مقال كتبه تيم ليستر لـCNN.
(CNN) -- كانت شجاعة بضع ركاب على متن القطار السريع من أمستردام إلى باريس يوم الجمعة قد منعت سفكا رهيبا للدماء. ولكن شجاعتهم هذه عوضت عن فشل آخر للمراقبة والتحري. وأظهر الحادث من جديد أن حماية أوروبا من الاعتداءات الإرهابية هي مهمة شبه مستحيلة.
وهناك العديد من الأسباب لذلك. أولاً، اختباء شبكات الجهاديين بين ملايين المهاجرين المسلمين المقيمين في أوروبا. ثانياً، سفر المزمعون على الانضمام للجماعات الجهادية من وإلى ساحات القتال والتدريب في سوريا والعراق. وثالثاً، سهولة الحركة داخل أوروبا. قد يكون الطيران آمنا، ولكن السكك الحديدية ووسائل النقل الأخرى في أوروبا ليست كذلك. هناك العديد من الأهداف. بالإضافة لسهولة الحصول على الأسلحة مثل الكلاشينكوف يجعل من السهل تخطيط وتنفيذ الأعمال الإرهابية السهلة فضلاً عن مؤامرات التفجير الطموحة.
بالإضافة إلى ذلك، رغم التعاون بين أجهزة الاستخبارات الأوروبية وتحسنها، إلا أنها ليست دقيقة كما ينبغي. ولا يزال من الصعب جداً التنبؤ بهوية الذين سيقررون الانتقال من التفكير بالهجمات إلى تنفيذها فعلا من بين آلاف الأفراد المتطرفين، فمراقبة كل منهم تتطلب موارد ضخمة ومستوى عال من المراقبة من الصعب توفيقه مع الديمقراطية.
وهناك أمر آخر مثير للقلق: هل تحاول جماعات مثل داعش تهريب نشطاء إلى أوروبا بين عشرات آلاف المهاجرين عبر البحر الأبيض المتوسط؟ قال أبو ارحيم الليبي، أحد أتباع داعش البارزين، في فبراير/شباط الماضي، إنه رغم أن الهجرة الجماعية من ليبيا قد تكون كانت "مُسيطر عليها ومطورة استراتيجياً، إلا أن قد تعمم الفوضى في أوروبا الجنوبية".
ما زالت المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية (DGSI) تستجوب أيوب الخزاني (الموقوف بتهمة محاولة إطلاق النار داخل قطار للركاب قبل أيام). فهو لم يوجَه إليه الاتهام رسميا بعد، ولكن التفاصيل الناشئة عن ماضيه توضح العديد من المشاكل التي تواجهها وكالات الاستخبارات الأوروبية.
عدد كبير من السكان المهمشين
وفقاً لمسؤولين إسبان، انتقلت عائلة خزاني إلى إسبانيا في عام 2007. فهم كانوا في الأصل من تطوان المغربية، وهي بلدة ترتفع فيها بطالة الشباب وتقع على الساحل البحر الأبيض المتوسط، وكانت أرضاً لتجنيد الجماعات الجهادية لمدة طويلة. في ذلك الوقت كان من الشائع جداً أن يُمنح المغاربة وأجانب آخرين الإقامة وتصاريح العمل في إسبانيا. فارتفع عدد المهاجرين المقيمين في إسبانيا من أقل من 2 بالمائة من السكان في عام 1999 إلى أكثر من 12 بالمائة بعد عقد من الزمن.
وبعدئذ انتقلت الأسرة من العاصمة مدريد إلى المدينة الساحلية، الجزيرة الخضراء، على بعد حوالي 16 كيلومتراً عبر البحر المتوسط من الساحل المغربي. وكانوا يعيشون في حي السالاديللو، والذي يعاني من الفقر وارتفاع معدلات الجريمة وتجارة المخدرات. فعلى سبيل المثال، اعترضت الشرطة الإسبانية في شهر أبريل/نيسان من هذا العام 850 كيلوغراما من الحشيش المغربي الذين كان يجرى تفريغه في ميناء الحي.
لقد أُلقي القبض على الخزاني مرتين على الأقل بتهم متعلقة بالمخدرات في مدريد، وفقاً لسجلات إسبانية عن تاريخه. وقال والده في مقابلة مع صحيفة "ديلي تلغراف سانداي" إن أول اعتقال لابنه كان في عام 2009. يبدو أنه قد نجا من العقاب عن وظائف غريبة وجرائم صغيرة بين الحين والآخر، والتي جعلته شبيها لكثيرين مثل محمد مراح، والذي أطلق النار عبثاً في تولوز، فرنسا عام 2012، مما أسفر عن مقتل سبعة أشخاص، ومهدي نموشي الذي عاد من سوريا وهجم على متحف يهودي بسلاح ناري في بروكسل في شهر مايو/أيار من عام 2014.
إن العلاقة بين الجرائم الصغيرة أو إدمان المخدرات ثم الخلاص عن طريق السلفية المتشددة قد ظهرت مراراً وتكراراً في تحقيقات الإرهاب، حتى أصبحت السجون في كثير من الأحيان حاضنة لهذه التحولات. وتتصارع الحكومات الأوروبية مع مشكلة مكافحة التطرف في السجون. وبعد هجمات يناير/كانون الثاني في باريس، ضاعفت الحكومة الفرنسية ميزانية رجال الدين المسلمين في السجون. ولكن المهمة صعبة: فأكثر من نصف نزلاء السجون الفرنسية الذكور مسلمين. وقال أميدي كوليبالي، الذي اعتدى على سوبر ماركت يهودي في باريس في يناير/كانون الثاني، للشرطة بعد اعتقال سابق له إنه قد التقى بالعديد من الإرهابيين في السجن.
ضعف التنسيق الأمني
بعد لمّ شمله مع عائلته عام 2012، بدأ الخزاني في الذهاب إلى مسجد في الجزيرة الخضراء، ووفقاً لسكان محليين في مدينة السالاديللو، أصبح أكثر ورعاً. ما فعله الخزاني لجذب انتباه السلطات الإسبانية غير واضح. لكن وفقا لوزير الداخلية الفرنسي برنارد كازنيوف، نبهت الشرطة الإسبانية نظيرتها الفرنسية أن الخزاني كان يحضّر لسفره إلى فرنسا في أوائل عام 2014. ويبدو أن هناك خلافا بين المصادر الفرنسية والإسبانية عمن كان يعرف ماذا ومتى وما بُلِّغ.
لابد من التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات بسبب سهولة التنقل داخل منطقة شنغن التابعة للاتحاد الأوروبي، والذي تسمح بالسفر بين 26 دولة دون جواز سفر. وقال رئيس الوزراء البلجيكي، شارل ميشيل، متحدثاً عن الخزاني "من الواضح أن هذا الشخص سافر إلى جميع أنحاء أوروبا". وقالت محامية الخزاني، صوفي ديفيد، إنه قد زار ألمانيا والنمسا وكذلك فرنسا وبلجيكا.
إن أنماط السفر هذه شائعة بعض الشيء. فقد تعلمت الجماعات الإرهابية استخدام حدود أوروبا المفتوحة لصالحها. وكتب المعلق الفرنسي غابرييل روبن الأحد أن "اليوتوبيا [العالم المثالي] التي تحتوي على عالم بلا حدود أو هويات الوطنية، أو ببساطة أكثر دون دول مختلفة، أصبح كابوسا لنا."
وقال ميشيل خلال تقديم اقتراحات بشأن تطبيق المزيد من التحقق من هويات المسافرين إن الشنغن مهم لـ "حرية التنقل بالنسبة لأولئك الذين لديهم نوايا حسنة، ولكن تُستخدم هذه الحرية أيضاً من أجل إلحاق الضرر".
ولمح وزير الداخلية الألماني توماس دي مايتسيره أن منطقة الشنغن قد تكون في خطر بسبب أزمة اللاجئين التي تظهر على حدود أوروبا. ولكن من الصعب جداً تفكيك هذه الاتفاقية، وقد قال رئيس المفوضية الاوروبية كلود يونكر إن هذه الاتفاقية لا رجعة فيها. فبالنسبة له ولغيره، فشل اتفاقية الشنغن ستكون بمثابة هزيمة الديمقراطية والانفتاح الأوروبي، سواء كان بسبب الإرهاب أو عدم قدرة أوروبا على تقاسم عبء اللاجئين.
اختيار الأسلحة
كان مع الخزاني سلاح كلاشينكوف عندما صارعه الناس على متن القطار. وكان مع الجزائري سيد أحمد غلام، الذي اعتُقل في باريس في أبريل/نيسان بعد مقتل امرأة، العديد من الأسلحة في سيارة، علماً أن عمره لا يتجاوز الـ 24 سنة. ومن المزعوم أن غلام زودته بالسلاح خلية على صلة بجماعات جهادية في العراق وسوريا. ويؤكد المدعون أنه كان يخطط لشن هجمات إرهابية ضد واحدة أو أكثر من الكنائس. كما استخدم أميدي كوليبالي والإخوان كواشي المتواطئين معه سلاح الكلاشينكوف بهجومهما على مكاتب صحيفة شارلي إبدو الفرنسية باليوم السابق، وكان لديهم أيضاً مدفع رشاش من طراز سكوربيون.
وفقاً لمحللي المخابرات، إنه ليس من الصعب أن تدخل هذه الأسلحة إلى المدن الصناعية التي تقع على جانبي الحدود الفرنسية البلجيكية، ولا إلى غيرها من المدن الكبرى مثل غرونوبل وتولوز. فكثير منها تهرب من دول البلقان بعد أن تُسرق أو تُشترى من مسؤولين فاسدين. وتقوم أكبر شركات تصنيع الأسلحة والذخائر في العالم في المنطقة، التي غمرتها البنادق أثناء انهيار يوغوسلافيا في التسعينيات.
وفقا لتقرير للاتحاد الأوروبي مؤخراً، "وصلت كميات كبيرة من الأسلحة ذات الفئة العسكرية القوية إلى الاتحاد الأوروبي منذ منتصف العقد التاسع من القرن الماضي من غرب البلقان ودول الكتلة السوفياتية السابقة، وغالباً ما يتم الاتجار بها بكميات صغيرة وتخبأ في سيارات كالحافلات التي تسافر مسافات طويلة لتفادي اكتشافها ".
وقدر تقرير آخر أنه في عام 2011 كان هناك 100 ألف طن من الذخيرة المخزونة في البوسنة وحدها.
من يستحق المراقبة؟
كان سيد أحمد غلام على رادار المديرية العامة للأمن الداخلي، وكانت قد حذرته الشرطة بعد عودته من تركيا. وأدرجته المديرية العامة للأمن الداخلي الفرنسية (DGSI) هو وآلاف آخرين في قائمة تعرف بـ "الفيشة س" أو " fiche S". تصنف هذه القائمة الضخمة الأفراد وفقاً لتقييمهم حسب 16 مستوى يهدد الأمن القومي. ولكن العديد ممن الذين كانوا على القائمة لوقت كبير ارتكبوا اعتداءات إرهابية، ممن فيهم نموشي وكوليبالي وآل كواشي. ولقد أجريت الأجهزة الأمنية عدة مقابلات مع محمد مراح قبل هجماته في تولوز. وقد أُخرج ياسين صالحي، المتهم بقطع رأس رب عمله في يونيو/حزيران، من "الفيشة س" في عام 2008.
ولكن المراقبة المستمرة لجميع الذين يتحركون في دوائر متشددة، أو الذين يُنظر إليهم على أنهم تهديد محتمل، هو ضرب من المستحيل، كما هو التنبؤ بمن منهم سيذهب إلى حد تنفيذ عمليات. قد يصل عدد الأشخاص على "الفيشة س" إلى 5 آلاف شخص. ويقول خبراء أمنيون أن مراقبة شخص واحد بشكل مستمر قد تحتاج من 25 إلى 30 عميلا. ويبدو أن بعض المشتبه بهم يتبعون "المسار السليم" لفترة من الوقت ليتخلصوا من المراقبة، أو يستخدمون أزواجهم أو شركائهم للتواصل عبر الهاتف. وهذه حيلة استخدمها كوليبالي وأحد الأخوين كواشي.
وسيركز المحققون الآن على معرفة إذا كان الخزاني قد سافر إلى سوريا أو العراق، أو حتى تركيا، ومتى. فإن تصرفاته على متن القطار، كما أفاد شهود، لا توحي أنه قاتل على درجة عالية من التدريب. ولكن الأجهزة الأمنية قلقة بشكل دائم من أن يسعى داعش لتوسيع حربه من خلال تدريب وارسال بعض مقاتليه الأجانب إلى أوروبا ليعيث فساداً.