّ بالضبط في هذه الحال وباسم الصداقة التي تربطنا أن أرفض إعطاء صديقي المدمن هذا ما يرغبه بشدّة. لم تكن مثل هذه السياسة، سياسة "الحبّ القاسي"، سهلة أو مرضية أبداً، وهي بالتأكيد سياسة غير محبوبة كما قال عنها نيتشة:"أصعب شيء هو أن تقفل اليد المفتوحة بدافع الحبّ..."
إنّ العلاقات الأمريكيّة – الإسرائيليّة في الوقت الحاضر عند أدنى مستوى تاريخي لها لأنّ أوباما أراد أن يظهر شيئا ً من "الحبّ القاسي" بممارسة ضغط ٍ محدود على إسرائيل لتعليق النشاط الإستيطاني. ومن باب السخرية هنا أنّه في الوقت الذي تعتقد فيه الولايات المتحدة بأن السّلام الإسرائيلي – العربي سيوفّر لإسرائيل الأمن النهائي الطويل الأمد، غير أنها لم تمارس ضغطا ً كافيا ً على إسرائيل للسعي وراء السّلام، الأمر الذي يتطلّب بالضرورة القيام بتنازلات جوهريّة.
كلّ يوم تسمح فيه الولايات المتحدة باستمرار الإحتلال تعرّض فيه بدون قصد أمن إسرائيل القومي للخطر، هذا بالرغم أنها ملتزمة بالحفاظ على هذا الأمن بالذات. إسرائيل تحفر نفسها في الوحل أعمق فأعمق، هذا في حين تبقى الولايات المتحدة حاميها وإمكانيّة التوصّل لحلّ الدولتين تصبح أكثر ضعفا ً وأقلّ احتمالاً، الأمر الذي يهدّد وجود إسرائيل كدولة يهوديّة وديمقراطيّة.
يجب على الولايات المتحدة ألاّ تعطي إسرائيل بعد اليوم صكّا ً (شيكا ً) مفتوحا ً على أمل أن تستخدمه إسرائيل بحكمة. لقد فشلت إسرائيل في هذا الإختبار وتصبح الولايات المتحدة نتيجة لذلك شريكا ً في سياسات إسرائيل المدمّرة ذاتيّا ً. ونظراً لأنّ للولايات المتحدة حصّة معنوية وأخلاقية ومادية في خير وسلامة إسرائيل وملتزمة ً في الحفاظ عليها، يجب أن تكون قادرة ً على تشكيل سلوك إسرائيل والتأثير عليه، وبالأخصّ فيما يتعلّق بصراعها مع الفلسطينيين.
هناك من يقول بأن إسرائيل دولة ذات سيادة ولا تستطيع أية دولة أخرى، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تملي عليها ما تفعله أو ما لا تفعله. ولكن المشكلة هنا هي أنّ إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة سياسيّا ًوعلى حماية أمنها الوطني بشكل ٍ خاصّ، ولذا لا تستطيع في نفس الوقت أن تتحدّي الولايات المتحدة وتستمرّ في توقّع هذا الدّعم الغير مشروط.
وعدا عن الضرر الذي سبّبته سياسة الولايات المتحدة الحاليّة لمصالح أمن إسرائيل القومي، فقد فقدت الولايات المتحدة الكثير من مصداقيتها في المنطقة. وتتهم الدول العربيّة الولايات المتحدة بعدم نزاهتها في التعامل مع الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني وتذهب لحدًّ يقول بأن أمريكا في جيب إسرائيل.
إنّ حلّ الصّراع الإسرائيلي – الفلسطيني في وضعه الحالي صعب جدّا ً ومثقّل أكثر فأكثر بالحسابات والمطالبات التاريخيّة والدينيّة. وكلّ يوم يمضي على هذا الصّراع بدون حلّ يجعله مستعصيا ً أكثر من أيّ وقت ٍ مضى.
يعتقد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ بإمكانه تحدّي الولايات المتحدة بدون عقاب. وبإمكان المرء أن يعتمد عليه (خلافا ً لتصريحاته العلنيّة) في أنه لن يدّخر جهدا ً لإعاقة قيام دولة فلسطينيّة. أقول فقط عندما تغيّر الولايات المتحدة سياستها وتكون مستعدّة لممارسة ضغط سياسي على إسرائيل بشكل ٍ رئيسي، حينها ستكون الولايات المتحدة قادرة فقط على إنقاذ إسرائيل من مسارها المدمّر.
يجب على الولايات المتحدة الآن أن تعمل يدا ً بيد مع حلفائها الأوروبيين والعرب للخروج بقرار ملزم من مجلس الأمن الدّولي يُجبر كلا الطرفين، الإسرائيليين والفلسطينيين، على الجلوس على طاولة المفاوضات والتوصّل لاتفاقية سلام. وإذا رفضت إسرائيل الإلتزام بهذا القرار أو التفاوض بنيّة حسنة، ينبغي حينئذ ٍ على الولايات المتحدة أن تسحب غطاءها السياسي، معرّضة بذلك إسرائيل للإستنكار الدولي.
يأخذ نتنياهو، مثل معظم الإسرائيليين، وبكلّ بساطة الدّعم السياسي الأمريكي كأمر مفروغ منه. ولكن عندما يدرك أنّه لا يستطيع أن يفعل ذلك بعد الآن، عليه أن يأخذ بنصيحة الولايات المتحدة ويقوم معها بوضع خطط جديدة تدفع عمليّة السّلام إلى الأمام، أو يستقيل.
وحيث أن حكومة الإئتلاف الحكومي اليميني المتطرّف بقيادة نتنياهو لن تقبل تحت أي ظرف ٍ كان قيام دولة فلسطينيّة، فإنها ستنحلّ تحت الضغط الدّولي، وبالأخصّ الأمريكي.
لا لزوم للقول بأنني لا أعني بذلك بأي حال ٍ من الأحوال إعفاء الفلسطينيين من الإلتزام بمسؤوليتهم في التفاوض بجديّة والقيام بالتنازلات اللازمة، مهما كانت هذه مؤلمة، بهدف التوصّل لاتفاقيّة.
على الرئيس أوباما، شأنه شأن جميع أسلافه الذين دعموا إسرائيل بإخلاص، الإلتزام والمسؤوليّة الأخلاقيّة في أن يطلب من إسرائيل أن تستأنف المفاوضات بجديّة. وبالرّغم من أنّ إسرائيل قد تمتّعت حتى الآن بدعم ٍ سياسي هائل من الكونغرس والشعب الأمريكي، إلاّ أنّ هناك تحوّل واضح في أوساط الرأي العام والقادة السياسيين نحو وضع المسؤوليّة على إسرائيل. هذا الصراع المضني، الذي استمرّ حتى الآن سبعة عقود من الزمن والذي زعزع استقرار منطقة الشرق الأوسط بأكملها ويستمرّ في تغذية الجنون العنيف والزاحف فيها، يجب أن ينتهي الآن.
ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون واضحة ً بشرحها للشعب الإسرائيلي بوجه ٍ خاصّ بأن الوقت ينفذ. فإذا استمرّت إسرائيل في بناء مستوطنات جديدة وتوسيع أخرى قائمة، فإنها ستقوّض بشكل ٍ خطير وسريع فرصة حلّ الدّولتين.
على إسرائيل أن تختار الآن ما بين أ) بقائها دولة يهوديّة وديمقراطيّة بإنهاء الإحتلال وخلق دولتين، أو ب) أن تصبح دولة ديمقراطية يشكّل فيها الفلسطينيّون الأغلبيّة الحاكمة، أو ج) أن ينتهي بها الأمر وتصبح دولة أبارتهايد (دولة تمييز عنصري) خاضعة للإدانات والعقوبات الدوليّة ومعزولة عن المجتمع الدّولي.
ولا يعني التغيير في السياسة الأمريكيّة تجاه إسرائيل بأي حال من الأحوال أن تصبح الولايات المتحدة أقلّ التزاما ً بأمن إسرائيل القومي. لا بل على العكس من ذلك، بسبب التزام الولايات المتحدة الذي لا يتزعزع تجاه إسرائيل، يصبح لزاما ً عليها من الناحية الأخلاقيّة – المعنويّة والماديّة أن تنهي تمكينها لإدمان إسرائيل في بناء المزيد من المستوطنات ومصادرة المزيد من الأراضي وإبقاء الإحتلال، وجميعها عوامل ستدمّر إسرائيل كما نعرفها.
أجل، بإظهر "الحبّ القاسي" تستطيع الولايات المتحدة أن تفي بالتزامها الأخلاقي لخدمة أمن إسرائيل القومي على أحسن وجه والحفاظ عليها كدولة يهوديّة مستقلّة وديمقراطيّة، وهذه بالنسبة لجميع الإسرائيليين تقريبا ً أعزّ حلم ٍ يتوقون إليه.