مقال للكاتب الصحفي تيم ليستر لـ CNN
لندن، بريطانيا (CNN)- عملية القتل المزعومة للمهندس الكرواتي، توميسلاف سالوبيك على يد جماعة مرتبطة بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" تبعث برسائل خطيرة على أكثر من صعيد.
تنظيم داعش سيحاول الاستفادة من عمليات قتل الأجانب بكل طريقة ممكنة، وهو يدرك مدى فظاعة الاستغلال الإعلامي لأعماله المرعبة هذه أكثر بكثير من سائر عملياته. ذراع داعش الأمنية باتت تمتد إلى مناطق تتجاوز شبه جزيرة سيناء لتصل إلى الصحراء الواقعة غرب البلاد ومناطق أخرى لا تبعد كثيرا عن العاصمة القاهرة، حيث تعرض سالوبيك للاختطاف في 22 يوليو/تموز الماضي.
رغم التعهدات السابقة للحكومة المصرية للقضاء على تنظيم داعش في البلاد وتوفير الموارد الضرورية لذلك، إلا أنها لم تسجل حتى الآن الكثير من التقدم على هذا الصعيد، فهي تواجه أحد أقوى الفروع لتنظيم داعش خارج سوريا والعراق لجهة التنظيم والقدرات العسكرية، علاوة على أن تنظيم "ولاية سيناء" ليس الجماعة الجهادية الوحيد التي تنشط بمصر.
خطف الأجانب أولوية
بعد خطف سالوبيك، قدّم التنظيم للحكومة المصرية مطلبا كان يدرك مسبقا – على الأغلب - أنها لن توافق عليه، ويتعلق بالإفراج عن سجينات مسلمات، وجرى تقديم العرض في رسالة مصورة ظهر فيها المخطوف الكرواتي بملابس الإعدام الخاص بداعش، ولزيادة العنصر التأثيري، قدم المسلحون مهلة لا تزيد عن 48 ساعة، وبعد تأخير لعدة أيام نشر التنظيم صورة رغم عبرها بتأكيد القتل.
سالوبيك عمل في مجال الطوبوغرافيا بعد دول عربية، وهي دول يعمل فيها عشرات الآلاف من الغربيين، وبالتأكيد فإن الكثير منهم سيشعرون بالقلق الآن حول إمكانية الاستمرار في عملهم بأمان، وقد يكون على شركاتهم إعادة تقييم الإجراءات الأمنية حتى في المناطق التي مازالت حتى الآن خالية من وجود داعش.
العام الماضي، قتل عامل غربي آخر هو الأمريكي ويليام هندرسون، في منطقة لا تبعد كثيرا عن المكان الذي اختطف منه سالوبيك. وقد بدت الحادثة كأنها جريمة سرقة سيارة، وفقا للشركة التي كان يعمل لديها، وهي "أباتشي للنفط"، قبل أن يعود تنظيم "ولاية سيناء" التابع لداعش، والذي كان قبل ذلك يعرف باسم "أنصار بيت المقدس" لينشر صورا لجواز سفر هندرسون وبطاقات هويته، مؤكدا مسؤوليته عن قتله.
داعش يفرد أجنحته
تنظيم "ولاية سيناء" يشكل بالتأكيد تهديدا يفوق التهديدات العادية للغربيين، فقد قام التنظيم بتشييد بنية تحتية قوية في صحراء سيناء، وأظهر قدرته على تنفيذ عمليات جريئة ومعقدة ضد مقرات عسكرية محصنة، وأبلغ دليل على ذلك الهجوم الذي شنه في الشيخ زويد بيوليو/تموز الماضي وأدى لمقتل 23 جنديا، مع أن التقديرات الأخرى تشير إلى ضعف ذلك العدد.
وقد سبق للمحلل العسكري في صحيفة هآرتس الإسرائيلية أن ذكر بأن الهجوم استهدف بشكل متزامن 15 نقطة عسكرية مصرية، وشمل استخدام السلاح المفضل لدى التنظيم الأم، أي الهجمات الانتحارية بسيارات مفخخة. وقد أقلق هذا الأمر الجانب الإسرائيلي الذي سمح للمصريين بإدخال تعزيزات عسكرية إلى سيناء تفوق ما اتفق عليه بمعاهدة السلام بين البلدين.
وقد كثرت في الفترة الماضية التقارير حول مزاعم فرار جنود من الجيش المصري من وجه هجمات التنظيم، إلى جانب تقارير أخرى عن استخدام المسلحين لصواريخ موجهة مضادة للدبابات، إلى جانب الواقعة المزلزلة المتمثلة باستخدام التنظيم لصاروخ موجه أدى إلى إلحاق أضرار كبيرة بمركب عسكري مصري بالبحر المتوسط.
وقد أشارت دراسة نشرها مركز "دراسات الحرب" إلى أن الضربات التي تلقتها القوات المصرية مؤخرا تعكس "حالة ضعف التدريب وقلة الاستعداد التي تكبّل الجيش المصري وعملياته بسيناء. بينما يشير الباحثان مختار عوض وصامويل تيدروس إلى أن جماعة "أنصار بيت المقدس" ورثت تجربة العديد من الجماعات الجهادية التي نشطت بين عامي 2011 و2013، إلى جانب استغلالها للحرية النسبية في فترة حكم الإخوان المسلمين القصيرة لتعيد بناء شبكاتها الجهادية.
وبحسب تيدروس وعوض، فإن هناك شبكات أخرى خارج سيناء ترى نفسها جهات مستقلة داعمة لداعش ولا تنتمي بالضرورة إلى فرع "ولاية سيناء"، وقد تكون تلك الشبكات هي المسؤولية عن الانفجار الكبير الذي وقع خارج مقر القنصلية الإيطالية في القاهرة في 11 يوليو/تموز الماضي، والذي تبناه داعش مباشره وليس فرعه في سيناء.
كما تواجه مصر خطرا متزايدا من حدودها الغربية تمثله نشاطات داعش في ليبيا، والتي سبق لسلاح الجو المصري أن استهدفها، إلى جانب أن القاهرة لم تتخلص تماما من خطر المتعاطفين مع تنظيم القاعدة على أراضيها، وبين أخطرهم ضابط الصاعقة السابق، هشام عشماوي، الذي يعتقد أنه مسؤول عن هجوم أدى إلى مقتل 21 جنديا مصريا عند الحدود مع ليبيا العام الماضي.
أزمات مصر المتعددة
المشاكل الأمنية ليست أزمة مصر الوحيدة، فالرئيس عبدالفتاح السيسي يحاول مع حكومته إعادة النشاط إلى الاقتصاد، وتبدو عملية افتتاح قناة السويس "جوهرة التاج" في هذا الجهد، ولكن الطريق ما زالت طويلة، وقد قدم السيسي الشكر للإمارات والسعودية بسبب دعمها المالي المستمر لمصر، معتبرا أنه لولاه لما تمكنت البلاد من الصمود، علما أن حكومته تعتزم أخذ إجراءات لخفض العجز، بينها فرض ضريبة قيمة مضافة، لكنها تخشى - على ما يبدو - رد الفعل الشعبي.
من جانبها، تنظر أمريكا بقلق إلى الوضع في مصر، فهي تدرك أهميتها الاستراتيجية من جهة، ولكنها قلقة من جهة أخرى بسبب الانتهاكات الحاصلة لحقوق الإنسان منذ إطاحة السيسي بحكم الإخوان المسلمين منذ عامين وتخشى أن يؤدي ذلك إلى المزيد من التطرف.
لقد استأنفت أمريكا شحنات الأسلحة إلى مصر في نهاية 2013، وقال مسؤول أمريكي إن تسليم القاهرة مقاتلات من طراز F-16 سيساهم في تقوية قدرة الجيش المصري على محاربة الإرهاب. وفي الوقت نفسه قال وزير الخارجية الأمريكي، جون كيري، من القاهرة إنه بحال وجود عدم ثقة بين الحكومة والشعب فإن "المزيد من الناس المخدوعين سينخرطون في العنف وستكون هناك المزيد من الهجمات."
انحدار مصري؟
لأكثر من جيل كامل، كان مصر الدولة الأقوى بين الدول العربية، عسكريا ودبلوماسيا، وشكلت الدرع العربي بمواجهة الثورة الإسلامية في إيران، وهي تستضيف مقر جامعة الدول العربية منذ عام 1964، وقد سبق لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق، هنري كيسنجر، أن قال "لا يمكن صنع حرب بالشرق الأوسط دون مصر، ولا يمكن صنع سلام دون سوريا."
وأنتج المصريون معظم الأعلام السينمائية العربية البارزة، وكذلك أفضل الإنتاجات الأدبية العربية، ونال أربعة مصريين جوائز نوبل. أما اليوم فإن المراقبين يرون أن مكانة ودور مصر في تراجع على مستوى المنطقة بسبب ظروفها الداخلية بينما تحتل تتنافس تركيا وإيران على الطليعة.
مصر لديها "تحالف صعب" مع إسرائيل ضد عدوهما المشترك في قطاع غزة، وهي اليوم أيضا باتت تعتمد على السعودية ودول الخليج للحصول على دعم مالي. وقد شهدت البلاد في السابق الكثير من الأحداث العنيفة، فمن تحركات التيارات الناصرية إلى هجمات التنظيمات الجهادية التي شملت عملياتها اغتيال الرئيس الأسبق، أنور السادات، كما مرت في تاريخها بالكثير من المشاكل الاقتصادية.
ولكن كما يقول ستيفن كوك، أحد أبرز الباحثين في الشؤون المصرية، فإن ديناميكيات العمل السياسي المصري مشلولة بالكامل حاليا، وتعصف بها رياح "التطرف القومي وعدم الاستقرار السياسي وتزايد العنف وسيادة جو عام من الفوضى."
لقراءة رد الخارجية المصرية على المقال (اضغط هنا)