بعد الاتفاق النووي.. هل تصبح إيران مفتاح الحل لأزمات الشرق الأوسط؟

الشرق الأوسط
نشر
8 دقائق قراءة
تقرير عامر السبايلة
بعد الاتفاق النووي.. هل تصبح إيران مفتاح الحل لأزمات الشرق الأوسط؟
Credit: CARLOS BARRIA/AFP/Getty Images

كاتب المقال: عامر السبايلة (هذا المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه، ولا يعكس في أي حال وجهة نظر لـ  CNN)

لم يشكل توقيع الاتفاق النووي بين ايران و ٥+١ اي مفاجأة لمعظم المراقبين. فالمفاجأة الفعلية كانت بالتحول اللافت في العلاقة بين الغرب وايران منذ وصول الرئيس روحاني الى الحكم وانتقال طهران الى مرحلة صياغة التفاهمات الجديدة مع الغرب.  بالرغم من انجاز ما يعتبره البعض انتصاراً دبلوماسياً ايرانياً الا انه من الصعب ان تشهد المنطقة  تغييراً جذرياً في شكل العلاقات في المنطقة او ان تدفع دول بعينها ثمناً لهدا الاتفاق. فالاتفاق في جوهره هو اعلان بدء لمرحلة جديدة تستدعي من الجميع التعامل معها بحكمة و بعد نظر.

كثيرة هي التحليلات والتوقعات التي قدمها و يقدمها المحللون خصوصاً بعد ان اصبح الاتفاق أمراً واقعاً. لكن يبقى المعنى السياسي للاتفاق والذي لا يمكن الالتفاف عليه هو الاهم، انه باختصار اعلان انهاء حالة العداء الدولي لايران وعودتها الى حظيرة المجتمع الدولي كطرف فعال وشريك اساسي في كثير من القضايا. اما القراءة السياسية الاهم فلابد ان ترتبط أيضاً بما تملكه ايران من اوراق استراتيجية على الارض تجعل منها شريكاً اساسياً في ترتيب مجمل ملفات المنطقة، خصوصاً بعد توسع رقعة النفوذ الايراني والتي تمت عبر صياغة شراكات استراتيجية حقيقية فعالة ومؤثرة في المعادلة الشرق اوسطية.

منذ سقوط النظام العراقي في عام 2003  صبت معظم التحولات السياسية في المنطقة في مصلحة طهران. في المقابل بقي الخطاب العربي الذي تصدره محور حلفاء الولايات المتحدة مبيناً على فكرة اولوية مواجهة ما يسمى المشروع الايراني، لكن لم تخرج ادوات المواجهة العربية هذه عن اطار التخويف و التحشيد الطائفي و العداء و الذي انتهى اليوم بانتشار حالة العنف و التحزب الطائفي تحت غطاء ما يسمى "الشيعة و السنة". العقلية الاستراتيجية الايرانية لم تأبه لحجم العداء و الضغوطات التي تعرضت لها حتى عندما وصلت هذه الضغوطات اوجها بتلويح ادارة الرئيس جورج بوش بتوجيه ضربة قاصمة لايران. الملفت ان الدبلوماسية الايرانية لم تتوقف عند كل هذه التهديدات و اظهرت مرونة سياسية و دبلوماسية عالية قادرة على مواكبة التحولات الدولية و التي تجلت في خروج ادارة (احمدي نجاد) المتشددة التي واكبت فترة التصعيد و حلول ادارة روحاني المعتدلة المواكبة لشكل التحولات في الادارة الامريكية.  في السنوات الثلاثة الاخيرة اظهرالايرانيون قدرة دبلوماسية عالية و مرونة سياسية قل نظيرها. فالدبلوماسية الايرانية  قامت بارسال كثير من الرسائل الايجابية و اطلقت مبادرات تقارب متعددة تجاه خصومها. اما المعطيات الاستراتيجية التي صنعتها السياسة الايرانية في المنطقة و حافظت عليها  تحولت اليوم لتصبح جزءاً من اوراق طهران الاستراتيجية في المنطقة و التي تضمن للايرانين مساحة كبيرة للتعاطي مع المجتمع الدولي. لهذا يجلس الايرانيون بعد توقيع الاتفاق النووي كشريك أساسي للغرب و يستعدون في نفس الوقت لانطلاق مرحلة الانفتاح بعد انهاء العقوبات.

التحول في صورة الدور الايراني

مع اندلاع الاحداث في سورية و دخول المنطقة في مرحلة التوسع الارهابي و ظهور تنظيم داعش فاجأ تقرير الاستخبارات الامريكية معظم المراقبين بحذف ايران من قائمة التحديات الارهابية التي تواجه الولايات المتحدة باعتبار ان ايران تقوم بدور مهم في  مكافحة التنظيمات الارهابية بما فيها تنظيم داعش. اللافت ان مثل هذه التطورات واكبتها توجيه اتهامات مباشرة لبعض الدول الحليفة للولايات المتحدة و العدوة لايران بخصوص ارتباط هذه الدول بتمويل الارهاب و تغذيته في المنطقة.

يضاف الى ذلك ان هذا التحول في طبيعة التعاطي مع ايران جاء بعد فترة من التوجس عاشتها دول المحور الامريكي في المنطقة بعد أحداث ما يسمى الربيع العربي و طبيعة تعاطي ادارة أوباما مع حلفاء الولايات المتحدة و من ثم الانقلاب التام في مفهوم مواجهة ايران من العداء الى الاحتواء و لاحقاً الى الشراكة مما يبرر مخاوف هذه الدول و قلقها من شكل التحولات في العلاقة بين الغرب و ايران، الامر الذي لابد ان يمون له انعكاسات في نمطية و شكل العلاقات بين دول المنطقة سواء في العلاقة المستقبلية مع ايران او مع الولايات المتحدة نفسها.

ما هي الملفات المرتبطة بتوقيع الاتفاق مع ايران؟

كثيرة هي التقديرات السياسية التي تفترض انعكاساً ملموساً للاتفاق النووي على ملفات مهمة في المنطقة مثل ملف الازمة السورية والاوضاع في لبنان والعراق واليمن باعتبار حجم النفوذ الايراني الكبير ضمن هذه الملفات. النظرة المنطقية للامور تشير الى رغبة المجتمع الدولي بايجاد شريك حقيقي و فعال قادر على المساهمة في ايجاد حلول لمجمل قضايا الشرق الاوسط وازماته التي باتت اثارها تطال الجميع. ان حجم التعقيدات في مجمل الازمات في المنطقة تثبت استحالة ان يكون الحل فقط في يد طهران. فمعظم الحلول تحتاج اليوم الى شركاء حقيقيين مؤمنيين بخطورة استمرار هذه الازمات و ضرورة ان يتم انهاءها بأسرع وقت. من هنا، يقدم موضوع مكافحة الارهاب عامل توحيدي يمكن البناء عليه لصياغة تفاهمات مستقبلية بين الاطراف المتضادة من اجل بناء استراتيجية مواجهة "تنظيم داعش" و التي قد تكون على راس سلم الاولويات، الامر الذي  قد يقود ضمنياً الي التعامل مع تطورات الملف السوري و العراقي بطريقة جادة تهدف الي ايجاد صيغة جادة لانجاز حلول سياسية تساعد على انهاء الازمات المتفاقمة في البلدين.

ما هو المطلوب عربياً؟

بينما تصل مرحلة العداء والشحن ضد ايران الى طريق مسدود، يجب علي الدول العربية ان تتعامل مع الواقع السياسي الجديد ضمن استراتيجية جديدة، تنهي على الاقل حصرية بناء السياسة العربية على فكرة العداء لايران.  المطلوب ان لا تعتبر الدول العربية هذا الاتفاق يشكل انقلاباً عليها و على تحالفاتها. المطلوب ان يتم النظر الى هذه الخطوة  على انها تقدم فرصة جديدة لعقد تفاهمات يستفيد منها الجميع و تنهى حالة القلق و عدم الاستقرار التي باتت الصفة الرئيسية للشرق الاوسط. فلا يمكن ان تبقى المنطقة  تعيش في دوامة القتل و التقتيل، و الدمار و التفتيت.، مع التأكيد ان الرغبة في انهاء حالة العداء و الكره قد لا تكون كافية للاعلان عن بدء مرحلة جديدة في العلاقات مع ايران. فالارث الكبير من التجييش الطائفي و استمرار الاستثمار في تكريس العداء و نشر ثقافة الكراهية لسنوات طويلة خلت لا يمكن ان يتم تجاوزه في فترة قصيرة. البحث عن القواسم المشتركة و التنسيق لمواجهة تداعيات الاخطار التي باتت تحدق بالجميع دون استثناء تستدعي النظر الى الامام  و تستدعي وقفة جدية لوقف انتشار حالة التمزيق و التفتيت التي باتت تجتاح المنطقة و عقول ابناءها.