دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN)-- من العراق والكويت إلى لبنان ومصر، تتصاعد موجة من الاحتجاجات بحثا عن متطلبات أساسية للحياة، في ظل أزمات أمنية وسياسية تشهدها تلك الدول.
وأشعلت انقطاعات الكهرباء مع حرارة الصيف غضب العراقيين الذين خرجوا احتجاجا على سوء الخدمات والفساد، ما دفع رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى الإعلان عن حزمة إصلاحات لمواجهة الفساد.
وفي لبنان، خرجت حملة "طلعت ريحتكم" احتجاجا على أزمة نفايات غير مسبوقة مع تكدس المخلفات في شوارع بيروت وعدة مدن أخرى في ظل شلل سياسي مع شغور منصب الرئاسة وتمديد مجلس النواب لنفسه وتعطل عمل الحكومة.
وانطلقت حملة "خلوها تخيس" في الكويت، لمقاطعة الأسماك احتجاجا على ارتفاع أسعارها، كما ظهرت في مصر حملة "بلاها لحمة" التي تدعو لمقاطعة شراء اللحوم في ظل ارتفاع أسعارها.
وشهدت مصر أيضا اعتصام لأمناء الشرطة لمطالبة بزيادة بدل المخاطر وصرف حوافز وعلاوات متأخرة، واحتجاجات من موظفين ضد قانون الخدمة المدنية.
وقال مدير مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية وأستاذ علم الاجتماع السياسي الدكتور سعد الدين إبراهيم، في اتصال هاتفي مع CNN بالعربية، إن تلك الاحتجاجات هي "امتداد لتسيس الجماهير العربية واكتشافها للاحتجاجات كوسيلة لتحقيق مطالبها دون عنف أو سفك الدماء".
ورأى أن "إحدى طيبات أو ثمرات الربيع العربي هي اكتشاف وسائل جديدة للاحتجاج أو الضغط على السلطات الحاكمة ومن هنا كل ذلك يدخل في باب الاحتجاجات.. ليس هناك دعوة من هذه المظاهرات تطالب بإسقاط النظام الحاكم عكس ما كنا نراه في 25 يناير أو الثورة الليبية أو الثورة السورية أو الثورة اليمنية.. لا يوجد في هذه الاحتجاجات من يطالب بإسقاط النظام".
وأضاف أن ذلك ليس انخفاضا لسقف المطالب وإنما "ترشيد"، وتابع أن "الثورات لا تنفجر حبا في ذاتها وإنما لمطالب فئة شعبية طال انتظارها.. كل تلك المطالب الحالية ممكن إدارتها والتعامل معها في الأجل القصير والمتوسط وليس الأجل الطويل".
واعتبر رئيس منتدى البدائل العربي ومستشار رئيس مركز الأهرام للدراسات الدكتور عمرو الشوبكي أن "الاحتجاجات الفئوية هي انعكاس لأزمات سياسية عميقة".
وقال الشوبكي إن "أزمة النفايات في لبنان لها بعد سياسي طائفي.. واحتجاجات العراق حول نقص الكهرباء ومواجهة الفساد هي انعكاس لأزمة النظام السياسي في العراق وفشل نظام المحاصصة.. وفي مصر، الاحتجاجات الفئوية انعكاس لأزمة سياسية كبيرة قائمة على غياب فكرة التفاوض السياسي".
وأضاف: "وبالتالي أتصور حتى لو أن الاحتجاجات تأخذ شكل فئوي إلا أنها تعكس أزمة في النظم السياسية العربية.. وتمثل احتجاجات على ممارسات سياسية للنظام".
وتابع أنه "من المحتمل أن تتصاعد الاحتجاجات ولكن قدرة النظام السياسي على الاستجابة لجانب من هذه المطالب ممكن يغير شكلها.. والتصاعد وارد في ظل عدم قدرة النظام السياسي على الاستجابة أو عدم قدرته على الحوار مع المحتجين".
من جانبه، رأى أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور حسن نافعة أن هذه الاحتجاجات الفئوية "انعكاس أو نتيجة لانسداد شرايين الحياة السياسية بشكل أو بآخر".
وقال: "حينما يجد الناس أن قنوات التعبير عن وجهات النظر السياسية أو التعبير عن الآراء المختلفة مغلقة يبدأ التفكير فورا في تحسين أوضاعهم المادية وبالتالي تظهر المطالب الفئوية".
وأشار إلى أنه "كان يوجد في العراق احتجاجات للسنة ومطالب سياسية وقبل ذلك حصل تغير في الحكومة.. وحكومة العبادي حلت محل الحكومة السابقة التي كانت أكثر طائفية.. وموجة الحر وافتقار بعض الأوساط لخدمات الكهرباء كان عاملا مباشرا وراء هذه الاحتجاجات".
وقال إن الوضع في لبنان "مختلف جدا عن الوضع في العراق.. لبنان مرتبط بما يحدث في سوريا.. فيه أزمة سياسية حادة استمرت لفترة طويلة.. لا يوجد رئيس للدولة.. والبرلمان شبه معطل والحكومة أقرب ما تكون إلى حكومة تسيير أعمال.. وبالتالي الوضع في لبنان أيضا مختلف فديناميكيته السياسية مختلفة تماما".
وأضاف أن "ما يحدث في مصر الآن هو عودة للمطالب الفئوية القديمة تدريجيا بسبب الإحساس بارتفاع تكاليف المعيشة.. وبسبب الإحساس بأن الدولة لم تستجب للتوقعات التي كانت كبيرة جدا بعد وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي للسلطة".
وتابع: "هل ستتطور هذه الاحتجاجات كي تصبح ظاهرة مثلما كانت عليه الحال قبيل ثورة 25 يناير أو بعدها مباشرة واستمر لفترة تكاد تقترب من 3 سنوات؟.. أظن أنه من المبكر أو من السابق لأوانه أن نجزم بأن هذا هو الوضع.. لكن هناك بوادر قلق بشكل عام.. بوادر تظلم فئوي".