هذا المقال بقلم علي شهاب، (الآراء الواردة في هذا المقال تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر لـ CNN)
تملأ النفايات بلدي منذ ما يقارب الاسبوعين كما صار معلوما في ظاهرة من ظواهر انهيار الدولة، التي ننتظر انتفاق واشنطن وطهران حول مستقبلها لنعلن كشعب دفنها رسميا (اقصد الدولة لا النفايات).
ومع ان بعض المتابعين لكتاباتي على CNN بالعربية لم يعجبهم أن أكتب في مقالتي السابقة عن أزمة النفايات في لبنان بدعوى أنني كمن يقوم "بنشر غسيل" البلد (وكأن لبنان معزول عن العالم !)، أجدني مضطرا لإعادة الخوض في المسألة من زاوية مختلفة هذه المرة في معرض تعليقي على التظاهرات التي نظمها الشعب العراقي الفقير ضد الفساد.
قبل أسبوع تقريبا عقد رئيس حزب الكتائب اللبناني سامي الجميل مؤتمرا صحفيا تناول فيه فضيحة النفايات. وقد لقي كلام السياسي الشاب استحسان الكثيرين حتى ممن يخالفونه الرأي في السياسة، ذلك أنه ببساطة تحدث عن قضية تهم جميع المواطنين وطالب القضاء بكشف المتورطين؛ بمعنىً اخر رفع الجميل شعار العدالة واحقاق الحق (و أنا غير معني عن الاجابة على اولئك الذين يشككون في نوايا الناس لمجرد الاختلاف معهم).
الا أن الشعب اللبناني لم يحرك ساكنا حتى الساعة، باستثناء تحرك خجول في العدد (ولكنه عظيم في المضمون والشعار "#طلعت_ريحتكم") لمجموعة ناشطين لم ينجحوا للأسف في كسر حلقة الطائفية المفرغة التي يدور اللبنانيون في فلكها، فنحن ببساطة شعب لا يتظاهر لأجل همومه المعيشية ولكننا مستعدون لتدمير البلد لأجل مطالب سياسية قد ينادي بها زعماء الطوائف (وأنا هنا اشمل رجال الدين والسياسة معا).
ما يهمني في استحضار الواقع اللبناني هو التمني الا يقع الشعب العراقي الشقيق والمظلوم في فخ تكرار التجربة اللبنانية.
وانا اصف الشعب العراقي بالمظلوم كونه ضحية جملة عوامل تجره بعنف الى بؤرة الطائفية والمذهبية البغيضة، مع ان تاريخه وحضارته يشهدان على ما هو عكس ذلك تماما.
تخيلوا ان بلدا بحجم العراق في الموارد الطبيعية والبشرية وبميزانية سنوية تناهز ال 130 مليار دولار يفتقد الى الحد الأدنى من مقومات العيش الكريم، وأنا هنا أتحدث عن بلد معدم خدماتيا الى درجة تدفعك الى التشكيك بكل مكونات الكيان العراقي مهما كانت خلفيتك الثقافية او الفكرية او السياسية.
لن اطيل في الخوض في تفاصيل الواقع المعيشي للعراقيين، والذي شهدته عن قرب خلال زيارتي بغداد السنة الماضية، احتراما لهذا الشعب، ولكني أختم بالاشارة الى امر عجيب برز على هامش تظاهرات العراقيين ضد الفساد، حيث علت العديد من الاصوات من احزاب وتيارات دينية ترفض التظاهر وتعتبره مدخلا لعودة حُكم البعث!
يحضرني في هذا السياق، حادثة حصلت يوم ثورة كربلاء، حين سأل علي بن الحسين والده الامام الحسين: ما لهؤلاء القوم لا يسمعون نداءنا؟
فأجابه الحسين: مُلئت بطونهم من الحرام فأنساهم الشيطان ذكر الله.