كاتب المقال: باسم عوض الله، استلم رئاسة الديوان الملكي الهاشمي، كما تسلم إدارة مكتب الملك عبدالله الثاني، من عام 2006 لغاية عام 2008، وعمل وزيرا للمالية عام 2005 وهو المدير التنفيذي الآن لشركة "طموح" الإستشارية .. (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
يبدو الأردن لبقية العالم وكأنه واحه أمن وأمان وسط منطقة العديد من دولها مشتعلة بالحروب والصراعات والعنف والقتل. ولكن إذا تعمقنا داخله قليلا، فسوف نجد أن هذا البلد يواجه تحديات كبرى لم يسبق لها مثيل.
وبحكمة قيادته وشعبه لطالما كان الأردن قادرا على تجاوز الصعوبات ، ولكن في واقع الأمر، عدم الاستقرار الإقليمي واستمرار الضغوط المحلية تعني ان البلاد تواجه مخاطر حقيقية وأوضاعا صعبة..
داعش: الهدوء الذي يسبق العاصفة؟
التغييرات والصراعات العميقة في المنطقة وخاصة في سوريا والعراق - وهما تاريخيا أهم شريكين تجاريين للأردن –جعل مستقبل منطقة الشرق الأوسط قاتماُ أكثر من أي وقت مضى.
هذه الحروب، بالإضافة إلى حالة الشلل في الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، قد وضعت ضغطا هائلا على الأردن. ظهور داعش وسيطرته على مناطق واسعة في سوريا والعراق ساهم في تفاقم المخاطر الأمنية في الأردن، وقاد البلاد نحو حملة عسكرية ضمت التحالف الدولي الذي تفوده الولايات المتحدة الأمريكية، لدحر الجماعة الإرهابية. في الواقع، الأردن يرى أن الحرب ضد داعش هي حرب أيديولوجية داخل الإسلام، كما يدرك أيضا التهديد المحتمل الذي يشكله داعش على الأمن العالمي.
اكتمل العدد: كم من لاجئ بعد؟
أدت الحروب في المنطقة الى اضطرابات بشرية هائلة لم يسبق لها مثيل. وقد جسدت الأوضاع والمستجدات في الأردن حجم التحديات الاقتصادية والسياسية التي يمكن لأحداث في بلد أن تفرضها على آخر.
يستضيف الأردن 1.3 مليون لاجئ فروا من حرب أهلية وحشية طالت مدتها أربع سنوات أتت على الأخضر واليابس بسوريا. وفقا للحكومة الأردنية، تقدر تكلفة اللاجئين عام 2015 بحوالي نحو 2.9 مليار دولار أمريكي (ثمانية في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في الأردن). ولا تزيد النسبة التي غطاها المجتمع الدولي عن 5.5 بالمئة منه فقط (حتى إبريل الماضي).
وقد وضع هذا التدفق ضغوطاً هائلة على الخدمات العامة، حيث التحق 140 ألف طفل سوري بالمدارس الحكومية التي هي مكتظة بالأصل، وارتفعت تكاليف السكن في الشمال بنسبة مذهلة بلغت 300 بالمئة، وفقا للحكومة الأردنية.
ومع وجود أكثر من 200 ألف عامل سوري - يشكلون حوالي 10 بالمئة من القوى العاملة في الأردن – مستعدون للعمل بأقل من أجور السوق، تزداد الضغوطات على سوق العمل.
القضية الفلسطينية
لا يكاد يمر يوم في الأردن دون التذكير بأن السبب الرئيسي لعدم الاستقرار في المنطقة هو القضية الفلسطينية.
لا يوجد أي بلد آخر مثل الأردن يرتبط سياسيا واجتماعيا وديموغرافيا، وتاريخيا، وجغرافيا مع فلسطين، كما أن الديناميكيات السياسية في الأردن هي الأكثر تأثرا بمحنة الفلسطينيين المستمرة.
إن عدم إحراز تقدم بشأن إنشاء حل دولتين والمعاناة الإنسانية على الأراضي الفلسطينية لا تزال تثقل كاهل الأردن ولا سيما فينا يخص مصير أكثر من 1.8 مليون لاجئ فلسطيني مسجل في الأردن.
أين هي فرص العمل؟
منذ عام 1948، وخاصة بعد عام 1967، ألقى عدم الاستقرار السياسي الناجم عن الصراع العربي الإسرائيلي بظلاله على التنمية الاقتصادية في الأردن.
وعلى الرغم من كل هذه القيود، فإنه من الصعب أن يصنف ما حققه الأردن من إنجازات وتقدم في الربع الأخير من القرن الماضي سوى أنه قصة نجاح نتجت عن إصلاحات اقتصادية أدت الى زيادة الناتج المحلي الإجمالي بمقدار ثماني مرات بين 1990 و2014 بينما بلغ متوسط معدل النمو الاقتصادي 7 بالمئة في العام ما بين عام 2000 و2008، وفقا للبنك المركزي الأردني.
ولكن منذ ذلك الحين، تباطأ النمو وتضاءل الاستثمار الخاص نتيجة للأزمة المالية العالمية عام 2008. وعلى الرغم من تحقيق الاستقرار المالي النسبي ما زال الأردن يعتمد على المساعدات الخارجية.
قد تكون البطالة هي أكبر المشاكل في نهاية الأمر. أكثر من سبعة من كل 10 أشخاص في الأردن هم تحت عمر 29. ويحتاج الاقتصاد لتحقيق نمو يزيد عن 6% سنوياً لاستيعاب الأعداد المزايدة من الداخلين لسوق العمل، في حين تتراوح معدلات النمو الحالية بحوالي 3% وهو ما يشكل تحديد إضافي قد يؤدي لارتفاع معدل البطالة وتفاقم الأزمة
لماذا نحتاج الى عملية إصلاح ذات مصداقية؟
بالنسبة للكثيرين في الأردن، الإصلاح الاقتصادي هو ضروري ولكنه ليس كافياً للنجاح. كما هو الحال في العديد من البلدان النامية الأخرى، الانتقال من النظام الريعي إلى مجتمع مدني شامل وحديث سيكون عملية طويلة وصعبة.
في الأردن، الفقير بالموارد الطبيعية هذا لن يكون مهمة سهلة. كما أن الاعتماد على المساعدات الخارجية يجعل شروط المانحين مهمة جدا للتغيير. ولكن من ناحية أخرى، الشروع في إصلاحات اقتصادية هامة دون ترسيخ مبادئ أفضل للحوكمة وخاصة الحريات السياسية والمساءلة والمحاسبة يكاد يكون مستحيل في أي مكان.
المشكلة هي أن تدابير الإصلاح غالباً ما تعارض ويُنظر إليها على أنها تهديد وجودي من قبل التيارات المحافظة في البلاد. ولذلك فمن أجل أن تكون عملية الإصلاح في الأردن عملية ذات مصداقية وكاملة وناجحة، لا بد من وجود توافق وطني لتحديد المستقبل.
الأجندة الوطنية التي تم إعدادها عام 2005 شكلت محاولة لإحداث العديد من الاصلاحات الاقتصادية والسياسية ، لكن نتائجها كانت أقل من المطلوب لافتقادها القبول الداخلي المطلوب. لتحقيق أي عملية إصلاح بنجاح، يجب التوصل إلى توافق في الآراء بين جميع الأطراف لرسم الطريق إلى الأمام.
كلما سارعت الدولة ونجحت في خلق إجماع وطني لجهودها الإصلاحية، كلما سهلت معالجة تطلعات شبابها ووفرت لهم الفرص بغض النظر عن القيود والعقبات التي قد تعترض عملية الاصلاح. وهذه العقبات لا يقتصر وجودها في الأردن بل في كافة الدول العربية.